الرئيس مسعود بارزاني وكرد غرب كردستان

إبراهيم اليوسف
 
منذ أن تم وضع أول حجر أساس في عمارة إقليم كردستان المعاصر، في أوائل تسعينيات القرن الماضي، بعيد انتفاضة آذار، وجد كرد غربي كردستان في ذلك رئة لذواتهم، كي يتنفسوا من خلالها، بعد عقود من الظلم والعسف، والقمع، والحرمان، ومحاولات التعريب، وإزالة هوية الكرد من خريطة البلاد، بتذويبهم، وصهرهم، في بوتقة القومية الرسمية، إذ كان محروماً ممنوعاً على الكردي: اسمه الكردي، وأغنيته، ولغته، وانتماؤه، وهويته، بل لطالما كان يُنظر إليه على أنه “عربي”، كما كان يورد في بطاقته الشخصية، كما كان ينظر، في المقابل، إلى كردي كردستان الشمالية بأنه تركي، وكردي كردستان الشرقية على أنه فارسي إلا أن محاولات ابن “روج آفايي كردستان”، في إثبات وجوده وهويته لم تتوقف، منذ إرساء أوائل أعمدة الشوفينية والقهر والاستبداد، في مهاده، عبر ما شكله من جمعيات وأحزاب ومؤسسات، كتحد لحالة الاستلاب ومحو الهوية، غير آبه بما يقدمه من تضحيات على نطع الحرية،
 إذ إنه كان بسبب طبيعة بلاده- السهلية وغير الجبلية- ينتظر ما يحققه الكردستانيون في الأجزاء الأربعة من إثبات الذات، ولاسيما في ما يتعلق بإقليم كردستان” العراق” الذي تربطه به وشائج جد قوية، يمكن تشريحها، على نحو خاص، خارج هذه الوقفة، إلا أن من أهم هذه الوشائج التي بدت له، في أصعب مراحل الاستبداد بحقه، ما دأب أن يستشعره من عناية البارزاني المصطفى الخالد، بكرد غرب كردستان الذين اعتبروا انتصار ثورة أهلهم في جبال كردستان انتصاراً لهم، في زمن كان مجرد ذكر اسم بارزاني بمثابة خيانة وطنية في عرف كتبة تقارير نظام دمشق، ورقبائه، وساسته!
هذا الرباط القوي بين جزأي كردستان: كردستان سوريا والعراق، بات يقوى حتى بعيد رسم الحدود بين أشطار كردستان، بالرغم من أن الأنظمة الدكتاتورية التي تعاقبت على سدة كرسي الحكم في كل من سوريا والعراق اللتين ضمتا الجزأين إلى خريطتيهما- كل منهما على حدة- كانت جد حريصة على تكريس تقطيع أوصال الرباط بين هذين الجزأين، والسعي، بكل ما أمكن من صلف وقوة، لثبيت الحدود بينهما، وقطع أية وشيجة متبقية، على امتداد سنوات حكم الأنظمة الدكتاتورية في البلدين، ليلتقيا، في مسألة وحدة، بالرغم من كل ما بينهما من خلافات، كما هو شأن الدول الأخرى المقتسمة لكردستان، إذا كان الأمر متعلقاً بفرض المزيد من الحصار على أبناء الوطن الكردستاني، وهو ما يتم حتى هذه اللحظة التي يشتعل فيها أوَّار الحرب في كردستان سوريا، نتيجة تواطؤات دولية، إقليمية، مع الطاغية هولاكو العصر أردوغان الرئيس التركي الذي يعمل على حرق الأخضر واليابس، لئلا تقوم للكرد قائمة!؟
