منشورات: منصة عفرين
لجنة التحضير والمتابعة:
(عبدو خليل – عماد الدين شيخ حسن – خلوصي عمر- خبات ابراهيم – زكريا دادو – شيخو قاقو – عبدالرحمن كورجو – عزيز نعسان – فاروق عثمان – مصطفى سعيد – نذير عجو – جان علو – صلاح الدين حنّان – مروان خورشيد – بكر جعفر)
المحتويات:
عفرين :
– اجتماعياً وديموغرافياً
– الوضع الاقتصادي
– الوضع الأمني
– الحياة السياسية داخل منطقة عفرين
– واقع المزاج الشعبي لسكان عفرين في الداخل والخارج
– عفرين وتموضوعات شرق الفرات
أولاً: مقارنة عامة بين غصن الزيتون ونبع السلام
أ. المقدمات والذرائع الأولية والمسوغات
ب. الأدوات المستخدمة في كلتا العمليتين
ج. النتائج على الأرض
ثانياً: المواقف المحلية والاقليمية والدولية ما بين غصن الزيتون ونبع السلام
ثالثاً: تناقضات مواقف الحركة الكوردية السورية والكردستانية ما بين غصن الزيتون ونبع السلام
1 محور قنديل أو المنضوين تحت لواء مشروع العمال الكردستاني
2 محور المجلس الوطني الكوردي وأربيل
– الخلاصة
– التوصيات
_________________________________
تنويه
===
يهدف هذا التقييم إلى رسم صورة حقيقية للأوضاع في منطقة عفرين منذ بداية الاجتياح التركي لها وصولا إلى تاريخ إعداد هذه الورقة. بعيداً عن أية مؤثرات أو ضغوطات خارجية، ولا يراع هذا التقييم الولاءات السياسية، سواء المحسوبة على الأطراف الكوردية أو النظام أو المعارضة، وتم محاولة تناول الموضوع بـحساسية ذات بعد إنساني بالدرجة الأولى، معتبرين مصالح السكان المحليين أولوية لـ محددات هذا التقييم. لذلك كان لا بد من قراءة الواقع الراهن دون تجميل وبعيداً عن الشعارات والحمولات العاطفية، ومن ثم معرفة الإمكانات المتوفرة والقوى المعطّلة للإستفادة منها في رسم الاستراتيجياتِ.
اجتماعياً وديموغرافياً
===========
نتيجة الصراع السوري الذي شارف على نهاية عامه التاسع تفككت معظم البنى الاجتماعية لدى الأسر على خلفية عمليات النزوح واللجوء، ورغم حالة الأمان النسبي خلال فترة الإدارة الذاتية كـ سلطة أمر واقع، إلا أن أرقام الهجرة/ اللجوء والنزوح الداخلي كانت مهوّلة. حيث تدل التقديرات على أن حوالي 40 % من سكان عفرين نزحوا ولجأوا نحو داخل أو خارج سوريا نتيجة جملة من الأسباب، وتأتي سياسة التضييق والحصار والاعتقال والاستبداد الأيديولوجي بالإضافة إلى التعليم والتجنيد الإجباري في مقدمتها، و عقب الاجتياح العسكري التركي المدعوم من ميليشيات المعارضة (الجيش الوطني السوري) منتصف آذار 2018 لم يتبقى في عفرين سوى عشرات الألاف.
اليوم و في أحسن الأحوال يشكل السكان المحليين الكرد في عفرين ما يقارب 20% ، هذا إذا ما علمنا بأنهم كانوا يشكلون الغالبية العظمى قبل مرحلة الصراع السوري “أكثر من 95%” ، حيث و بعد موجات الاستيطان تحت تهديد السلاح، و الإخلاء و الاستملاك القسريين والتي تأتي ضمن سياسة الهندسة الديموغرافية كطريقة للحل السوري، وإطلاق يد الميليشيات الراديكالية المدعومة من تركيا لتهجير من تبقى في المنطقة، لم يبقى راهنا سوى غالبية من كبار السن، والإحصائيات الحالية رغم عدم دقتها، لكنها تظهر خللاً كبيراً في النمو السكاني و تراجعا كبيراً في نسبة الشباب والأطفال مما ينتج عنه مستقبلاً زيادة في الهوة بين السكان الأصليين والمستوطنين . مع العلم أيضاً بأنه لم يتوقف نزيف السكان المحليين في منطقة عفرين نتيجة استمرار الانتهاكات والتي ترتقي في بعض جوانبها لمستوى جرائم حرب وجرائم ضد الانسانية كما ورد في بعض التقارير الأممية.
