محمد مندلاوي
عزيزي القارئ الكريم، مِن خلال عنوان المقال تعرف بصريح العبارة، أن الشعب الكوردي الجريح في جنوب كوردستان بما فيه المدن والقرى المستقطعة منه واقع بين كائنين شريرين أحدهما سيء والآخر أسوأ، وأحياناً يتبادلان الدور بينهما، وذلك بسبب تكوينهما الشيطاني، فلذا لا يستقران على نهج واحد، وذلك حسب موقعهما في السلطة السياسية، حيث أن السيئ اللئيم يجيد الإساءة إجادة تامة فلذا يرتقي في سلم الإساءة بكل أشكالها وألوانها القبيحة حتى يتبوأ منصب الأسوأ بجدارة، والأسوأ السابق لكي يأخذ دروساً فنية لممارسة الإساءة الشيطانية يترك موقع النذالة الأول مؤقتاً لنظيره ويصبح سيئا لبعض الوقت، وهكذا دواليك هي حال الكورد بين السيئ والأسوأ السني، الشيعي؟ المعروفان في الأوساط الشعبية بعد عام 2003 بـ”أنس، وعبد الزهرة”؟.
دعني عزيزي القارئ أن أقص عليك قصة حدثت مع متسول ما في إحدى الدول الإسلامية المصدرة للبترول، التي يكثر فيها المتسولون ذكوراً وإناثا،شيباً وشبابا، رجالاً وأطفالا. إن مضمون القصة ينطبق على أنذال السلطة في العراق. لقد طرق أحد المتسولون باب إحدى الدور، ونادى أهل الدار بصوت حزين يبكي القلب: المال مال الله والسخي حبيب الله. ردت عليه صاحبة الدار: أعذرني يا سائل، أنا فوق أنشر الغسيل على المنشر ومحفظتي تحت. انصرف المتسول إلى حال سبيله. وجاءها في اليوم الثاني وطرق الباب ونادى مثل البارحة بصوت شجي: صدقة قليلة تدفع بلايا كثيرة. ردت عليه ذات السيدة: أعذرني يا متسول أنا تحت مشغول بالطبخ ومحفظتي فوق لا أستطيع أن أعطيك شيئا. عرف المتسول أنها تتعذر كذباً، لا تريد أن تعطيه شيئا،لذا قال لها الشحاذ بصوت عالي جهوري: يا..؟ لقد رأيتك أنتِ تحت ورأيتك أنتِ فوق. عزيزي المتابع، رغم أن المثل يضرب ولا يقاس، إلا أن الكورد عاشوا تحت احتلال سنة السلطة ردحاً من الزمن، وبعد عام 2003 وإلى الآن يقع نصف مساحة جنوب كوردستان تحت نير الاحتلال الشيعي، والنصف الآخر ينتظر إعادة حقه المقطوع من قبل الأشياع منذ عام 2014 الذي هو اسماً 17% من ميزانية العراق، وفي الحقيقة إنها أقل مِن 9%. عزيزي القارئ، لقد عايش الكورد المَذكورَين وهم تحت، وعايشهم وهم فوق؟، عاصروهم وهم في المعارضة،عاصروهم وهم في السلطة، رأوهم حين كانوا علمانيون..، رأوهم وهم إسلاميون، مختصر مفيد، رأوهم وجه وقفا، لقد رأوا ما ظهر منهم وما بطن، فلذا لا يصلح لمعالجتهم غير دواء العقرب..؟. عزيزي القارئ، إن من محاسن انتفاضة الإطارات المحروقة ما يقوم به الشباب المنتفض في الشوارع والساحات أنهم فرشوا صورهم – المسئولون- القبيحة على الأرض حتى تنداس بالأحذية ونِعال المشاة والمتظاهرون. لم يكتفوا بهذا، بل قام المنتفضون بإحراق مقرات أحزابهم ودور مسئوليهم انتقاماً منهم لما اقترفوه من جرائم بشعة ضد هذا الشعب المسكين، وانتقاماً منهم لسرقاتهم العلنية لثروات وأموال العراق وكوردستان.
