هل نريد الوحدة القومية فعلا؟

 جان كورد
لا يمر يوم إلاّ ونقرأ لمثقف ناشط أو نسمع من سياسي كوردي دعوةً من أجل الوحدة الوطنية التي نحبّذ تسميتها ب”الوحدة القومية” لأن الوطن واحدٌ دائماً كالأم الواحدة، رغم الاحتلال والتقسيم ولكن القوم مختلف فيما بينه بسبب التباعد بين مكوناته وأحزابه وفلسفات زعمائه وبسبب التخلّف التاريخي المتراكم وضعف الوعي القومي الذي بدون نضوجه لا يمكن تحقيق الوحدة القومية أصلاً.
من هذه الدعوات ما يذكرنا بالدعوة لتقاربٍ عشائري لا برنامج سياسي ولا مشروع مستقبلي له سوى حل الخلافات العشائرية على الماء والكلأ وعلى الحقوق المهدورة لشخص أو عائلة أو لعشيرة ما، والتوافق على نوعِ ما من العلاقة مع الحكومة أوالمعارضة… ويتم حل معظم الخلافات بالتوافق في اجتماع زعماء العشائرأو من ينوب عنهم، ومن ثم يتم تقبيل العيون والوجنات والتعهد بحل المشاكل مستقبلاً بنفس الطريقة التقليدية المعهودة. ومن هذه الدعوات ما يصدرعن زعيم حزبٍ من الأحزاب، إلاّ أن دعوته مؤقتة وهي لتوسيع نفوذه بين الشعب أولأنه يعاني من مشاكل داخل حزبه أو بسبب ظروفٍ ترغمه وترغم حزبه على البحث عن حلفاء يساعدونه لتخفيف وطأة التحديات التي يواجهها ولا يهمه ما إذا خدمت دعوته القضية القومية أم لا، فالهدف من دعوته اللسانية تلك هو لخدمة زعامته أو حزبه أولإرضاءٍ جزئي للشعب الذي يطالب جاداً في الحقيقة دائماً بالوحدة القومية. وثمة أوفياء للشعب والقضية من بين الجماهيرأو من بين كوادرالأحزاب السياسية يدعون للوحدة ولهم رؤى واضحة للمستقبل وخطة عمل ومشروع ذي أولويات محددة ونظرة ثاقبة للواقع الذي نعيش فيه، إلاّ أن هؤلاء لا يلقون أذاناً صاغية فيصابون بالوهن واليأس بعد حين.
ومنذ ظهورالحركة السياسية الكوردية في النصف الأوّل من القرن العشرين وإلى يومنا هذا تفشل محاولات الوحدة القومية وذلك لأن المسألة معقّدة وصعبة وأكبر حجماً مما يعتقده الساعون ل”حرق المراحل”، وأهم العقبات أمام هذه الحركة هو الالتزام الطوعي ببنود اتفاقية سايكس – بيكو حتى اليوم، هذه الاتفاقية الاستعمارية التي لا زالت تعشعش في أذهان أغلب قياداتنا الحزبية، على الرغم من مرورمائة عام عليها وعدم التزام الدول التي تقتسم كوردستان بها عسكرياً، وعلى الرغم من أنها لم تعد سارية المفعول عملياً. إذاً، هناك عائقٌ كبيرأمام الداعين للوحدة والساعين لها بسبب إلتزام الحركة السياسية الكوردية بتلك الاتفاقية الجائرة. وبسبب هذا الخطأ الاستراتيجي تظهرأمامنا تحديات وعوائق مردها المفاهيم الخاطئة التي بدون تصحيحها لن نتقدم خطوةً إلى الأمام في هذا الاتجاه.
فإذا كنا نريد وحدتنا القومية حقاً، فعلينا طرح أسئلة عديدة على أنفسنا وعلى أحزابنا وتنظيماتنا المختلفة، ومن الأفضل أن تكون الأسئلة خطية ونطلب من مسؤولي الحركة أن يجيبوا عنها بوضوح وجدية، وذلك قبل الدعوة لأي اجتماع من أجل المباشرة في عمل الوحدة:
من هذه الأسئلة: -هل نريد الوحدة القومية حقاً، لماذا وكيف وماذا نريد التحقيق من خلال الدعوة والعمل لها؟ -ألا تصطدم الدعوة للوحدة القومية بالوحدة الوطنية للدول التي تقتسم كوردستان؟ وكيف يمكن التخلّص من عقدة “تجزئة الكفاح القومي” التي أضطررنا لممارستها أثناء زمن الحرب الباردة؟ – هل تركيا، إيران، العراق وسوريا أوطان “نهائية” لنا، وإذا كان هذا صحيحاً فلماذا الدعوات لمؤتمرات وطنية كوردستانية أصلاً؟ وكيف نوافق بين فكرة الكانتونات الأممية وفكرة الكفاح القومي الكوردستاني؟ – هل يمكن تحقيق وحدة قومية دون وجود جيش واحد وراية واحدة وقيادة سياسية كوردستانية منبثقة عن توافق قومي واسع في حال عدم قبولنا بالأوطان النهائية تلك؟ – كيف يمكن تحقيق التقارب بين القوى الكوردية المختلفة من دون تحديد نقاط الخلاف الجوهرية في نظراتنا للقضية القومية ووضع جدول زمني لحل المشاكل المستعصية وتأجيل ما لا يتسبب في خلافات جديدة لمرحلة أخرى؟ – إذا كنا لا نزال سياسياً وتنظيمياً في ظل تقسيم سايكس- بيكو، من حيث برامج أحزابنا ومناهجه المرحلية، فكيف ننظّم العمل بين من يعتبر أن مرجعيته في كوردستان ومن يجد أن مرجعيته في برلمانات الدول المقتسمة لكوردستان وعلى طاولات حكوماتها؟ – كيف يمكن تجاوز نتائج استفتاء الاستقلال الذي جرى في اقليم جنوب كوردستان والعمل من جديد مع الذين حاربوه وهددوا في حال تنفيذ نتيجته بالقضاء على إنجازات شعبنا التي لم تتحقق إلا بدماء أبنائه وبناته؟ من نرضي في هذه النقطة: إرادة شعبنا أم رغبات الأعداء؟ – كيف يمكن التخلي عن كفاح أمتنا الكوردية من أجل الاستقلال والتنازل لدرجة المطالبة بإدارات ذاتية في ظل حكومات لا تعترف بوحود شعبنا إلا في ظروف محددة ترغمها على ذلك، ثم تتنكر لكل حقٍ من حقوق هذه الأمة؟ وتجربة شعبنا المريرة بعد اتفاقية آذار 1970 أمام عيوننا. – هل يمكن للحركة السياسية أن تؤسس لنظامٍ تشريعي وسلطة قانونية مستقلة لضمان العدالة وحفظ الحقوق والممتلكات للجميع ولتسييّرالمجرمين بحق هذا الشعب المغدور إلى المحاكم المختصة؟ – كيف نستفيد من التجربة الرائعة لإقليم جنوب كوردستان في سائرالمجالات؟ – من هو الأجدرعلى مستوى كوردستان لقيادة هذه المسيرة العظيمة، مسيرة الكفاح من أجل الحرية والاستقلال، فبالتأكيد تحتاج كل أمة إلى قائد حكيم، شجاعٍ ، محبوب وقادرعلى تجنيد كل طاقات أمه في سبيل تحقيق أهدافها؟  بالتأكيد ثمة أسئلة عديدة أخرى تتعلّق بالحيزالجغرافي لكفاح الحركة السياسية الكردية وخريطة الوطن وحلفاء الحراك السياسي – الثقافي الكوردي في المنطقة وفي العالم، وأسلوب تعميق التفاهم بين مكونات الأمة الكوردية لضمان حقوقها على مختلف المستويات السياسية والاجتماعية، بل ربما نضطر لفتح بابٍ أوسع لطرح الأسئلة من قبل الخبراء في العلاقات الدولية والجغرافيا وأساليب الحكم والطريقة المثلى لبناء النظم الإدارية وتحقيق الإنجازات وضمان الأمن والاستقرار في الوطن. وأخبراً، أرى بأن من الصعوبة تحقيق “الوحدة القومية” على مستوى الحركة السياسية دون إعطاء أجوبة واضحة وجادة عن هذه الأسئلة وسواها، من قبل الشروع في أي عمل فعلي للوحدة، حيث لن يكون ناضجاً من دون إنجاز”التقارب الفكري – السياسي – الخلقي” بين الزعامات والهيئات النافذة في كوردستان، طولاً وعرضاً. 
مع فائق الاحترام والتقدير  
 2020-01-11 