الجوانب الاجتماعية بدورها لا تقل سوءا عن الجانب الديموغرافي. حيث التفكك الأسري نتيجة الظروف التي اوجدها الصراع السوري بشكل عام. لذلك نلاحظ التناحر على خلفية تضارب الميول السياسية. حتى بين أفراد العائلة الواحدة، وشاعت في الفترة الماضية ثقافة الخوف نتيجة ترافقها مع جملة من الأعمال الوحشية والتغول التي اتسمت بها سلوكيات الغزاة المنقادين بالثأر الأعمى و الشوفينية المقيتة والعنصرية السوداء المبنية على عقيدة دينية وطائفية أوعقائدية قومية، بمواجهة طبيعة الثقافة المسالمة لسكان المنطقة بالعموم، وما يلفت الانتباه عدم تكاتف الأهالي مع بعضهم البعض مؤخراً كـ نتيجة لسياسات العقاب الجماعي التي تمارسها ميليشيات المرتزقة ، كما يمكن إعادة و تنسيب ذلك إلى مراحل الاستبداد السابقة (مرحلة سلطة النظام إلى ال ب ي د ) و من ثم الاستباحة الكاملة (تركيا والميليشيات).
الوضع الاقتصادي
=========
بشكل عام الحياة الاقتصادية في عفرين تعطلت بشكل كامل نتيجة أعمال السلب والنهب والسطو على الأملاك الخاصة والعامة، وأصيبت الأعمال الزراعية والتي تعتبر الحامل الاقتصادي للمنطقة بالشلل التام. وتفيد المؤشرات بأن معظم السكان المحليين يعتمدون بنسبة كبيرة على المعونات الخارجية، وقسم من هذه المعونات تذهب لصالح مرتزقة الميليشيات نتيجة أعمال السلب والنهب.
ورغم توقف الأعمال الحربية فإنّ هناك تراجع مستمر في الأوضاع الاقتصادية للمنطقة نتيجة الفلتان الأمني المتعمد بالدرجة الاولى، يليه سرقة البنى التحتية الأساسية التي أفقدت الكثيرين وظائفهم و أشغالهم، بالإضافة إلى تعرض المواسم الزراعية للنهب والسلب والأتاوات، و لا تبشر الأخبار الواردة من عفرين بالخير رغم محاولات التجميل من قبل تركيا واطر المعارضة، وسيبقى جذر المشكلة موجوداً وقائماً ما لم يتم إنهاء الاحتلال التركي أو ما لم يُلزم بأداء بواجباته، والتزاماته كمحتل سنداً للقانون الدولي عبر سحب الميليشيات من عفرين مثالاً والكف عن ذهنية العداء والثأر حيال المكون الكوردي.
وتجدر الإشارة الى ان هروب رجال الأعمال والمستثمرين والأيدي العاملة من المنطقة أفقد المنطقة الصفة الانتاجية، وحولتها بالكامل الى منطقة مستهلكة ومستوردة وتحت رحمة تجار الحرب التابعين للميليشيات، وفي أحسن الأحوال يضطر بعض أهالي المنطقة من مزارعين وصناعيين لمحاصصة قادة الميليشيات مقابل حمايتهم وممارسة أعمالهم.
الوضع الأمني
=======
يتواجد في عفرين أكثر من 80 مسمى عسكري. وتُقدّر عدد ميليشياتهم المسلحة مع أجهزتهم الأمنية والشرطية بحوالي 25 ألف، بالإضافة الى 30 نقطة عسكرية تتبع للجيش التركي. هذا إذا استثنينا المستوطنين الذين دخلوا منطقة عفرين بسلاحهم الخفيف، وكل هذا السلاح يتم توظيفه لخدمة وحماية أعمال السلب والنهب والخطف للوصول إلى تنفيذ مخططات التغيير الديموغرافي الممنهجة.
