إدلب بين أستانا وترتيبات الحل النهائي..

م. محفوظ رشيد 
باعتبار إدلب واقعة ضمن منطقة نفوذ روسيا بالتقاسم مع أمريكا، وهي من مناطق خفض التصعيد المتفق عليها في أستانا، فإن روسيا تضغط بقوة وعجالة لاستعادتها إلى السلطة الشرعية، بعد تماطل تركيا في تنفيذ التزاماتها، وذلك لتستكمل روسيا الترتيبات النهائية المنوطة بها لحل الازمة السورية.
كما أن تركيا تسعى بتمثيلياتها الاستعراضية عبر تحشداتها الضخمة لأجل خلق ظروف جديدة على الأرض بهدف الحصول على تنازلات من روسيا، وكذلك الحفاظ على حياء وجهها بسبب تورطها في المستنقع السوري، باحتضانها ودعمها للعصابات الارهابية التي تسيطرعلى إدلب وتبدي مقاومة للتسويات اللاحقة التي تحصل على حسابها.
تتجنب تركيا الصدام المباشر مع روسيا بسبب الصفقات العسكرية (صواريخ S400) والعقود الاقتصادية (مشروع الغاز) والتبادلات التجارية التي ترتبط معها، وتلجأ للتهديد والوعيد سعياً منها لكسب الوقت وجرّ قوى أخرى إقليمية ودولية (ايران،ألمانيا، فرنسا،..) إلى المشكلة لتخرج من أزمتها بغطاء مبرر وتنفذ التزاماتها تحت  ثبات موقف روسيا و اصرارها.
     بافتراض وجود اتفاق ضمني بين روسيا وأمريكا لانهاء الدور التركي في الأزمة السورية، فهذا يستبعد تدخل أمريكا بشكل فعلي ومباشر إلى جانب تركيا في الحرب بالرغم من دعوات الأخيرة وإدعاءاتها (الاستقواء بناتو والمطالبة بصواريخ باتريوت) هذه من جهة، ومن جهة أخرى فإن أمريكا تسعى لدق الاسفين بين روسيا وتركيا وبالتالي انتزاع تركيا من حضن روسيا، وفي الحالتين تتجه تركيا نحو المزيد من الغرق في الوحل السوري، وأي خيار بين الدولتين العظميين ستكلفها باهظاً من النواحي العسكرية والسياسية والاقتصادية على الصعيدين الداخلي والخارجي.
     أعتقد أن ظروف المناطق التي تقع تحت سيطرة قوات سوريا الديموقراطية (قسد) تختلف تماماً عن حالة إدلب، وأن  شريكتها أمريكا تمتلك أوراقاً كبيرة وكثيرة على الأرض (مثل حقول النفط)، ليكون الحل النهائي بيدها وفق القرار الأممي 2254، لا سيما بعد عودة قواتها العسكرية بأجندات سياسية جديدة بالتزامن مع مشروع  قيصر “العصا الغليظة” التي تلوح بها، وتأكيدات قادتها الميدانيين وتصريحات موفديها السياسيين والدبلوماسيين على استمرار دعم وتسليح (قسد) الحليفة في محاربة “داعش” الذي ما يزال يشكل تهديداً جدياً وخطراً حقيقياً على الأمن والاستقرار في المنطقة وعلى أمن أمريكا ومصالحها وحلفائها.
     أي حوار جدي ومجدي بين (قسد) والنظام مرتبط بترتيبات الحل النهائي المرهون بتوافقات أمريكا وروسيا حول شكل سوريا الجديدة ما بعد الأزمة، والنظام في الوقت الحالي غير جاهز لأنه محكوم بالحضور الايراني ومليشياته وبالوصاية الروسية المباشرة، ومنهمك بالاحتلال التركي وسيطرة العصابات الارهابية الموالية لها على جزء هام من الأراضي السورية، ومضغوط بسبب الأزمات الداخلية التي تواجهه من الحصار والتضخم الاقتصاديين وانخفاض قيمة الليرة السورية، إضافة إلى العقلية الأمنية والذهنية البعثية الشمولية لما قبل 2011 المسيطرة على النظام في سلوكه وطريقة تعامله مع القضايا، وعدم امتلاكه رؤية جديدة وآليات واضحة لمعالجة القضايا الوطنية والديمقراطية والقومية عامة، والقضية الكوردية خاصة.
     الخيار النهائي المفترض والمفروض للادارة الذاتية لشمال شرق سوريا هو الحوارمع دمشق، وجدوى هذا الخيار محكوم بتوفر ونضوج الظروف الذاتية والموضوعية لدى كل طرف، وهذا مرتبط بترتيبات الحل النهائي، التي تضعها القوى العظمى من أطراف الصراع بالتوافق فيما بينها..
     فتح المجلس الوطني الكوردي (أنكسي) لمكاتبه ومعاودة نشاطاته بعد سماح الادارة الذاتية له توخياً ودعماً لمبادرة الجنرال مظلوم عبدي إجراء إيجابي لبناء الثقة وتصفية الأجواء، ويجب أن يستمر الطرفان في إبداء حسن النوايا والجدية في المواقف، والتفاعل إيجابياً مع المساعي التي تبذل من أجل تحقيق التوافق الكوردي- الكوردي وترتيب البيت الداخلي وتوحيد خطابه، ولا مناص ولا خيار إلا بإنجازه بالرغم من وجود تحفظات ومعوقات وممانعات من هنا أو هناك، لأن الدعوات قائمة والضغوظ مستمرة على المستوى المحلي والكوردستاني والدولي.  
22/02/2020

