«مانيفيست» تصحيح مفاهيم خاطئة حول الكرد السوريين (2)

صلاح بدرالدين
أولا – المفاهيم الخاطئة على الصعيد الوطني 
١ – هناك تجاهل رسمي مزمن للكرد وجودا وحقوقا ، ثم إجراءات عملية ، من إحصاء استثنائي لاهداف عنصرية ، وتجريد من حق المواطنة ، وحزام في خدمة تغيير التركيب الديموغرافي لقوننة ذلك التجاهل ، فتاريخ سوريا المدون منذ وضع اول دستور بعشرينات القرن الماضي ، وتاليا بعد استلام ( مكتب الثقافة والاعلام ) في حزب البعث عقب انقلابه العسكري بداية الستينات ، مهمة كتابة تاريخ البلاد بمعزل عن حقائق على أرض الواقع ، وشواهد في تعددية مكوناتها القومية وفي المقدمة الكرد ، وقرائن ملموسة في الجغرافيا الوطنية ، ووثائق تعكس قرارات الهيئات والمؤسسات العالمية ، مثل اتفاقية سايكس – بيكو ، وسان ريمو ، وسيفر ، ولوزان ، المعنية بالمصير الكردي ، بمافيها الصادرة عن كل من عصبة الأمم ، وهيئة الأمم المتحدة .
  ٢ – فقد انتدبت دائرة الثقافة التابعة للقيادة القومية للبعث ، للاشراف على وضع تاريخ سوريا ، وتاليف كتب التربية والتعليم بصورة انتقائية ومتوافقة مع آيديولوجية البعث الشوفينية ، وجميعها ينفي وجود التعددية القومية ، ويؤسس لمجتمع بسيط احادي غير مركب ، ويكرس لتاريخ مسيس ، مؤدلج ، مفروض على قاعدة الأحادية القومية ، والطائفية ،والحزبية ، وانكار وجود الآخر المختلف من كرد ، وتركمان ، واذلال طوائف وفئات أخرى ، ومن الواضح أن الحركة الوطنية الديموقراطية السورية ، ومنذ نشأتها ، كانت تضع على رأس مهامها إعادة كتابة تاريخ سوريا ، الذي تعرض للتزييف ، والتشويه ، والتحريف ، من جانب النظم والحكومات المتعاقبة ، خصوصا نظام البعث المستبد .
  ٣ – وفي مجال تعريف الكرد ، الذين يعرف القاصي والداني ، أن حركتهم الوطنية السياسية غير موحدة ،يتم الخلط المتعمد بين الكرد كشعب ، وبين الأحزاب الكردية ، فهناك اكثر من أربعين حزبا ، بينها من تتبع الاجندة الخارجية ، أو تخدم سياسات النظام ، والأطراف الإقليمية ، أو تمارس القمع تجاه المختلف ، وليس من الموضوعية تسمية ماتمارسه مثلا جماعات ب ك ك ، بموقف الكرد السوريين ، أو اعتبار سياسات أحزاب – الانكسي – ، أو أي حزب آخر مواقف الشعب الكردي .
  ٤ – اطلاق صفة الانفصالية على كل حراك كردي سوري ، في حين لانجد في برامج أي حزب ، أو مجموعة ،  أو تيار سياسي ، منذ قيام الدولة السورية وحتى الآن ، أية إشارة الى الدعوة لفصل المناطق الكردية عن الجغرافية السورية بل تؤكد على العيش المشترك ، وهذا لايعني بتاتا أن الكرد السوريين ليس شعبا بكامل المواصفات ، ومن السكان الأصليين ، ومن حقه الطبيعي ، و الإنساني ، والديموقراطي ، أن يقرر مصيره الإداري والسياسي والمستقبلي ، كما يشاء ، ولكنه وعبر حركته الوطنية ، اختار تقرير مصيره بالصيغة التي يرتأيها ، ومن خلال استفتائه ، ضمن وحدة الوطن السوري ، الذي يجمع كل المكونات المتآخية ، على قاعدة الشراكة العادلة ، في السلطة ، والثروة ، والقرار ، حسب عقد اجتماعي حر وملزم ، يكفله الدستور الجديد لسوريا الجديدة المنشودة . 