والملفت أنه ورغم تكرار حالات القتل تحت التعذيب ومنهجية استيطان البيوت وأعمال السلب، لم يتم التعامل معها بجدية، لا من قبل المعارضة السياسية خاصة الممثلة بالائتلاف السوري ولا من شريكه المجلس الوطني الكوردي والتي توفر غطاء لهذه الميليشيات، ولا بالتأكيد من قبل الجيش التركي بوصفه وصياً ومحتلاً يتحمل تبعات ونتائج هذه الانتهاكات، ويقودنا هذا إلى حتمية استخلاص وجود تنسيق كامل بين تركيا وهذه الأطر السياسية. إذ حتى عندما يلجأ البعض من الأهالي لتقديم شكاوى للنقاط التركية مثالا، يتم التعامل مع الجرائم المرتكبة كـ مشاكل عابرة وعرضية، ويتم تجاهل الحلول الجذرية، ويدل هذا على ان ثمة توافق ناتج عن سياسات مدروسة بهدف زيادة الفلتان الأمني تجاه السكان المحليين للمنطقة لـ تهجير من تبقى، وهذا ما يفسر استبعاد العناصر الكوردية من هيكلية المؤسسات الشرطية.
بالعموم تعد الحياة العامة والخاصة لسكان المنطقة المحليين مصادرة بما في ذلك حرية التجول والتنقل، يترافق ذلك مع ممارسة ضغوطات ذات طابع ديني وثقافي وتضييق على النساء. لدرجة تبدو فيها المنطقة أشبه بسجن كبير. بالمقابل نلاحظ أنه تم منح كامل الحرية للميليشيات ومن في حكمهم من المستوطنين المسلحين وإطلاق يدهم في المنطقة. مع طرح ثقافة ذات طابع إسلامي راديكالي لطمس معالم الهوية الثقافية للمنطقة.
الحياة السياسية داخل منطقة عفرين
==================
لا يمكن القول راهناً أن ثمة حياة سياسية في منطقة عفرين. خاصة وأن منظومة PKK / PYD سبق لها بدورها وأن ساهمت بطرد قسم كبير من النشطاء السياسيين. نتيجة الاعتقالات والتضييق على كل من اختلف معهم، واليوم يكتمل المشروع مع إطلاق يد الميليشيات المسلحة.
ولا يشمل التضييق فقط على تقييد حركة نشطاء منطقة عفرين سواء كانوا مستقلين أو تابعين لأحزاب كردية، إنما يصل في بعض الأحيان إلى حد القتل تحت التعذيب، ورغم أن البعض من هؤلاء راهن على تبوء زمام الأمور في عفرين. كما هو لدى بعض أحزاب المجلس الوطني الكوردي المتحالف مع الائتلاف السوري لقوى الثورة والمعارضة، والذي كما أسلفنا يعتبر هذه الميليشيات ذراعا عسكرياً لها إلا أنهم صدموا بتدهور الأوضاع يوما بعد آخر، ويعد المجلس المدني الذي شكلته تركيا بالتعاون مع الحكومة السورية المؤقتة و رابطة الكرد المستقلين “مجلس الإنقاذ” والذي تحول فيما بعد لـ مجلس عفرين المدني والذي تلقى دعماً من حكومة أربيل في كردستان العراق مجرد واجهة إعلامية للتغطية على الجرائم التي تجري في المنطقة، مع عدم إغفال النوايا الحسنة للبعض من أعضاء هذه المجالس.
واقع المزاج الشعبي لسكان عفرين في الداخل والخارج
=============================
يعكس واقع حال المزاج الشعبي لعموم سكان منطقة عفرين الصورة الكاملة لواقع الحال الكارثي والمأساوي. حيث الإحباط العام والشعور بـ الخذلان يتصدر مشهد ذاك الحال، وبات السكان يعانون من صدمة كبيرة حيال كل أطراف الحركة السياسية الكوردية السورية وتجاه الوطنيين السوريين، وفقدوا الثقة بالأطر الكردستانية و باتوا يعتبرون الكل بـ سوية واحدة من ناحية درجة فقدان المصداقية. يترافق ذلك مع شعور بـ اللاجدوى من أية مشاريع سياسية جديدة كانت أم قديمة. لذا من المهم ربط هذا المزاج الشعبي مع النقاط السابقة حتى نرى الصورة بأبعاد ثلاثية ودون مغالاة أو تحيز.