وإذا توقفنا عند كل ما دأب أن يقدمه الرئيس مسعود بارزاني، ابن مؤسس أكاديمية النضال القومي، و راعي هذه المدرسة، منذ عقود، فإننا لنرى أنه، وبالرغم من كل الكوابح التي تحاول النيل من تواصل الكردستاني في هذا الشطر مع صنوه في الطرف الآخر، بسبب ما أدركته ملياً سياسات الأنظمة الحاكمة في عواصم الأجزاء الكردستانية الملحقة بها، فإننا لنرى أن الرئيس مسعود يحمل قضية أهله. ذويه. كرده. أبناء كردستان سوريا في ضميره، صنو أساسيات قضيته المركزية، شأن اهتمامه بكل كردي. كل جزء كردي، ومن هنا، فما من منبر دولي تكون له فيه كلمة، إلا وكان هناك جزء من خطابه الكردستاني يخص أوضاع كردستان سوريا، وذلك من دون أي إعلان عن ذلك، بل بعيداً عن أعين وسائل الإعلام، كما شأن كبير أي بيت، لا يعدُّ ما يؤديه من أجل أسرته إلا من صلب وجوده، وديمومة رسالته التي نشدها. من صلب حضوره. من صلب مهماته الكبرى!
وبالرغم من أن الرئيس مسعود قد خبرناه، على ضوء استقراء تاريخه، ومن خلال ألسنة الشهود- وما أكثرهم!- أو من خلال ما تابعناه له فهو أحد القادة السياسيين الذين يتحلون بالحكمة والحب لكل أهلهم، بل لكل شركائهم، وجيرانهم، إذ هو ممن يقولون أكثر مما يفعلون، السمة التي أقر له بها العدو قبل الصديق، فإنه ليعد الآن، أحد أكبرقادة الكرد، بل أحد أهم الشخصيات المرموقة المشهود لها، في حركات التحرر العالمي، وهو ما تأتى له بحكم أمرين، أولهما: ثقافة أسرته الكردية العريقة. انتماؤه إلى أكاديمية البارزاني الأب التي راح يستكمل أعمدتها بما يرتقي إلى مستوى أسئلة المرحلة، وثانيهما أخلاقه، وتجربته، وشجاعته في الشدائد، فهو قد استطاع أن يضحي- كما أبوه الخالد- بكل المغريات التي تحول دون اختيار درب التضحية، ثقيل الضريبة، حيث آثر أن يسلك أصعب الطرق، وأشدها خطراً، من أجل حرية شعبه!
من هنا، فإن قائداً بمثل هذه الخصال الرفيعة حريٌّ به أن يرى ذاته، بل أن يراه شرفاء الكرد، أينما كانوا، في موقع سدة المسؤولية عن أهله. كل أهله، على مختلف جغرافياتهم الطبيعية، في جغرافيا واحدة، وعلى مختلف جغرافيات رؤاهم، حتى من سعى لعداوته، غير معترف بالحدود التي وضعت بين هذا الكردي أو ذاك، لأنها حدود لا علاقة لهما بها. حدود وضعها خصوم الكرد، أعداؤهم، ولهذا فإننا وجدنا، سواء أكان ذلك في مرحلة ما قبل الثورة، أو ما بعدها اهتمام الرئيس مسعود بشأن كرد سوريا، وليس أدل على ذلك من مثال حاضر في ذاكرتي هو أنه خلال انتفاضة الثاني عشر من آذار كان موقفه مدوياً مما تعرض له أهلوه هناك من سياسات المحو والإبادة، إذ أشرع أبواب كردستان لمن قدموا أنفسهم بأنهم مطلوبون من قبل آلة القمع في دمشق، وإذا لجأنا إلى مجهر مرحلة ما بعد ثورة السوريين في آذار 2011، فإننا لنجد أن الرئيس مسعود، عمل على نحو جلي، من أجل أهله، فقد امتنع عن تلبية دعوة وجهت له إلى دمشق، كما أنه اتخذ موقفاً صارماً من نظام يقتل شعبه، واضطهد الكرد، واحتضنت هولير حوالي ربع مليون لاجئ كردي سوري، ناهيك عن أنه كرس كل جهوده، من أجل وحدة الكرد، بعد أن ظهر- فجأة- طرف كردي، لم يكن له حضور يذكر، من قبل، على امتداد عقد ونيف مضى، بعد خطف وأسر قائده، فكان مؤتمرا هولير”1″ و”2″، ومؤتمر دهوك، ناهيك عن مئات الاجتماعات واللقاءات التي وجدت ثمة إرادة لم ترد لموقف كرد سوريا أن يتوحد، لدواع معروفة، أرجىء الحديث عنها- هنا- طالما ثمة قصف ودمار ومحاولات فرض التهجير والإبادة بحق أهلنا الكرد، في غرب كردستان، وثمة من يستهدف ذلك الطرف، بعيداً عن خوض التفاصيل!
 