  ٥ –  وضع كل التيارات السياسية الكردية في سلة واحدة ، في حين نرى أن هناك تنوعا فكريا ، وثقافيا ،وسياسيا ، وحتى اجتماعيا ، على الصعيد الكردي والوطني العام ، هناك الديني المتشدد الى درجة النزعة الإرهابية ، وهناك القومي المعتدل ، والمتزمت الى درجة العنصرية ، هناك بين العرب ( وهم الغالبية ) ، من يرفض الآخر القومي المختلف كردا كانوا أو تركمانا ، الى درجة الإلغاء القسري ،وهناك بين العرب المسلمين ( أيضا من الغالبية ) ، من يرفض الديانات الأخرى ، مسيحيين كانوا ، أم ايزيدييون ، أم يهودا ، الى درجة الرغبة في أسلمتهم ، أ و فرض الجزية عليهم ، وهناك من العرب السنة ( الغالبة ) ، من يعادي المذاهب الأخرى ، وبالمقابل هناك من بين ( الضحايا ) الأقل عددا من الاقوام ،والديانات ،  والمذاهب ، المستهدفة من يبادل الغالبية العداء أيضا .
 ٦ – انكار مشاركة الكرد أو القسم الأكبر منهم بالثورة السورية ، في حين ومنذ تشكل الدولة السورية ،وانبثاق جمعيات وحركات كردية ، وصولا الى ظهور أول حزب كردي ، كان الموقف السياسي الكردي الغالب بموقع المعارضة ، ومواجهة الأنظمة والحكومات الدكتاتورية والشوفينية ، وان ذهبنا أبعد من ذلك سنجد أن الحركات الكردية ، كانت في صدارة الانتفاضات والثورات ، خلال عهد الإمبراطورية العثمانية ، وفي عهود الانتداب ، والاستعمار ، وفي حروب الاستقلال ، كما شاركت الغالبية الكردية الساحقة في الثورة السورية ، التي وجدت فيها سبيل الخلاص ، خاصة من الشباب ،والوطنيين المستقلين ، وبعض أتباع الأحزاب ، وقدمت خيرة الشهداء ، وكانت الهبة الدفاعية عام ٢٠٠٤ ، التي انطلقت من القامشلي لتعم كل المناطق الكردية ، مقدمة لمشروع لم يكتمل ، لتحولها الى انتفاضة وطنية شاملة ،لولا عدم توفر الشروط الذاتية للحركة الوطنية عموما ، والكردية على وجه الخصوص .
  ثانيا – المفاهيم الخاطئة على الصعيد الكردي
  ١ – اعتبار أحزاب كل من جماعات – ب ك ك – ، والمجلس الوطني الكردي ومن تدور في فلكهما ، من منظمات ، ومجموعات ، أنها من تمثل الشعب الكردي ،وتحمل المشروع القومي ، وأن الحياة الكردية تبدأ منها وتنتهي عندها ، وهو افتراض خاطئ ، في حين أنها بدون استثناء تفتقد الشرعية ، وتفتقر التخويل القومي ، وقياداتها معينة ، وليست منتخبة من الشعب ، ومنذ بداية الثورة السورية قبل نحو تسعة أعوام ، لم تعد في عهدة الجماهير الكردية وحمايتها ، وتحول ملاذها الى مراكز مانحة خارجية ( ماليا ومعنويا ) ، سيفضي بمرور الزمن الى تبني أجندتها ، واعتناق عقائدها ، واستنساخ خطاباتها ، وهو تحول مفصلي في غاية الخطورة ، سيؤدي الى قطع كل صلة حيوية لها مع قضايا الكرد السوريين ، وخسارة الاحتضان الشعبي أيضا .
  ٢ – الحالة أعلاه ، وبسبب انقطاع  قيادات تلك الأحزاب عن تطورات الواقع الملموس اليومي سوريا وكرديا ، والانشغال بمجريات أحداث الشمال والجنوب ، كأولوية ، والانغماس في مسارات السياسات الإقليمية ، والبحث عن مواقع الزبونية ، والتبعية بأي ثمن لدى القوى الدولية المعنية بالملف السوري ، ستدفع قيادات تلك الأحزاب الى مايشبه – الاغتراب – ، والابتعاد عن مواقع التأثير والقرار في المصيرين القومي والوطني ، وبالنتيجة النهائية سينتهي بها المطاف الى تقديم الخدمات العسكرية ، واللوجستية ، والسياسية ، والدعائية ، لنظام الاستبداد ، وللقوى المحتلة الغريبة ، لقاء معلوم أفصح عنه الرئيس ترامب ، وكذلك وليد المعلم ، وآخرون هنا وهناك .