يجب على الشعب العراقي أن يكون حذراً ويقظاً من هؤلاء الشيعة.. وملحقاتهم من السنة الذين يتبعونهم في دست السلطة، لأنهم أساتذة في الخداع والتدليس والكذب الأبيض كما يسموه.هنا يجب على كل مواطن عراقي أن يبحث في بواطن القواميس حتى يعرف جيداً معنى “التورية والمعاريض” بدون معرفتهم لمضمون هذين المصطلحين.. سيستمرون بغشيهم على طريقة لعبة الثلاث ورقات، وذلك تحت تسمية الكذب الشرعي، بالإخبار عن الشيء بخلاف ما هو عليه بطريقة فنية أن لم نقل شيطانية. دعني عزيزي القارئ أن أبين لك واحدة من وسائل المتبعة للمصطلحين اللذين أشرنا لهما أعلاه. في سبعينات القرن الماضي كنت أعرف شخصاً مهندساً من أهل النجف خريج أمريكا عام 1957م كنا نلتقي في خان الشاعر الكوردي (داري ساري) في منطقة “تحت التكية” التي تقع بين شارعي الجمهورية والرشيد، ذات يوم سألناه عن بنائه لمدخل الكبير لمرقد الإمام (علي بن عبد مناف) في مدينة النجف قال اسمعوا كيف تصرفوا معي، بعد إتمامي البناء أرسل لي سيد (محسن الحكيم) أتعابي بيد أحد المعممين وهي مائة دينار عراقي، لكن المعمم أنزل المبلغ في جيبه ووضع في الكيس مائة قطعة من الحلويات بعد أن اتصل بي والتقيت به، قال لي: هذه هي المائة تفضل. قلت له: طيب دعني أرى، وبعد أن فتحت الكيس وجدت مائة قطعة حلويات لا غير، قلت له: ما هذا، اخرس ولم ينطق ببنت شفة. لقد تبين فيما بعد أنه يقوم بعمل التورية أو المعاريض إذا سؤل فيما بعد عن المبلغ يقسم أنه سلم المهندس مائة وهو قسم صحيح لقد سلمه مائة، لكن أية مائة..؟. لولا نباهة المهندس لنجحت خطته الجهنمية، لكن البديهية عند المهندس فضح أمر المعمم. كان هذا نموذجاً من تصرفات هؤلاء أبناء المتعة. واليوم في خضم المظاهرات العارمة يقوموا بذات الطريقة.. لكن على الورق، يسموه التعديلات الدستورية، وذلك من أجل ذر الرماد في العيون الشعب كي يستمروا في سدة السلطة التي عندهم ليست سوى مغنم نزلت عليهم من السماء، من بي 52 الأمريكية، وإلا لماذا تعدل المادة 15 و16 في الدستور، إذا لا يريدون أن يغبنون الكورد في الانتخابات القادمة وغيرها في المناطق المستقطعة التي تسمى في الدستور بالمناطق المتنازعة عليها. ثم، كيف في ظل نظام اتحادي وبعدم وجود مجلس الاتحاد يصوت أعضاء مجلس النواب بالأغلبية وليس بالتوافق؟؟!! هل هذا برلمان أم مبغى؟؟ لقد صرنا نشاهد الفوضى في كل موقع من مواقع الكيان العراقي، حيث أن رئيس مجلس الوزراء يؤتمر من مرجع الفلاني بقصاصة ورق منه!! يا للعجب، لما لا تعلنوها علناً بأنها “ولاية فقيه” على غرار الحكم في إيران وتنتهي المسألة؟؟ يظهر أنهم يخافون من نتائجها، وتحديداً من السوط الأمريكي، وإلا أعلنوها منذ عام 2003.من الأمور الغريبة حين قدم عبد المهدي استقالته كان بطلب من المرجع القابع في النجف!!، والأتعس من هذا كله، أن رئيس مجلس الوزراء الشخص المثقف والمتعلم أهان نفسه قبل أن يهين رئيس جمهوريته حين جاوزه وقدم استقالته للبرلمان وليس له!! في أي بلد في العالم يحدث مثل هذا يا “أبو أمل” أن رئيس مجلس الوزراء لا يعير أية أهمية لرئيس جمهوريته ؟؟!! حتى لو لن يوجد نص دستوري بهذا الأمر، لكن العرف السائد في العالم هو هكذا الاستقالة تقدم لرئيس الجمهورية وليس لسواه. لقد وجب على رئيس الجمهورية الإصرار على حقه الذي ينص عليه الدستور أو العرف المتبع، بأن يسحب رئيس مجلس الوزراء استقالته من البرلمان ويقدمها له. لكن ماذا نقول ولاية بطيخ.
“الفوضى هي اسم أي نظام يخلق الفوضى في عقولنا” (جورج سانتايانا)
28 12 2019