الدولة الكردية بين الممكن والمستحيل [ إمكانية قيام الدولة الكردية والمُعوِّقات ]

مير عقراوي / كاتب بالشؤون الإسلامية والكردستانية
الجزء الأول
النظر بتأمل في التاريخ بعمومه يتضح إن قيام الدولة المستقلة لشعب أو إخفاقه ، هو مرهون بالدرجة الأولى والأساس به .
أتناول في هذه المقالة إمكانية قيام الدولة الكردية في كردستان ، حيث وطن الشعب الكردستاني ، أو عدم إمكانية قيامها ، وذلك بعيدا عن العاطفة والمبالغة في الأمور والشؤون ، والخوض في هذه الطريق الشائكة – طريق الدولة الكردستانية – ، أو المُحيِّرة برأي البعض بواقعية ودقة وأمانة . فالكتابة ، أو التحليل في القضايا السياسية والإجتماعية والتاريخية لا تقدم ولا تؤخر وحسب ، بل إنها تضر ولا تنفع ، وهو يتناقض من جهة أخرى مع معايير البحث والتحقيق أيضا ومصداقيتها .
فحينما نقول الدولة الكردية ، أو بالأحرى الدولة الكردستانية ينبغي أن يتبادر الى أذهاننا التساؤلات الهامة التالية ، وذلك لأهميتها الأساسية للقضية الكردية في جميع أجزاء كردستان – كما أعتقد – : هل إن القضية الكردية ضمن الواقع الحالي الموجود لأجزاء كردستان والشعب الكردي ، هي قضية واحدة ، وهل يوجد جزء واحد لكردستان ، وما هو حجم الأضرار التي لحقت بالكرد وكردستان من النواحي القومية والجغرافية – الوطنية والثقافية والإقتصادية والحضارية وغيرها منذ تقسيمهم في بدايات القرن العشرين المنصرم خلال إتفاقيات دولية معروفة ، حيث أشهرها وأخطرها إتفاقية سايكس – بيكو البريطانية – الفرنسية عام [ 1916 ] بعد سقوط الدولة العثمانية التركية وخلال الحرب العالمية الأولى [ 1914 – 1918 ] عليه يأتي التساؤل الهام جدا الآخر ، وهو : ما هو حجم التأثير والسلبية والخسائر الفادحة لتقادم الزمن على الكرد وكردستان بعيدا عن الحل النهائي العادل ، أي الإستقلال السياسي ، فتقادم الزمن على القضية الكردية لها مخاطر وسلبيات كبرى سكانيا وجغرافيا وآقتصاديا ..؟
ثم في أيِّ جزء من أجزاء كردستان ستقوم الدولة الكردية ..؟ فمثلا : هل هوعملي قيام الدولة الكردية في إقليم كردستان – العراق بمعزل عن باقي الأجزاء لكردستان ، ثم هل ستوافق الدولتان القويتان الكبيرتان تركيا وايران على قيام الدولة الكردية بجنبهما ، وهما يتقاسمان أكبر جزئي كردستان ، والتساؤل – ربما – الأهم والمركزي : ما هو موقف السياسة الدولية ، أي الدول العظمى الخمسة في العالم لقيام الدولة الكردية في إقليم كردستان – العراق وحده ، في حال إستقلال وقيام الدولة الكردية فيه : ما هي حدودها الدولية ، وكيف ستتعامل مع العالم الخارجي ، حيث أجواؤها وحدودها ، أي الإقليم ستكون – يومذاك – مغلقة ومقفلة …!؟
بالنسبة للنقطة الأخيرة والتساؤل الأخير سيكون الجواب ، أو الحل الإفتراضي كالتالي : إحداث جسر جوي عملاق بين العالم الخارجي والدولة المفترضة في إقليم كردستان – العراق ، أي : ينبغي دعم تلك الدولة المفترضة على الصعد العسكرية والتسليحية والتموينية والصناعية والإقتصادية وغيرها عن طريق الإمداد الجوي المباشر الشامل لكي تتمكن تلك الدولة المفترضة في إقليم كردستان – العراق من الصمود والإستقرار والإستمرار في الحياة والوقوف على قدميها ، فهل ستقدم السياسة الدولية على تنفيذ مشروع كهذا ، أنا شخصيا لا أصدق ذلك ولا أعتقد بأن السياسة الدولية ستقوم بتبني مشروعٍ غريب ، أو خيالي من هذا القبيل ، بل بظني لا يوجد طرح كهذا في أجندتها …؟
عليه ، نستمر في طرح هذه التساولات الضرورية : هل عمليٌّ إستقلال كردستان الملحقة بتركيا التي هي أكبر أجزاء كردستان من حيث المساحة والسكان ، أو كردستان الملحقة بإيران التي هي ثاني أكبر أجزاء كردستان من حيث المساحة والسكان أيضا …؟
