طلاب دمشق رشقوا جلادت بدرخان بالحجارة (1)

 سيامند إبراهيم*

كان الأستاذ أوصمان صبري شديد الإعجاب بشخصية العلامة جلادت بدرخان بشتى مناحيها, وكان يقول إنه يعد بحق نابغة الثقافة واللغة الكردية, فهو يتسم بذكاء حاد, وفطنة لافتة وهبها الله له, وكان يروي لنا بأنه لولا جلادت بدرخان ووضعه الألف باء الكردية ولولا إصدراه مجلة (هوار) لما ظهر الكثيرين من الأقلام الكردية الرائعة مثل (نور الدين, ظاظا, قدري جان, حسن هشيار, ولما عرف كتاب كردستان العراق مثل الأستاذ رفيق حلمي وتوفيق وهبي وهف ندي صوري وغيرهم ب(هاوار) ومن كردستان إيران الشاعر هزار موكرياني..
وقصة الألف باء تعد سابقة وفضل كبير للعلامة جلادت بدرخان في التحويل التاريخي لأحرف الكتابة والتي هي تناسب اللغة الكردية وخاصة الأحرف الصوتية, واختلاف انتماء اللغتين إلى أرومتين بعيدة كل البعد عن التجانس في كل شيء.
واستطرد الأستاذ أوصمان صبري في وصف جلادت بدرخان بالصدق في جميع مناحيه, ودقة مواعيده كالأوربيين تماماً, فقد كان الوقت عنده مقدس وكان يذهب إلى مطبعة الترقي الواقعة في سوق مدحت باشا بدقة متناهية ويشرف بنفسه على صف الحروف مع عمال المطبعة ويتناول معهم طعام الغداء ويكرمهم بالقليل الموجود في جيبه, ويمازحهم ويحثهم على إنجاز طبع المجلة بوقتها, وكنت أسأله أحياناً عن معنى واستخدام كلمة باللغة الكردية, فإن عرفها قال لي معناها, وإن لم يعرفها يقول بتواضع (أوصمان) لا أعرف معناها..

هنا يبرز الشخصيات العظيمة في إدراكها لقيمة التواضع في العلم والبعد كل البعد عن التكبر والعنجهية و إدعاء المعرفة بكل شيء.
وفي الجلسات الطويلة مع أستاذي أوصمان صبري كنت أستدرجه إلى روي الكثير والكثير لخفايا الأمور التي كانت تجري بينهما سلباً وإيجابياً, وكان يضحك لخبث أسئلتي أحيانا وتسمياتي للأشياء من ناحية ثانية فعندما تكلم عن هاوار) قلت له هل من الممكن أن نسمي مجلة (هاوار) بقرآن اللغة الكردية, فامتعض وقال, هاأنت ذا تقول لا أنا.
وتطول الجلسات ويروي لنا إحدى الطوائف التي جرت مع جلادت بدرخان, قال كنا قبيل الاستقلال نسير في شرع قريب لمدرسة التجهيز القريبة من منطقة الفردوس, وإذ نفاجأ بمظاهرة طلابية تخرج من المدرسة ضد الاحتلال الفرنسي, وكان المرحوم جلادت بدرخان مولعاً باللباس الأوربي وكان يعمل أحياناً مدرساً للغة الفرنسية, ولما رأوه الطلاب, فإذ بوابل من الحجارة الصوانية تهطل على رؤوسنا وقد أصيب جلادت بدرخان بواحدة منها وهربنا منهم بسرعة البرق والسبب هو قبعة جلادت الأوربية.
يتبع
———–
* رئيس تحرير مجلة آسو الثقافية الكردية في سورية.
عضو نقابة الصحافيين في كردستان العراق.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…

ماهين شيخاني مقدمة يواجه الشعب الكوردي في سوريا منذ عام 2011 تحولات سياسية وأمنية عميقة، أفرزت بيئة معقدة تتداخل فيها عوامل داخلية وخارجية. وفي ظل غياب تسوية سياسية شاملة، برزت ثلاثة أطراف رئيسية تركت أثراً مباشراً على مسار القضية الكوردية وعلى الاستقرار الاجتماعي والسياسي في مناطق توزع الكورد. هذا “الثالوث” يشمل الجماعات المتطرفة، والإدارة الذاتية، والمجلس الكوردي، وكلٌّ منها يمتلك…

حسن مجيد في الوضع الكوردي العام وبشكل خاص في إقليم كوردستان العراق كل أصناف المعارضة مرفوضة وخاصة المسلحة منها فالقيام بأعمال الشغب حتى لو لم تكن مرتبطة بأجندات إقليمية أو خارجية فقط يحق لك أن تعارض ضمن مجالات حرية الرأي والتعبير . إن النيل من المنجز بطرق غير شرعية وتخريبية تخدم المتربصين والذين لايريدون الخير للكورد . الواجب الوطني…