حسين جلبي
لا يحتاج الزعيم الكُردي مسعود البارزاني إلى دفاعٍ عنه، فتاريخه الحافل بالحكمة والشجاعة والإقدام يتحدث عنه، مثلما لا يحتاج زعيم ميليشيا حزب الله اللبناني حسن نصرالله إلى ذمٍّ، فأفعاله مثل أقواله هي التي تدينه، كيف لا وهو المسؤول عن تفجيرات كبيرة وجرائم اغتيال مدوية شهدها لبنان قبل غيره من البلدان، والملاحق قضائياً بجرائم موصوفة، منها مقتل رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري، وقد أُدين بها أقرب المقربين إليه في محاكمة دولية، كما أن الميليشيا التي يتزعمها موجودة على لوائح الإرهاب وممنوعة من النشاط في أكثر من دولة، وملاحقة في جرائم قتل وغسيل أموال واتجار بالمخدرات،
وهو الذي يفاخر دون حياء بتلقي أسلحة وقبض أموال من دولة أجنبية، ويسهر مقابل ذلك على تنفيذ أجندتها المعادية حتى للدولة التي يحمل هويتها، حتى أصبحت الميليشيا التي يتزعمها دولة داخل الدولة، وهو يعلن بصراحة ووضوح، دون خجل أو مواربة، بأنه بندقية مأجورة تحت الطلب، حتى ورَّط حاضنته في عداء مزمن مع محيطها، كلفها حتى اللحظة ثمناً غالياً.
والواقع هو أن مجرد وضع اسم الرئيس البارزاني؛ في سطرٍ واحد مع إرهابي منبوذ من العالم كله مثل حسن نصرالله، حتى إذا كان ذلك على سبيل المقارنة بين متناقضين، فيه اجحاف كبير. فالبارزاني، هو ذلك البيشمركة الذي عمل دائماً تحت الشمس وفي وضح النهار، وكان بين شعبه منذ نعومة أظافره، مقاتلاً شجاعاً في الجبال وسياسياً محنكاً في السهول، قاد شعبه إلى بر الأمان خلال منعطفات تاريخية مصيرية، سواء خلال الكفاح من أجل نيل الشعب الكُردي حقوقه، أو الدفاع عنه في وجه الهجمات الدموية التي تعرضت لها كُردستان، أو خلال الاستحقاقات السياسية الكبرى، من قبيل انجاز دستور العراق وجعل كُردستان إقليم فيدرالي، ومن ثم النهضة التي تشهدها كُردستان والأمان الذي تنعم به ربوعها، بالاضافة إلى إقامة علاقات عالية المستوى، قائمة على أساس الاحترام المتبادل مع دول وازنة حول العالم، بحيث أصبح السيد البارزاني يحظى بمحبة الكُرد، وتقدير واحترام قادة كبار في المنطقة والعالم، ومرجعية في كثير من القضايا، يحرص الجميع على زيارته وأخذ مشورته، حتىبعد نهاية ولايته الدستورية كرئيس لإقليم كُردستان.
يختبئ حسن نصرالله، زعيم حزب الله اللبناني منذ سنوات طويلة في سردابٍ تحت الأرض، تحوَّل إلى وكْرٍ للمؤامرات والتخطيط للجرائم، زواره فيه هم مجموعة من المتآمرين والقتلة، لا يغادره خوفاً على حياته، لكنه يخرج بين الحين والآخر عبر شاشة عرض، ليبث خطابات كراهية في كل الاتجاهات، فيستخدم لسانه السليط في شتم هذا وتهديد ذاك، دون أن يجرؤ على ترجمة تهديداته إلى أفعال، اللهم سوى على مواطنيه الذين يستقوي عليهم بالسلاح، حتى عطَّل الحياة في البلاد، وضمن هذا السياق، فقد أرسل نصرالله مقاتلين من حزبه إلى سوريا، بناءً على طلب النظام الإيراني، للقتال إلى جانب الدكتاتور الدموي بشار الأسد، فساهم معه في قتل ما يقارب المليون سوري، وشرد ملايين آخرين ودمر نصف البلاد، ليغدر بذلك بالسوريين الذي أكرموا وفادة اللاجئين اللبنانيين الذين لجأوا إلى بلادهم، بعد حرب عبثية ورط فيها حسن نصرالله لبنان مع اسرائيل، بعد عملية مشبوهة على الحدود الاسرائيلية، هدفت إلى تلميع ما يسمى “بمحور المقاومة” الذي ينتمي إليه، حيث قال بعد أن ردت اسرائيل على تحرشه بها قولته الشهيرة: “لو كنت أعلم بمستوى الرد، لما أقدمت على خطف الجنود الاسرائيليين”، ليختبئ بعدها تحت الأرض، حتى أصابه التعفن.