حتى الآن إن الغالبية من التركيز العالمي هي على إقليم كردستان – العراق ، مع إنه ثالث أجزاء كردستان مساحة وسكانا ، فلماذا التركيز عليه دون الجزآن الأكبران الآخران المذكوران ، أي كردستان الملحقة بتركيا ، وكردستان الملحقة بإيران ، فهل إقليم كردستان – العراق هو المفتاح لحل القضية الكردية بعمومها ، أو هل إن إستقلال إقليم كردستان – العراق وقيام دولة كردستانية فيه سيكون فاتحة لإستقلال سائر أجزاء كردستان ، أو قيام دولة كردية كبرى مؤلفة من جميع أجزاء كردستان ، أو قيام أربعة دول كردستانية ، حيث لكل جزء من كردستان دولة مستقلة خاصة به …؟
أيضا لا أعتقد ذلك ، لأن السياسة الدولية لا تقبل المساس بالخارطة الجغرافية الدولية لمنطقة الشرق الأوسط وبلدانها أقلا حاليا وفي الوقت المنظور ، ثم إن الظروف الداخلية ليست مؤهلة ولم تصل بعد الى المستوى المطلوب للقيادات والأحزاب السياسية الكردية بسبب الخلافات والخصومات الفكرية والحزبية الحادة بينهم من ناحية ، ثم بسبب تعقيدات الواقع التقسيمي الدولي لأجزاء كردستان من ناحية ثانية ، والغريب هنا في الموضوع ، هو إن الأحزاب الكردية منذ عقود مضت ، والى اليوم متفائلة ولها آمال عريضة وطويلة بقيام الدولة الكردية ، مضافا إن الكثير من المثقفين الكرد لهم نفس التفاؤل والآمال القوية وكأنه قاب قوسين أو أدنى من توحيد وتحرير الكرد وكردستان وتشكيل الدولة الكردستانية الكبرى في كردستان واحدة موحدة ، مع إنه بالواقع يمكن الإستنتاج بالعكس ، وذلك بالإستناد لعوامل وآعتبارات كثيرة ، وهي هناك عوامل قوية متعددة لعدم قيام دولة كردستانية مستقلة ، أو إجهاضها وإفشالها ولو كانت في طورها الجنيني ، مثل عملية الإستفتاء التي جرت في أواخر عام [ 2017 ] في إقليم كردستان – العراق ، وهذه العوامل سواءً الإجهاضية ، أو المتعثرة والفاشلة كانت ومازالت مرتبطة بأسباب داخلية – ذاتية وخارجية في نفس الوقت !
فالقضية إذن ، ليست – برأيي ووفق قرائتي – بهذه البساطة والسطحية ، لأن الجزآن اللذان يتقاسمهما تركيا وايران ، هما في غاية التعقيد في السياسة الدولية التي جزأت كردستان الى أربعة أجزاء في بدايات القرن الماضي ، ثم ألحقت كل جزء منها بدولة مجاورة لكردستان ، وذلك كي لا تقوم الدولة الكردية في كردستان ، في القرن العشرين وربما بعده أيضا ، وهو قرننا الحاضر الذي نعيش فيه ، أي إن السياسة الدولية أسقطت كردستان جغرافيا وآستراتيجيا عمدا ، وضمن خطة محكمة لإفشال أيَّ جهد كردستاني للتحرر والإستقلال من التبعية والإحتلال ، ومن ثَم لتأسيس كيان سياسي كردستاني مستقل . وهذا ما لاحظناه تاريخيا في تعثُّر ، بل فشل جميع المحاولات الكردية السابقة واللاحقة من الثورات والإنتفاضات والحركات التحررية التي كانت تهدف بغالبيتها للإستقلال وتأسيس الدولة الكردية ولو في جزء واحد من كردستان . وقد لا يتحقق ذلك بسهولة في الوقت المنظور بسبب سقوط كردستان على الصعيدين الإستراتيجي والجغرافي منذ أكثر من قرن ، أو بالأحرى تم إسقاطها دوليا . ذلك يعني إن جميع المحاولات والجهود الذاتية الكردية في الماضي ، كما الحاضر فشلت فشلا ذريعا في تحرير كردستان وإقامة دولة كردستانية مستقلة في كردستان ، حيث وطن الأمة الكردستانية لأجل عوامل داخلية – ذاتية أولا ، ثم بسبب عوامل خارجية ثانيا . فالمحاولات الكردستانية للإستقلال السياسي لكردستان ما قبل الحرب العالمية الأولى ، أي خلال العهود العثمانية والصفوية يمكن تعليل غالبيتها الساحقة الى العوامل الداخلية الذاتية ، أما اللاحقة ، أي من الحرب العالمية الأولى والى يومنا هذا هي تعود بأكثريتها الساحقة الى السياسة الدولية التي تتحكم بها الدول العظمى في العالم . هنا بوسعنا القول : كان بالإمكان في العهود العثمانية – الصفوية تأسيس الدولة الكردستانية لو توفرت في الثورات والإنتفاضات الكردية يومها الشروط والعوامل الداخلية التي بها تتأسس وتقوم عليها الدولة والكيان السياسي المستقل لأيِّ شعب وأمة .

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…