إبراهيم اليوسف
افتتحنا يومنا، أمس بنبأ رحيل الفنان الكبير سعيد يوسف، وبينما كنا نتابع والأصدقاء في المجلس الوطني الكردي ترتيبات ما يقومون به لنقل جثمانه الطاهر من أستنبول إلى أربيل/ هولير، ومن ثم قامشلي، وبجهود حثيثة من المجلس وبالتعاون بل وبدعم من رئاسة وحكومة الإقليم – وهو ما سنتناوله لاحقاً- والصدمة الكبرى التي تركها رحيله في نفوس أهله ومحبيه، لنعلم في ما بعد برحيل الطبيب والكاتب والشخصية السياسية المرموقة، بل والإنسان د. جوان حقي، وهكذا بالنسبة لرحيل الكاتب زين العابدين خان قد توفي في السويد وأن المحامي أمين خلف الذي كنت أوصل إليه جريدة الحزب الشيوعي في التسعينيات قد توفي في قامشلي؟!
أربعة أشخاص أعرفهم. ومعرفتي لهم كانت على درجات متباينة: زين العابدين التقيته مرة واحدة، ود. جوان التقيته في أكثر من ندوة وسهرة ولقاء في الإمارات بحضور د. شيركو عباس وأصدقاء آخرين، وظللنا نتواصل عبر الفضاء الإلكتروني إلى سنوات قبل أن يغرق كل منا في مشاغله: مرضه، وتيهنا في المغترب، كما إن المحامي أمين كانت لقاءاتي به تقتصر في لقاءات ندواتنا الثقافية والسياسية في الوطن، وفي مكتبه في وسط مدينة قامشلي. أجل غياب أربع شخصيات ذات حضور ثقافي أو اجتماعي أمر يدعو إلى الحزن.
أكثر من مرة ذكرت اسم د. جوان حقي، الذي سألت عنه بعض مقربي من آل حقي الكرام- وهي أكثر من قربى في حقيقتها- وحدثوني عن حكاية ابن عمتهم، وكيفية إقامته في- حلوة- وتغريبة دراسته، وكان ذلك نتيجة احترامي الكبير الذي تركه انطباعي الأول له في لقاءاتنا الإماراتية: ثقافته. رزانته. أخلاقه. وداعته. طيبته. تفانيه وغيرته وغيريته.
ما شدني إليه، وجعل رصيده يتعاظم في نفسي: تحليلاته الأولى لوضع المشهد السوري، مركزاً خلاله على أمرين هما حالة النظام وواقع الكرد الذي احتل تسعين بالمئة من محاضرته التي شاركه فيها د. شيركو عباس القادم من أمريكا، وقدم لها الفنان وليد توفيق الذي ورطته بذلك، نتيجة حبنا له، بعد أن تهربت من التقديم، وكان د. شعلان سليمان من رعى هذا النشاط، الذي حضره وجوه من مثقفي وناشطي الجالية الكردية في الإمارات.
كان حضور ب ي د معدوماً في تلك الفترة، ولا أثر فاعلاً له في كردستان سوريا، بينما راح الرجل يحكي عن قدوم ألفي مسلح من قنديل بالتنسيق بين أكثر من جهة إقليمية واستلامهم زمام الأمور في المناطق الكردية، كخطوة أولى في طريق الهيمنة واستلام المنطقة من النظام، بإشراف جهة أخرى.
في هذه الفترة كان نشاط التنسيقيات الكردية في أوجه، وكانت خطوات توحيد الحركة الكردية سارية، ولهم ثقلهم، وكان النظام يخطط لاستمالتهم، بل إنه وبعد أشهر من انطلاقة ب ي د فإن المجلس الكردي وأثناء الحوارات التي تمت – في الداخل- لم يعطهم من المقاعد إلا أقل مما عرضوه على- اتحاد تنسيقيات شباب الكرد- الذي كانت تتقاذفه آراء متضاربة: مع الثورة/ أم مع الحركة الكردية إلخ، ورفض اتحاد التنسيقيات الانضمام للمجلس، بينما كنت أشدد- وأنا من خارج الاتحاد- لانضمامه للمجلس الذي أخطأ مع الاتحاد، تالياً، وساهم ممثلون له بتمزيق الاتحاد، وإضعافه، وشله، والاعتماد على “بعض” الطارئين، وأقول: بعض، وهم الذين أساؤوا للمجلس، وللحراك، ولم يكونوا في مستوى تبنيهم، وتقديمهم، الأمر الذي تم عن طريق وجوه من قادة المجلس، وبعض الأحزاب الفاعلة.
وما إن دخل الاتحاد الديمقراطي على خط المظاهرات، محاولاً اختراقها، عبر سياسة: الخطوة خطوة، من خلال فرض رؤيته الطارئة التي كانت تناوىء الحراك – وهو ما يتذكره رموز الحراك الشبابي وآمل أن يدونوه- ومن ثم عمدوا إلى الترهيب والترغيب من خلال سياسات: الاختطاف- الاعتقال- العنف- القتل، وإطلاق صفة -الأردوغانية- في الوقت الذي كان تواصلهم على قدم وساق مع تركيا.
هذه كانت بداية نبوءة د. جوان حقي التي تحققت، وكنت وغيري من أبناء الجالية الكردية في الإمارات نعدها -آنذاك- لا تمت إلى المنطق والواقع، بالرغم من متابعتنا لتفاصيل يوميات الثورة السورية، إلا أنه مع مرور الأيام، والأشهر، والسنوات، بدت رؤيته النبوئية صادقة، وهو ما قلته له، وعندما طالبته -عبرالفيس- بعد سنوات بنص تلك المحاضرة قال لي: الصديق الكاتب جان كرد ترجمها إلى العربية ونشرها.
حقيقة، بالرغم من نشر د. جوان العديد من مقالاته ورؤاه في بينوسانو- الكردية، إلا أنني لم أتابع إلا القليل منها، كما مشروعه الكتابي الذي آمل من رفاقه في المجلس الوطني الكردستاني والذي كان يقوده د. شيركو عباس ود. محمود عباس وجان كرد ود. خالد حقي وآخرون أن يجمعوا ما نشره في كتب، وتخليد ذكراه، لأنني ومن خلال متابعتي لسيرته الحياتية، ما بين/ كردستان تركيا- كردستان سوريا- بلغاريا- السويد وجدت أن هذه السيرة-أيضاً- جديرة بالتناول العميق..!؟