عفرين وتموضوعات شرق الفرات
==================
بادئ ذي بدء. شرق الفرات، مصطلح كرسته ما تسمى القوى السياسية الكوردية السورية، ووظفته الدول الضالعة في الشأن السوري بعد عملية غصن الزيتون السيئة الصيت والنتائج، ويتم استخدام هذا المصطلح وغيره من التسميات تماشياً مع دلالة المعنى الذي شاع استخدامه إعلامياً وسياسياً.
أولاً: مقارنة عامة بين غصن الزيتون ونبع السلام
==========================
يمكننا مقارنة ومقاربة عملية غصن الزيتون ونبع السلام من خلال ثلاثة محاور:
أ. المقدمات والذرائع الأولية والمسوغات
المقدمات التي ساقتها تركيا لاجتياح عفرين وشرق الفرات لا تختلف فيما بين المنطقتين سوى زمنياً، وتتلخص بــ نقطتين رئيسيتين: أولاهما هي وجود إدارة لم تستطع الانفكاك عن حزب العمال الكردستاني التركي المدرج على لوائح الإرهاب الدولية، أما الثانية فهي ذريعة إعادة توطين اللاجئين السوريين المتواجدين في تركيا مقابل التهديد بفتح الحدود أمامهم مع أوروبا.
لذلك كانت المسوغات والذرائع التركية لاجتياح عفرين وشرق الفرات تتقاطع وتشترك من حيث الأهداف المعلنة والخفية. حيث الوجود العلني والصريح لـ حزب العمال الكردستاني والذي تمثل في الضخ الإعلامي المؤدلج من قبل منظومة pkk ، ولم تستطع التسميات المختلفة من قبيل ” ypg – ypj- QSD ” التغطية على الحقائق الدامغة. بالإضافة إلى سلوكيات منظومة pkk في المناطق التي احتكرتها بعد هزيمة داعش أو التي استولت عليها من فصائل المعارضة كما في ريف حلب الغربي. وتمثل ذلك بتهجير السكان المحليين لتلك المناطق وممارسة اعمال السلب والنهب والاعتقال بدوافع ثأرية. أما الجانب الخفي فيتمحور حول السياسات التركية الممنهجة في تغيير ديموغرافية المناطق السورية الشمالية، ولا سيما المناطق الكوردية عبر تشكيل حزام طائفي. سني واحياناً تركماني، موال لتركيا استعدادا لأية تقسيمات من الممكن لها أن تطال الجغرافيا السورية. وفي اسوء الاحوال تكريس جملة من الاوضاع الجديدة شمال سوريا تخدم مصالح تركية المستقبلية.
ب. الأدوات المستخدمة في كلا العمليتين
كلتا العمليتين. غصن الزيتون ونبع السلام كانتا بـ تخطيط وقيادة مباشرة من قبل الجيش التركي مستخدما في ذلك الطيران والمدفعية الثقيلة ومئات الجنود من القوات التركية الخاصة، إلى جانب ذلك استخدمت قيادة اركان الجيش التركي الألاف من قوات المرتزقة، وهي ميليشيات تتبع من حيث الأجندات السياسية لأطراف من المعارضة السورية ” الأئتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة” عرفت بـ ” الجيش الوطني السوري “. الموالي والممول من قبل تركيا، وهذه الميليشيات ليست سوى تجميع لفلول حركات إسلامية راديكالية مسلحة، ولديها تجربة واسعة في قتال الشوارع وطرق الاشتباك، ولها باع وتمرس في ممارسة جرائم حرب. ترافق ذلك مع تأييد من حركات إسلامية راديكالية في عموم العالم العربي. مثل حركة حماس وجماعات الاخوان المسلمين.