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف تُعتبر الدساتير المرجعية القانونية الأسمى في الدول، حيث تحدد شكل النظام السياسي، وتؤطر العلاقة بين السلطة والمجتمع، وتؤسس لمبادئ المواطنة والحقوق والحريات. غير أن بعض الدساتير، ومنها مشروع الدستور الجديد للجمهورية السورية، التي يقدمها الدستور بأنها” الجمهورية العربية السورية” يحمل في طياته تناقضات جوهرية بين النصوص المعلنة والغايات الفعلية التي تهدف السلطة إلى تكريسها، بتدبير تركي…

د. علي القره داغي الحمد لله الذي جعل التوافق بين أبناء الأمة من أسمى الغايات، ورفع من شأن العدل والمصالحة، وأمر بالحوار والائتلاف، وجعل السياسة الحكيمة قائمة على العدل والإحسان والموازنة بين المصالح والمفاسد، والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمة للعالمين، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. في سياق المسؤولية الشرعية، والواجب الفقهي، والتقدير…

صلاح بدرالدين تحية طيبة الموضوع: اتفاق الشرع – عبدي بعد سقوط نظام الاستبداد في الثامن من كانون اول / ديسمبر الماضي ، والانتقال الى مرحلة جديدة ، بات ترتيب البيت الكردي السوري ، وتجاوز الانقسامات ، وتحقيق المصالحة ، والتوافق على مشروع قومي – وطني موحد في مقدمة أولويات مهام المرحلة الراهنة ، وهي الى جانب كونها مطلب…

إبراهيم اليوسف   لقد أصيب ملايين الكرد السوريين كما أخوتهم السوريين، داخل الوطن وخارجه، بخيبة أمل كبيرة بعد تلقيهم مسودة الدستور السوري الجديد التي أقرت من قبل السيد أحمد الشرع، دون أن تتضمن أي إشارة إلى الكرد أو حتى مضمون الاتفاق الذي تم مع السيد مظلوم عبدي. ذلك الاتفاق الذي أثار جدلاً واسعاً في الشارع الكردي بين رافضين لم يجدوا…