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

ماهين شيخاني في عالم تُرسم فيه الخرائط بدم الشعوب، لا تأتي التحوّلات العسكرية منفصلة عن الثمن الإنساني والسياسي. انسحاب نصف القوات الأمريكية من شرق الفرات ليس مجرد خطوة تكتيكية ضمن سياسة إعادة التموضع، بل مؤشر على مرحلة غامضة، قد تكون أكثر خطراً مما تبدو عليه. القرار الأميركي، الذي لم يُعلن بوضوح بل تسرب بهدوء كأنّه أمر واقع، يفتح الباب أمام…

لم يعد الثاني والعشرون من نيسان مجرّد يومٍ اعتيادي في الروزنامة الكوردستانية، بل غدا محطةً مفصلية في الذاكرة الجماعية لشعبنا الكردي، حيث يستحضر في هذا اليوم ميلاد أول صحيفة كردية، صحيفة «كردستان»، التي أبصرت النور في مثل هذا اليوم من عام 1898 في المنفى، على يد الرائد المقدام مقداد مدحت بدرخان باشا. تمرّ اليوم الذكرى السابعة والعشرون بعد المئة…

د. محمود عباس قُتل محمد سعيد رمضان البوطي لأنه لم ينتمِ إلى أحد، ولأن عقله كان عصيًا على الاصطفاف، ولأن كلمته كانت أعمق من أن تُحتمل. ولذلك، فإنني لا أستعيد البوطي اليوم بوصفه شيخًا أو عالمًا فقط، بل شاهدًا شهيدًا، ضميرًا نادرًا قُطع صوته في لحظة كانت البلاد أحوج ما تكون إلى صوت عقلٍ يعلو فوق الضجيج، مع…

صديق ملا   إن قراءة سريعة ومتفحصة للتاريخ المعاصر في الشرق الأوسط يستنتج : أن هذا الشرق مقبل على تحولات كبرى ، فالدول التي أنتجتها إتفاقية (سايكس_بيكو)ستتفكك لا محالة ليس فقط بتأثير النظام العالمي الجديد ، بل بتأثير يقظة الوعي القومي للشعوب المستعمَرة أيضا… فالتطورات التي حدثت بعد ثورات الربيع العربي ابتداءاً بتونس ومصر وليبيا وأخيراً سورية قد أرعبت الدول…