ج. النتائج على الأرض
في غصن الزيتون احتلت تركيا على مدى 58 يوماُ كامل منطقة عفرين، والمقدرة حسب السجلات العقارية السورية بنحو “2.34 ألف كم” ، وكذلك في نبع السلام وصلت لاحتلال مناطق واسعة من شرق الفرات في غضون أربعة أسابيع، والتي تقارب مساحة منطقة عفرين ، وعمليا تم انسحاب القوات المحسوبة على العمال الكردستاني وتهجير غالبية سكان المنطقتين المذكورتين بتقاطع بين دوافع ومصالح الطرفين. تجلت بـ تهجير وسحب سكان المنطقتين، وإطلاق يد مرتزقة الميليشيات التي تساندها تركيا وتدعمها المعارضة الإسلامية سياسيا. عبر أعمال السلب والنهب والسرقة واستيطان البيوت، مع فارق بسيط للغاية يتمثل في تضاءل حدة الانتهاكات التي ترافقت مع عملية نبع السلام بالمقارنة مع الوحشية التي جرت في منطقة عفرين، وذلك لاعتبارات عدة. منها التواجد الامريكي والاوربي في شرق الفرات، والضخ الإعلامي الذي رافق مجريات العملية، والرفض الأممي للمغامرة التركية.
ثانياً: المواقف المحلية والاقليمية والدولية ما بين غصن الزيتون ونبع السلام
========================================
المواقف المحلية السورية ظلت إلى حد بعيد كما هي النظام السوري أكتفى بخطاب للتسويق الداخلي، وراح يندد تارة ويروج للعودة الى اتفاقية اضنة في محاولة نيل الرضى التركي، ولكنه لم يحيد عن تنفيذ الاملاءات الروسية، ورغم المناوشات وتبادل التهم مع قوات قسد والمقربة من PKK إلا أن الطرفان بدورهما ظليا وفيّين للصفقات الخفية والتاريخية فيما بينهما.
المعارضة السورية المقربة من أنقرة بشقيها السياسي والعسكري ظلت ملتزمة بخدمة المصالح التركية، واعتبرت نبع السلام امتداد لانتصارات غصن الزيتون، إلا أن أجندات الإسلام السياسي السوري المرتبط مع تركيا في نبع السلام كانت أكثر وضوحاً من ذي قبل.
وباستثناء تيارات وشخصيات من بين المعارضة السورية الوطنية لم يندد أحد بكلتا العمليتين. مع أن المزاج السوري العام، خاصة في مناطق إدلب والباب وإعزاز والجزيرة السورية اظهرت امتعاضاً واضحا من عملية نبع السلام. بينما في غصن الزيتون تماهى الكل مع العملية، سيما وأن العملية تزامنت مع العمليات العسكرية التي قام بها كل من النظام وروسيا في ريف ادلب الجنوبي، وأميط اللثام عن صفقات تركية روسية تخص ريف إدلب على حساب تمرير عملية نبع السلام. وتكرر سيناريو مشابه لصفقة الغوطة عفرين.
التحول الأكبر كان في مواقف الدول العربية وأوربة تجاه عملية نبع السلام، كان التنديد والرفض صريحا ضد التدخل التركي، ورغم موافقة امريكا على تدخل محدود ومتوافق عليه، وتخلت جزئياً عن قسد في بعض المناطق وجاء تشبيه دونالد ترامب لمنظومة pkk بداعش، وبأن الكرد ليسوا ملائكة. لكن تداعيات العملية العسكرية وضعت تركيا في موقع الاتهام والمواجهة مع أمريكا والعالم مباشرة. بينما في غصن الزيتون تم تمرير العملية بهدوء ودون اي ضجيج بالمقارنة مع ما جرى في شرق الفرات.
ثالثاً: تناقضات مواقف الحركة الكوردية السورية والكردستانية ما بين غصن الزيتون ونبع السلام
======
من الناحية العملية تظهر اختلافات واضحة بين مواقف الحركة الكوردية في سورية حيال عملية نبع السلام عما كانت عليه في غصن الزيتون، ويشمل ذلك أيضا مواقف الأطر الكردستانية في كل من العراق وتركيا وإيران.
