شيطان الرأي

  عماد شيخ حسن 
تُكبّدنا آراءنا في غالب الأحيان أثماناً و خسائر متفاوتة الحجم أو النسبة  فتبلغ أحياناً مبلغ دفع المرء حياته ثمناً لرأيٍ أبداه لا بل ربما تطال و تتعدى الفاتورة حيناً و أحياناً  أناساً غيره أيضاً كأسرته أو من يتبعون توجهه أو قوماً بأكمله مثالاً .
و لا أشكّ بأنّ ما أسلفت ذكره من القول إلا بديهياً و معلوماً للجميع فكم من الشعراء و الصحفيين و الكتّاب و القادة مثالاً دفعوا حياتهم و حياة غيرهم ثمناً لرأي أو آراء أبدوها أو أعلنوها .
لذلك لم يكن ما سبق  إلا مقدمة و مدخلاً الى حيّزٍ آخر في هذا المجال و الجانب ، حيّزٍ  مخفيٍّ غير ظاهرٍ يشكّل سرطاناً يأكل من أحشاءنا بصمت من حيث غالباً ما لا نحتسب أو ندري و يلحق بنا أشدّ الأضرار بصورةٍ سلسةٍ مقسّطةٍ تراكمية دون أن نلتفت اليها و نشعر بها حتى مع أوان دفع الجزاء أو الضريبة ، أي أننا ندفع ثمناً و تكلفة عالية دون أن ندري لماذا و مقابل ماذا ؟!!!!!
الحيّز هذا يتمثل و بشرحٍ مبسّط في أنّنا مثالاً عندما نبدي رأينا سلباً في شخصٍ أو جماعة أو تكتّلٍ أو تنظيم أو في قولٍ أو فعلٍ صدر منه و عنه ، من الطبيعي أن نجد في المقابل شخصاً أو أشخاصاً ينظرون أو يقيّمون الشخص أو قوله أو فعله بإيجابية و بخلاف ما تراه انت تماماً.
هنا في هذه الحالة أو النقطة بالذات أودّ التركيز على ظاهرةٍ متمثلة في أن المختلفين معك في رأيٍ أو تقييمٍ ما ، يكونون في أحيان كثيرة من أقاربك أو أصدقائك أو زملائك في العمل أو شركائك في الوطن ، فنأتي هذا الأوان و نمنح المجال لجزئية إختلاف بيننا أن تنسف و تقضي على كل أو أغلب الجزئيات و الروابط التي نتفق عليها و التي تجمعنا .
و توضيحاً أكثر لإدراك حجم و خطورة و أضرار المسألة نرى بأن الأمثلة العملية أكثر نجاعة و عوناً لإيصال الفكرة ، لذلك سوف استعين بمقتل السليماني أمس مثالاً بسيطاً مبسّطاً .
فهذا الشخص الذي أجزم حسب قناعتي بأنه مجرمٌ سفاحٌ قاتل معادٍ لقضيتي ، يرأه صديق دراسةٍ عزيزٍ لي بأنه شهيدٌ مقاوم و أوضح ذلك لي في رده على منشور من منشوراتي .
و بالتالي مالمطلوب منّا في هذه الحالة أو هذا الموقف يا ترى ؟؟
بقناعتي مهما كان رأي و موقف الصديق صادماً و مزعجاً لي ، فلا بدّ و لا مناص لي من قبوله و احترامه و الرد عليه و مناقشته بحذرٍ شديد أو حتى الاكتفاء بالضغط على زرّ الاعجاب تعبيرا عن الاحترام لرأيه و امتصاصاً لغضبه المحتمل من موقفي مهما كنت مقتنعاً به .
هنا و بهذا الموقف أعزائي و وفق قناعتي المتواضعة ، و لو لم يغير رأي الصديق من قناعتي بخصوص السليماني ، أرى بأنني كأقلّ مكسب ، أكون قد قطعت المجال لشخص مجرم مثل السليماني و بسببه  إفساد الودّ و الصداقة التي تربطني بصديقي .
ذات الأمر و المثال ينطبق بتعميمٍ أشمل على خلافاتنا و اختلافاتنا  الحزبية أو الآيديولوجية ،  فعندما تحارب بقسوة و بلا احترام أفكار و آيديولوجيات غيرك تكون قد منحت الفكر أو الآيديولوجية التي تكرهها أو لا تقتنع بها و تراها بلاءاً ، النيل منك و زرع الفتنة و الخلاف و الشقاق بينك و بين أبناء قومك و بالنتيجة منحتها الفرصة لنيل مبتغاها .
ختاماً أودّ القول بأنني لا أدري الى أي حدّ وُفقت في ايصال الفكرة و مدى صواب رأيي فيها راجياً أن تعينوني في إغناءها بآرائكم و ملاحظاتكم ، فأطرحوها و أطمئنوا بالاً فلن أدع شيطان الرأي يغلبني .
دمتم في رعايته و حفظه 
المانيا ٥/١/٢٠٢٠

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

شادي حاجي المرء لا يذهب إلى طاولة المفاوضات وهو خالي الوفاض وإنما يذهب وهو متمكن وقادر والمفاوض يكشف أوراقه تدريجياً تبعاً لسير العملية التفاوضية فعند كل منعطف صعب وشاق يقدم المفاوض بطريقة أو بأخرى معلومة ولو صغيرة حول قدراته على إيقاع الأذى بالطرف الآخر من أجل أن يكون مقنعاً فعليه أن يسأل عن مقومات الندية والتي تتركز على مسألة القوة…

إبراهيم اليوسف منذ سقوط النظام المجرم في 8 كانون الأول 2024 وتحول السلطة إلى السيد أحمد الشرع، بات السوريون، سواء أكان ذلك في العاصمة دمشق أو المدن الكبرى والصغرى، يتطلعون إلى مرحلة جديدة يتخلصون فيها من الظلم والاستبداد. حيث سنوات طويلة من مكابدات المعذبين في سجون الطاغية الأسد وأبيه كانت كفيلة بتدمير أرواح مئات الآلاف. بعض السجناء أمضوا…

شكري بكر هذا الموضوع مطروح للمناقشة قد يؤدي بنا للوصول إلى إقامة نظام يختلف عما سبقونا من سلاطين وحكام وممالك وما نحن عليه الآن حيث التشتت والإنقسام وتبعثر الجهود الفكرية والسياسية والإقتصادية والعمل نحو إقامة مجتمع خال من كل أشكال الصراع وإلغاء العسكرة أرضا وفضاءا التي تهدر 80% من الإقتصاد العالمي ، إن تغلبنا على هذا التسلح يمكن…

إياد أبو شقرا عودة إلى الموضوع السوري، لا بد من القول، إن قلة منا كانت تتوقّع قبل شهر ما نحن فيه اليوم. إذ إن طيّ صفحة 54 سنة خلال أقل من أسبوعين إنجازٌ ضخم بكل ما في الكلمة من معنى. سهولة إسقاط نظام الأسد، وسرعة تداعيه، أدهشتا حتماً حتى أكثر المتفائلين بالتغيير المرجوّ. إلا أنني أزعم، بعدما تولّت قيادة العمليات…