عبدالرحمن كلو
قبل التذكير بماهية الحق الكوردي، بداية لا بد من التعريف بالموقف السياسي من راهنية الحالة لبعض عناصر المشهد السياسي الكوردي الحالي، وخاصة فيما يتعلق بمستقبل القضية الكوردية وأشكال الحلول المطروحة مع الجانب العربي نظاماً ومعارضةً، ربما يفسر البعض ويختزل المواقف المعلنة على أنها تعبير آني لظاهرة أو حدث سياسي وفقط. الأمور لا تؤخذ بهذا الاختزال والتبسبط، لأن الموقف السياسي هو التعبير عن الخيار الذي نأخذ به عن حدث أو ظاهرة سياسية من خلال الحالة التفاعلية الإجتماعية والسياسية والإقتصادية للتراكمات الجمعية المعرفية للحدث،
وعليه فهو ليس وليد اللحظة بل يخضع لتفاعلات سيرورة عناصر الظاهرة السياسية وتجاذباتها ، كما ويبقى ثابتًا مع طبيعة الحالة التفاعلية لثوابت الخيار، ويتغير مع تغير شكل العلاقة الداخلية بين صاحب القرار والعناصر التي أسست للقرار.
لذلك وبالضرورة عند قراءة الموقف السياسي الراهن لأية جهة أو طرف لا بد وأن يكون من خلال سياقات الحدث السياسي وديناميكية عناصر بيئة صيرورة الحدث، هذا مع التأكيد على ضرورات الحفاظ على روابط سلسلة السبب والنتيجة وعدم فصل النتائج عن عن المقدمات وشكل علاقته بتوقعات الحالة السياسية المستقبلية.
ولهذا فعندما ما يتعمد البعض استخدام مصطلحات الكورد أو الأكراد أو القومية الكوردية بدلا من مصطلح الشعب الكوردي لأي سبب أو دافع كان، هذا يعني البحث في حلول مغايرة ومختلفة كليَّة عن ما هي في البرامج السياسية للأحزاب الكوردية القائمة، كما يعني أنه تجاهل لكل موروث التاريخ الحزبي السابق والإنقلاب على كل المفاهيم السياسية السابقة.
فالشعب مصطلح سياسي معرَّف ومحدّد له من المعاني الواضحة في الجانب القانوني والسياسي ما يمكن قراءته بوضوح تام لا يقبل التأويل أو الإجتهاد، إذ لا توجد شعوب بلا هوية جغرافية، لذلك هناك علاقة جدلية وثيقة بين الأرض والشعب وعليه لا يمكن الحديث عن حق ( الشعب) إلا من خلال البحث في شكل العلاقة مع الجغرافيا البشرية لهذا الشعب والتي هي هويته التاريخية وكلاهما معًا يشكّلان الهوية الجغرافية السياسية له، والتعريف به يكون من خلال تلك الهوية الإسمية وفقط من دون تسميات أخرى أو ألقاب مزيفة.
أما مفهوم “القومية” مضمونًا ومصطلحًا فلا تعني ” الشعب ” والشعب الكوردي شعب أصيل يعيش على أرض وطنه التاريخي ، وحقوقه لا تدخل في ميزان مقاربات الجمل الإنشائية أو المواربات والعبارات الخاصة بالجاليات أو الأقليات القومية والعرقية، بحسب الوثيقة الأممية الصادرة عن الأمم المتحدة بخصوص الشعوب الأصلية رقم: 178/ 61 ٢٠ ديسمبر تاريخ ٢٠٠٦ .
أما إذا كانت الحلول من خارج هذا الإطار المعرفي والقانوني، فلا داعي لتسوّل الكلمات وترقيع الجمل ومحاولة إنشاء التعابير المشوّهة وحمايتها بأسوار حزبية صدئة متهالكة، لأن كل لغات العالم والإستعراضات الهوليودية لا تغيّر من الحقائق بشيء ولا تشفع في تدليس الواقع وتزييف الحالة بحسب أجندات سياسية معينة. وحالة التفاوض تحديدًا في المسائل المصيرية، تستوجب تجنب الغموض كما تفرض توظيف كل الأساليب وزجها في معركة التفاعل والإدراك ووضع حد فاصل بين ضرورات المجاهرة وبين ميكانيزما الغموض والضبابية، لأنها لحظات إنتقالية.
وبعبارات قليلة وقليلة جدًا إذا كنا أمام مسألة الحقوق القومية للكورد في سوريا وفقط، فالحالة لا تستوجب ولا تستدعي إنشاء أحزاب أو تنظيمات قومية كوردية خاصة، لأن في هذه الحالة سيكون حل المسألة القومية جزء من المسألة الوطنية ” السورية ” عمومًا ولا تنحصر الحلول الوطنية في واحدةٍ منها دون غيرها، بل ينسحب شكل الحل على كل المكونات القومية في الدولة الوطنية، وهنا الجغرافيا السورية الواحدة والموحدة والشاملة من الجنوب إلى الشمال ومن الشرق إلى الغرب ستكون البيئة الوحيدة المناسبة لحل المسألة القومية، وعليه فالحلول يجب وبالضرورة ان تشمل كل المكونات القومية وعلى امتداد كامل مساحة الدولة الوطنية، إذًا فالمسألة باتت في كل مكان وتعني كل الأقليات بدءًا من الأقليات الكوردية والآرامية والشركسية في دمشق مرورا بحماة والساحل السوري حيث الأقليات القومية المختلفة وحتى الشمال والشمال الشرقي حيث الأغلبية ” للمكون” الكوردي.
ولا شك أن المسائل “الوطنية” حينها لا تحتاج الكثير من العناء أو التفنن في التسوّل أو الإرتزاق، بل تحتاج المصارحة والقبول بالحلول الوطنية الإفتراضية من خلال المشاريع الوطنية المتفق عليها بعيدا عن العصبية المناطقية والتمايزات القومية أيًا تكن تسمياتها.