ومهما تنصلت الحركة الكوردية في سورية من مسببات ودوافع الشراكة في عملية غصن الزيتون تبقى متورطة بدرجة كبيرة، ويمكن تبيان ذلك عبر محورين:
1. محور قنديل أو المنضوين تحت لواء مشروع العمال الكردستاني
====================================
وهو يشمل كل الأحزاب التي أنتجها العمال الكردستاني/ التركي في كل من سوريا والعراق وإيران، أو الاحزاب المقربة من مشروعه في سوريا، كما حزب الوحدة / يكيتي، أو الحزب التقدمي. بالإضافة إلى الأحزاب والأطر المدنية التي أسستها هذه المنظومة بعد ربيع 2011 في سوريا تحت مسميات عدة.
بشكل عام في عملية غصن الزيتون بدا واضحا تمسك هذا المحور بالمكتسبات العسكرية والإدارية التي تم تحصيلها، سواء بصفقات مباشرة مع النظام السوري أو من خلال تطورات مجريات الأمور خلال سنوات الصراع. خاصة بعد المشروع الأمريكي في الحرب على داعش، لذلك لم تذعن لأية مبادرات أو نصح تتعلق بتخفيف الحمولة الايديولوجية المتعلقة بـ العمال الكردستاني، أو بسحب مقاتليه من غير ابناء المنطقة. والمجندين طوعا أو قسراً، وتسليم المنطقة لأية جهة كان يمكن لها المحافظة على جغرافية وديموغرافية المنطقة، ولعب الطابور الخفي المتحكم بمفاصل هذه المنظومة في التجييش والدفع نحو المواجهة العسكرية، وكان واضحاً الخرق التركي العميق لهذه المنظومة، واستخدامها كإحدى الادوات المهمة في عملية غصن الزيتون . وظهر ذلك بوضوح من خلال إصرار هذه المنظومة على سحب المدنيين من سكان منطقة عفرين إلى خارج حدود المنطقة، ووصم كل من تبقى بالخيانة.
أما في نبع السلام وبحكم التواجد الامريكي والغربي خففت هذه منظومة التابعة للإدارة الذاتية من تعنتها الأيديولوجي لحد كبير، وتساهلت مع المدنيين ورضخت للإملاءات الدولية والمحلية، وصارت أكثر جدية أمام تحديات جديدة أخذت تهدد كامل وجودها في سوريا، وتجلى ذلك في التخبط والتردد للصهر مع المشروع الأمريكي أو الروسي، وظهرت تصاريح لقادة هذه المنظومة لا تمانع حتى الاندماج مع المشروع التركي والذي زعم أنه بصدد تشكيل مناطق آمنة.
2 محور المجلس الوطني الكوردي وأربيل
=======================
في غصن الزيتون تماشى هذا المحور كلياً مع المشروع التركي، وتماهى مع الخط الإسلامي للمعارضة السورية والمتمثلة في الائتلاف السوري لقوى الثورة والمعارضة، واعتبر ما يجري في عفرين تحريراً من قبضة العمال الكردستاني، واستعد لتولي المرحلة اللاحقة. ما بعد التحرير المزمع، وأعتبر كل من أنتقد عملية غصن الزيتون شريكاً للعمال الكردستاني، وأظهر جانباً انتقامياً وثأرياً لا يمت للسياسة بصلة واستبعد أية تغييرات ديموغرافية في منطقة عفرين بداية الأمر، وحاول تفنيد الانتهاكات واعادها لحوادث فردية، ومع الوقت حاول التراجع بخجل أمام هول الانتهاكات والجرائم المرتكبة بحق السكان المحليين في عفرين. لكنه واظب على تحالفاته مع المعارضة مبرراً العملية العسكرية على أنها صفقة دولية خارج حدود طاقته، أو أن انسحابه من اطر المعارضة الإسلامية خسارة للقضية الكوردية السورية وأنها أفضل الممكنات، وحاول قدر الإمكان الإفادة من سكوته وصمته حيال الجرائم المرتكبة في منطقة عفرين للحصول على مكاسب سياسية ضمن تحالفاته مع المعارضة الإسلامية. كما في اللجنة الدستورية أو الهيئة العليا للمفاوضات وبعض المكاسب الاخرى. مادية أو معنوية.