عندما هاجم تنظيم “داعش” إقليم كُردستان، بعد أن أخلى حلفاء نصرالله في العراق مواقعهم وفروا أمامه، في خطة مدبرة لتمكين التنظيم من الأموال والأسلحة والمكان، وجعله ذريعة لتدمير المنطقة وتشريد أهلها، وصرف الانتباه عن المسؤولين الحقيقيين عن الجرائم في المنطقة، وتنفيذ أجندات معادية لأهلها، انتقل الرئيس البارزاني شخصياً إلى الجبهات مع البيشمركة، لا بل حمل أفراد عائلته جميعهم، مثلهم مثل جميع الكُرد والمسؤولين في إقليم كُردستان أسلحتهم لمواجهة التنظيم المتطرف، الذي أخذ يتعرض لقصف من أصدقاء الكُرد في التحالف الدولي لمحاربة “داعش”، وكان معظم من يزور كُردستان من مسؤولين في تلك الفترة، يذهب للقاء السيد البارزاني على الجبهات، ذلك أنه لم يعد إلى منزله وممارسة مهام عمله، إلا بعد أن أطمئن إلى هزيمة “داعش” ورده على أعقابه. وعندما تعرض إقليم كُردستان لهجوم غادر من الحشد الشعبي العراقي، المتحالف مع ميليشيا حزب الله بقيادة نصرالله، وذلك بقيادة وتخطيط الجنرال المقتول قاسم سليماني، على خلفية الاستفتاء الذي صوت فيه الكُرد على الاستقلال، ثبت السيد البارزاني وبيشمركة كُردستان في مواقعهم، وقاد الكُرد في ذلك الظرف العصيب باقتدار، وجنب كُردستان شراً مستطيراً كان خُطط له بإحكام، وحافظ على مكتسبات الإقليم دون أن يتراجع عن استفتاء الاستقلال، الذي أصبح وثيقة تاريخية معبرة عن إرادة الكُرد، لا بد أن تصبح يوماً أساساً لحل مستقبلي لأوضاع المنطقة.
لقد انكشفت كثير من أوراق المحور الإيراني، الذي يعتبر حزب الله احدى أدواته، بعد قيام الأمريكيين بقتل قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني، المسؤول المباشر عن حسن نصر الله وأقرب المقربين إليه، وتبين مدى هزالة ذلك المحور وتخبطه وقلة حيلته، خاصةً بعد التهديدات مرتفعة السقف التي أطلقها، من قبيل نشر جثث جنود الأمريكيين على مستوى الشرق الوسط، وعجزه عن فعل شيء من ذلك في نهاية المطاف، لذلك حاول الهروب إلى الأمام، واسترداد بعضاً من ماء وجهه المراق، عبر اطلاق عدد من الصواريخ الخلبية على أطراف قاعدة أمريكية في العراق، ضمن سيناريو متفق عليه، إلا أن أزمته تعمقت أكثر، بعد أن ورطه ذلك في جريمة اسقاط طائرة مدنية أوكرانية وقتل جميع ركابها، أنكَّرها النظام الإيراني في البداية إلى أن حاصرته الأدلة، وما صراخ حسن نصرالله المذعور على السيد البارزاني وإقليم كُردستان مؤخراً، والذي طلبت منه ابنة سليماني بالاسم الانتقام لوالدها، إلا واحدة من محاولاته المكشوفة للهروب إلى الأمام والتخلص من الضغوط، والتغطية على العجز عن تنفيذ رغبة ابنة قائده، ورمي الكُرة في ملعب غيره، متوهماً بأنه سيجعل ممن لا يهمه أمر سليماني، لا بل ما كان سليماني عدواً له، ينتقم لمقتله، بأسلوب “توزيع دماء العدو على القبائل”، بحيث يسلم رأس حسن نصرالله في نهاية المطاف، ويحافظ على دور البطولة الوهمية الذي يقوم به، ويستمر في إطلاق الصواريخ الكلامية من مخبئه.