أجل، ما من لقاء دبلوماسي، أو زيارة إلى أوربا، أو أمريكا، أو روسيا، بل وما من حوار، أو لقاء- وهنا نحتاج إلى مسرد إحصائي ليس هنا مكانه- إلا وتكون لكرد سوريا حضورهم، ونصيبهم فيه، بل إن لديه رؤيته التي يقدمها للعالم الحر، بصدد حل القضية الكردية في سوريا- من جهة- بالإضافة إلى أمر آخر، ألا وهو أنه من خلال مكتب السيد الرئيس مسعود انفتحت أمام ممثلي كرد سوريا- في المجلس الوطني الكردي، في أحرج لحظات الحرب عليهم، وعلى مكانهم، وإنسانهم، و وجودهم: أبواب سفارات، بل وزارات خارجيات، ودول كثيرة بينه وبينها علاقات احترام متبادل، نتيجة إرثه النضالي العريق، وسمو خلقه، ولم يقصر في فعل كل ما يمكن من أجل حزب الاتحاد الديمقراطي” ب. ي. د”- وهم أهلنا الذين نقف معهم اثناء أية ملمة- بالرغم من سوء موقف إعلامه، من الإقليم، بل سوء سياساته تجاه أمن واستقرار الإقليم، وما أكثرما تفاجأنا بظهور مسؤول من هذا الطرف في هولير/ أربيل، بعد أن خرج عن قواعد الاحترام، والأدب، في حوار ما، أو تصريح ما، وليس لأي داع، وإنما للتشويش على سياسات الإقليم التي يراها العالم كله صائبة، ناجحة، بيد أن هذا الأنموذج لايجد مسوغاً لوجوده في وجود ونجاح تجربة الإقليم، وهو موقف بعض قياداته المتسلطة، وبعض عوامه المغرر بهم، وذلك بعكس الشرفاء الكرد، في أي تصنيف حزبي أو أيديولوجي كانوا!
 
لاشك، أن الرئيس مسعود هو رمز قومي رفيع، بل ورمز إنساني مقدر، ومن أعمدة حركات التحرر الكردستانية، بل العالمية، لأنه كرس بضعة عقود من عمره من أجل قضيته. من أجل قضيته شعبه، من أجل إنسانه، بل حتى من أجل جيرانه، وشركائه، متعاملاً مع جميعهم بنبل الكردي الأصيل، الحليم. يصفح عن هفواتهم، ويفتح معهم صفحة أخرى، شأن أي قائد استثنائي!
ولعمري، أني يوماً ما، لم أكتب عن أي مناضل، مهما كان فذاً، وهو بين ظهرانينا، لاعتبارات تتعلق باحترامي لقلمي، بيد أنني أكتب بضميرجد مرتاح عن الرئيس مسعود، أطال الله عمره، ورعاه، لخير شعبنا، وأمتنا، فهو قائد حركة تحرر كردستانية، لما تزل تخط مساراتها، وليس رئيساً لدولة، فحسب، إذ إنني لا اتصوره إلا وهو وفيٌّ يحمي بنبل قيمه. قيم كرديته. قيم كردستانيته، قيم حق أمته في الوجود. حق وجود جباله كردستانه، وينابيعها، وأنهارها، وسمائها، وشمسها، وهوائها، وريحها، وخيراتها، وإنني لأعتز بأنني أعيش في عصره. أجل، أعتز أني أعيش في عصره، شأن بعض من أحببتهم من الرموز والمبدعين الكبار، كما أنني عشت بعض طفولتي وشبابي في عصرأبيه: أبينا البارزاني الخالد، والذي طالما قال عنه أبي. رجل الدين العالم، في مجالس مقربيه، وفي أصعب الظروف، ما معناه: إن من يعاد أسرة سيدايي ملا مصطفى بارزاني- وكان قد القائد الخالد والرئيس مسعود- فإن عليه إن يخشى على دينه!
*  المقال خصص لجريدة كردستان قبل أشهر
* وهو ليس رداً على قزم

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…