  ٣ – عزلة الأحزاب الكردية عن الشعب ، ونتائج سلوكها المنحرف عن خط الكردايتي ، وغربتها عن التطورات على الصعيد الوطني ، بل معاداة بعضها لارادة السوريين من أجل التحرر من الاستبداد واجراء التغيير الديموقراطي ، ونشرها لثقافة الكراهية ، وممارسة البعض لاعمال انتقامية بشعة ،دفعت أوساطا من المتعلمين الكرد السوريين ، الى التورط في اعتناق نزعات عدوانية تجاه كل ماهو غير كردي ، وبالأخص تجاه الشركاء العرب ، الى درجة محاباة إسرائيل ، وهذا البعض لايختلف عن ذاك البعض من العنصريين العرب ، الذي لايدخر جهدا في نشر ثقافة الغاء الكرد ، وانكار وجودهم ،والطرفان يكملان بعضهما البعض .
  ٤ – ترويج البعض من المتحزبين – وبعضهم معروف – ، منذ نحو عدة أعوام ، لفرضية مغلوطة استفزازية غير واقعية ، وقد تكون مقصودة ، ومدفوعة الثمن ، عن مساعي لوصل إقليم كردستان العراق ، جغرافيا بالبحر الأبيض المتوسط ، بدعم إسرائيلي – خليجي ، وكانت نتيجة تأليب الدوائر الشوفينية المتربصة بالكرد ، أن خسر الإقليم الكردستاني العراقي ، كركوك ، وجزء من الموصل ،والمناطق المتنازعة عليها ، والتي كانت عمليا تحت سلطة حكومة إقليم كردستان العراق ، أما في سوريا ، فقد خسر الكرد عفرين ، وأكثر من نصف محافظة الحسكة – الجزيرة – ، وافراغ المناطق المتبقية من سكانها خاصة من العنصر الشبابي ، والمنتج ، والحبل على الجرار كما يقال .
   ٥ – قيادات احزاب سلطة الامر الواقع ، البعيدة عن الواقع الكردي السوري ،  دفع بها الخيال الى اعتبار المناطق الكردية السورية القاعدة الامامية لمركز – قنديل – العسكري ، والاستفادة من خيراتها ، من نفط ، وغاز ، وحبوب ، وقوى بشرية ، لتمويل مغامراتها ، وتقديم الخدمات لاسيادها ، وتحويل تلك المناطق الى – ب ك ك لاند – ، أما قيادة – الانكسي – ، فتحلم – بإقليم – لبسط سيطرتها ، وتولي رئاسته ،  ورئاسة الحكومة ، على غرار تجربة إقليم كردستان العراق ، وشتان بين الحالتين على الصعيدين التاريخي والجغرافي ، فهناك بالاقليم ، كفاح متواصل منذ أكثر من قرن ونصف ، وثورات وانتفاضات ، ونضال مدني ، وتضحيات جسام ، وقادة عظام كان على رأسها البارزاني الخالد ، وهناك قيادة منبثقة عن الشعب بالانتخابات ، تستحوز على الشرعيتين الثورية والوطنية ،وتتصدر مهام ليس بناء كردستان فحسب بل كموئل ومرجعية للمعارضة العراقية ، قبل سقوط الدكتاتورية ، أما في حالتنا السورية ، فحدث ولاحرج للأسف ، أحزاب فاشلة ، وقيادات غير منتخبة ، وشرعية مفقودة ،وعزلة شعبية ، وغربة وطنية . 
  ٦ – تشبث قيادات الأحزاب بمواقعها ، والامتناع عن التجديد ، وقطع الطريق على الوطنيين المستقلين ، وتجاهل كل المبادرات الإصلاحية الوحدوية ، ورفض الاحتكام الى المؤتمر الكردي السوري الجامع ، كما تجلى في مشروع – بزاف – لاعادة بناء الحركة ، ومن ثم الادعاء – تسريبا – بافتقار الكرد السوريين الى شخصية قيادية كاريزمية ، كلام مرفوض تضليلي ذرائعي ، فقد أوضحنا مرارا أن شعبنا أنجب العديد من المناضلين الشجعان ، ومن أصحاب الكفاءة والعلم والمعرفة ، ولكن تجربة حركتنا الخاصة ، تستدعي توفر قيادة جماعية شرعية تواجه تحديات المرحلة .