ورغم تهافت المجلس الوطني الكوردي مع أطر اخرى مثل رابطة المستقلين الكرد، أو بعض الشخصيات التي حاولت تركيا التسويق لها عبر خوض تجربة المجالس المحلية المتشكلة بعد الاجتياح. والتي من الناحية العملية لم تكن سوى تغطية على الجرائم والانتهاكات التي كانت تتصاعد في عموم منطقة عفرين، وتمرير أجندات التغيير الديموغرافي، وبنفس الوقت محاولة لفرملة تحركات نشطاء منطقة عفرين في الداخل والخارج والتي أخذت تفضح الجرائم الممنهجة لدى الجهات الأممية رغم ضعف الإمكانات ومحدوديتها.
بينما في عملية نبع السلام لحد كبير تغيرت مواقف المجلس الوطني الكوردي. على الأقل إعلاميا، مستفيدين من تجربتهم في عفرين وخروجهم من غصن الزيتون التي لاقت دعمهم السياسي دون أية مكاسب تذكر، وظهر التردد والتخبط داخل المجلس بين مؤيد ورافض لعملية نبع الفرات. خاصة بين ممثلي الداخل والخارج، وانتهى الامر بتصدعات علنية وخفية، واظهر المجلس عجزاً في اتخاذ قرارات واضحة وصريحة وضعفاً في لعب أي دور مؤثر وفعال. عكس ما يدعيه إعلامياً، وحاول إيجاد صيغة تفاهم جديدة مع منظومة العمال الكردستاني في سبيل عقد صفقات تتيح له مساحة على الأرض.
لكن الملفت والمهم هي المناطقية التي وصمته على الدوام. أي المجلس الوطني الكوردي، وتهرب منها أو نفاها. ليس فقط من خلال تحييد ومحاربة نشطاء عفرين المستقلين، إنما حتى مع المنضوين تحت لواء المجلس، ومازال التعامل معهم بطرق الوصاية والنظرة الدونية، وتجلت المناطقية بوضوح أكثر مع الهجوم التركي على شرق الفرات، وتقودنا هذه النقطة إلى موقف حكومة اقليم كردستان العراق وتحركاتها في هذا السياق، سيما أنها الداعمة الفعلية للمجلس الوطني الكوردي وتسعى من خلاله تحقيق توازن مصالحها سواء مع تركيا أو فيما يتعلق بـ الملف السوري.
في غصن الزيتون لم تلعب اربيل أي دور يذكر سوى انتظار هزيمة منظومة pkk لتحقيق مكاسب مستقبلية في شرق الفرات، ويعود ذلك بحكم القرب الجغرافي من جهة، ومن جهة اخرى ربما بحكم غياب أي تمثيل حقيقي وجاد لمنطقة عفرين لدى حكومة اربيل و التي دعمت بعض ابناء المنطقة المقربين من تركيا، وبنفس الوقت ساندت المجالس المحلية، وكان واضحاً أن غالبية المرشحين كانوا من المجلس الوطني الكوردي. وأكتفت ببعض التنديدات الإعلامية بعيداً عن المواقف الرسمية المكلفة.
إلا أن عملية نبع السلام اظهرت نشاطاً وتدخلا ملفتاً لحكومة اربيل وقادة الحزب الديموقراطي الكردستاني العراقي، وبشكل رسمي. سواء مع أطراف دولية أو محلية، ولا يمكن بأي شكل من الاشكال مقارنة ذلك مع ما جرى في منطقة عفرين، وسارعت لتقريب وجهات النظر بين المجلس ومنظومة pkk وحتى لدى تركيا، بطبيعة الحال هذا إذا استثنينا الدعم المادي والمعنوي لنشطاء وقادة المجلس المنحدرين من شرق الفرات طيلة السنوات السابقة.
الخلاصة
====
تعاني منطقة عفرين من تدمير ممنهج على يد ميليشيات راديكالية تدعمها تركيا وتستخدمها كأدوات رخيصة لتحقيق مخططها في إحداث تغييرات ديموغرافية سريعة عبر محو خصوصية المنطقة، وبلغت حدة الانتهاكات درجة حرجة تجاوزت فيها مستوى جرائم الحرب والجرائم الممنهجة ضد الإنسانية.
وبشكل عام لم تلقى المنطقة مناصرة دولية، لا من السوريين الوطنيين، ولا من الحركة الكوردية السورية التي صب جل اهتمامها على مناطق شرق الفرات، ولم تلقى أي اهتمام كردستاني سياسي أو شعبي، و بشكل عام اتسمت مجمل هذه المواقف بـ ترقب ما ستؤول إليه النتائج بعد هزيمة سلطات الأمر الواقع pyd، وتجاهلت الانتهاكات والتغيرات الديموغرافية، وبحثت عن موطئ قدم لها في المنطقة، و حاول الكل عدم الاصطدام سواء مع ميليشيات المعارضة أو مع تركيا.
التوصيات
=====
التوصيات المقترحة حول كارثة عفرين تنطلق من المقدمات السابقة والمنبثقة عن تقييم الوضع الميداني والسياسي في سوريا بشكل عام والوضع الكوردي بشكل خاص. بعيداً عن الحلول الرغباتية والخيالية والشعاراتية وقريبا من ما هو واقعي وممكن، ويمكن حصرها بالنقاط التالية:
١ – نشر ثقافة التكامل وتقبل الأخر المختلف عوضاً عن التنافس والتناحر.
٢ – ربط السكان المحليين من منطقة عفرين واللاجئين في الخارج مع سكان الداخل عبر فعاليات تكافلية سواء بالدعم المادي أو المعنوي، والتركيز على الجيل الناشئ وربطهم مع الجذور والقيم التي لا تتعارض مع روح العصر.
٣ – توزيع المهام والتخلص من الخلط بين العمل السياسي والاعلامي والمدني والتوثيق وما إلى ذلك.
4 تشجيع من في الداخل والخارج على ضرورة توثيق الانتهاكات والجرائم وتبديد المخاوف المتعلقة بذلك لدى الضحايا وذويهم، ونشر ثقافة رفض اللجوء إلى الرشاوى والفديات لحل بعض الانتهاكات. على سبيل المثال. دقع مبالغ مالية لإطلاق سراح المختطفين.
٥ – عدم نشر الانتهاكات عبر وسائل التواصل الاجتماعي إلا بعد الحصول على أذن مسبق من الضحايا أو من في حكمهم، واستعاضة ذلك بالتقارير الحقوقية المهنية والسرية الموجهة للجهات الأممية والمنظمات الدولية.
٦ – العمل على إعداد دراسات وابحاث متخصصة وعلمية تتناول الانتهاكات والسياسات الممنهجة والرامية لتغيير ديموغرافية عفرين وطمس معالمها الثقافية والتاريخية.
٧ – دعم ومساندة أية فعالية تخدم المنطقة ولا تستثمر لصالح اجندات حزبية ضيقة. وتساهم فقط في إيصال حقيقة الكارثة للمجتمع الدولي والمحلي السوري، ونشر ثقافة التفاني في العمل.
٨ – التوجه لأهل عفرين في المخيمات الواقعة تحت سيطرة ب ي د وحثهم على العودة الى منطقة عفرين والعمل على حل ومناقشة مشكلة هؤلاء مع الجهات الدولية لتوفير ضمانات تؤمن لهم عودة أمنة.
٩ – تشجيع الفئات المثقفة على العودة لممارسة الشأن العام والعمل الجماعي وأخذ دورهم الكامل بدلاُ عن حالة العجز والتشتت، وتشجيع كل المبادرات المستقلة والفردية.
١٠ – محاولة التقليل من الفعاليات التي تتوجه للضحايا فقط، والمقصود هنا الفعاليات المغلقة والمحدودة والمحلية والتي لا تصل للرأي العام العالمي. والارتقاء بهذه الفعاليات حتى تحقق الهدف المرجو منه.
١١ – التخطيط لحملات مدروسة وضمن استراتيجيات واضحة الأهداف بالتعاون مع المنظمات والجهات الدولية.
١٠/٢/٢٠٢٠