  ثالثا – وفي المجال الكردستاني يتطلب تغيير المفاهيم الخاطئة الضارة ،رفع هيمنة أذرع – ب ك ك – العسكرية والأمنية عن كاهل شعبنا بعد أن استسلمت مابعد مرحلة – داعش – أمام أوامر القوى الدولية والإقليمية وانسحابها وتسليم ماحررته للنظام وأعوانه والمحتلين الآخرين خاصة وشعبنا لايحتاج الى قوى عسكرية لحل قضيته فنضاله سلمي ومدني منذ انبثاق حزبه الأول وحتى الان ولن يتقبل استنساخ تجارب الغير . 
  وفي هذا المجال من المفيد جدا وبعد انسحاب السيد الرئيس الأخ مسعود بارزاني ( حيث كان ممسكا بالملف الكردي السوري ) من موقع رئاسة الإقليم ذات الصلاحيات الرسمية أن يعهد بالملف الى حكومة الإقليم التي تمثل كل القوى بمافي ذلك مركز السليمانية حتى يتم التعامل مع الملف بشكل رسمي جماعي موحد وبحيث تتوفر أسباب معالجة الحالة الكردية السورية بالوزارات المختصة وبشكل شفاف ومعلن وحسب القوانين المرعية التي تتسم بالالتزام بالمساواة والتعدد الحزبي الحر الواسع الذي يجب أن يطبق في مخيمات لجوء أهلنا هناك حيث تعاني من أسوأ أشكال الغيتوات من جانب تنظيمات – الانكسي – . 
  ختاما أتوجه للشركاء والاشقاء والأصدقاء ، بمراجعة انطباعاتهم السابقة عن الحالة الكردية السورية ، وفي المقدمة إعادة النظر بمفهوم أن الأحزاب الكردية السورية تمثل الشعب الكردي ، وتحمل قضيتهم ،  فالوطنييون المستقلون هم الغالبية الساحقة ،  وهم من يعبرون عن طموحات شعبهم بالرغم من افتقارهم الى تنظيم صفوفهم حتى الآن  بسبب الضغوطات والقهر ، ومن المعتقد أن أي صديق لشعبنا وحريص على حقوقه ومستقبله ،  من المفترض أن يخاطب ممثلي الغالبية المؤمنة بالشراكة ، والحوار السلمي ، والعمل الوطني ، من اجل دحر الاستبداد ، وانتزاع الحقوق لكل مكونات الوطن الواحد .

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

شادي حاجي المرء لا يذهب إلى طاولة المفاوضات وهو خالي الوفاض وإنما يذهب وهو متمكن وقادر والمفاوض يكشف أوراقه تدريجياً تبعاً لسير العملية التفاوضية فعند كل منعطف صعب وشاق يقدم المفاوض بطريقة أو بأخرى معلومة ولو صغيرة حول قدراته على إيقاع الأذى بالطرف الآخر من أجل أن يكون مقنعاً فعليه أن يسأل عن مقومات الندية والتي تتركز على مسألة القوة…

إبراهيم اليوسف منذ سقوط النظام المجرم في 8 كانون الأول 2024 وتحول السلطة إلى السيد أحمد الشرع، بات السوريون، سواء أكان ذلك في العاصمة دمشق أو المدن الكبرى والصغرى، يتطلعون إلى مرحلة جديدة يتخلصون فيها من الظلم والاستبداد. حيث سنوات طويلة من مكابدات المعذبين في سجون الطاغية الأسد وأبيه كانت كفيلة بتدمير أرواح مئات الآلاف. بعض السجناء أمضوا…

شكري بكر هذا الموضوع مطروح للمناقشة قد يؤدي بنا للوصول إلى إقامة نظام يختلف عما سبقونا من سلاطين وحكام وممالك وما نحن عليه الآن حيث التشتت والإنقسام وتبعثر الجهود الفكرية والسياسية والإقتصادية والعمل نحو إقامة مجتمع خال من كل أشكال الصراع وإلغاء العسكرة أرضا وفضاءا التي تهدر 80% من الإقتصاد العالمي ، إن تغلبنا على هذا التسلح يمكن…

إياد أبو شقرا عودة إلى الموضوع السوري، لا بد من القول، إن قلة منا كانت تتوقّع قبل شهر ما نحن فيه اليوم. إذ إن طيّ صفحة 54 سنة خلال أقل من أسبوعين إنجازٌ ضخم بكل ما في الكلمة من معنى. سهولة إسقاط نظام الأسد، وسرعة تداعيه، أدهشتا حتماً حتى أكثر المتفائلين بالتغيير المرجوّ. إلا أنني أزعم، بعدما تولّت قيادة العمليات…