المركب الإيراني يغرق بكل حمولته

سوسن الشاعر
قواعد اللعبة التي اعتمد عليها نظام الحكم في العراق ولبنان قائمة على المحاصصة الحزبية الطائفية، وهذه القواعد بدأت تهتز وتتحرك الأرض من تحت أقدام اللاعبين فيها.
إن إصرار «اللاعبين» على اللعب بالأوراق ذاتها رغم الرفض الواضح والصريح لها من قبل المتظاهرين، يدل على أن الأحزاب السياسية غير مدركة تماماً للمتغيرات التي تجري على أرض الواقع، بدليل إصرارهم على استخدام الأوراق التقليدية ذاتها في استرضاء المتظاهرين، معتقدين أن المسألة تنحصر في تغير الوجوه فحسب!
هناك أكثر من 30 حزباً عراقياً وأكثر من 90 حزباً لبنانياً اعتمدوا في السنوات الأخيرة على تشكيل حكومات وعلى نظام انتخابي وتوزيع مقاعد انتخابية بناءً على المحاصصة الطائفية، والأهم هو عدم تشكيل أي سلطة نيابية أو تنفيذية أو قضائية إلا بالتحالف مع وكلاء إيران، دون موافقة إيران يصعب على أي حزب سياسي أن يجد له موقعاً في السلطات الثلاث.
ورضخت جميع الأحزاب السياسية لهذا الواقع واستسلمت لتلك المعادلة؛ ولذلك تحالفت الأحزاب المنسوبة زوراً (للمدنية) مع حزب الدعوة في العراق و«حزب الله» في لبنان كي تجد لها منفذاً في السلطات الثلاث، ورمت بتاريخها وبمبادئها وقيمها المدنية عرض الحائط وقبلت أن تكون حليفاً لحزب ديني يرتهن لقوى أجنبية.
وسواء كان سلاح وكلاء إيران والتهديد به الذي كان مسلطاً على رؤوس تلك الأحزاب هو السبب، أو كانت الرغبة الحميمة في الوصول للسلطة هي التي دفعت أحزاباً كالتيار الوطني أو «14 آذار» للتغاضي أو السكوت عن ثيوقراطية وكلاء إيران، إلا أنه نهاية المطاف قبلت تلك الأحزاب بالتحالف ضمناً مع «حزب الله» الإيراني اللبناني، وكذلك فعلت الأحزاب العراقية (المدنية) أو الأحزاب (السنية) في العراق، الجميع حصل على مقاعد نيابية أو على حقائب وزارية بعد رضوخهم لوكلاء إيران في المنطقة.
فكذلك كان الوضع في العراق، حيث واجهت حكومة عادل عبد المهدي صعوبات شتى حين تشكيل الحكومة وصلت إلى حد التهديد بالاستقالة، لعجزه عن تعيين أي وزير مستقل، أي دون غطاء حزبي يحميه حتى لو كان فاسداً؛ لذلك غالبية المقاعد النيابية حظي بها الائتلاف الطائفي المدعوم من إيران وعلى رأسهم حزب الدعوة!
ولولا استسلام الأحزاب المدنية في الدولتين للأمر الواقع الذي فرضه وكلاء إيران لما تمكن وكلاء إيران من السيطرة على الحكم طوال السنوات الخمس عشرة الماضية على أقل تقدير.
الجديد الذي يجب أن يقرأ بتمعن الآن من قبل هذه الأحزاب (المدنية)، أن وكلاء إيران فقدوا قواعدهم الشعبية، وأن المظاهرات العراقية واللبنانية تستمد زخمها هذه للمرة و – ربما للمرة الأولى – من أبناء الجنوب العراقي واللبناني، الجديد هو حجم التذمر العلني من قبل القاعدة الشعبية التي يستند إليها وكلاء إيران، الثورة جنوبية هذه المرة، وبمساندة شمالية، والفرق بين الثورتين أن الشمال السني اللبناني (طرابلس) خرج هو الآخر وانضم إلى جنوبه، في وحدة كسرت محرمات التابو الوطني وخرجت عن طوع المحاصصة الطائفية المفروضة عليهم.
ورغم أن المساندة ما زالت ضعيفة من المكون السني في الحالة العراقية رغم شعارات الوحدة العراقية، وما ذلك إلا لأن المناطق السنية ما زالت مثخنة بالجراح من بعد تعرضها للتهجير والقتل والتدمير سواء من «داعش» أو من الميليشيات الطائفية، إنما في نهاية المطاف رفع المتظاهرون العراقيون كما هم اللبنانيون شعارات الوحدة الوطنية التي تخطت حاجز المحاصصة الحزبية، ورفعوا شعارات تندد بالتدخل الإيراني وبالمطالبة بخروجه، المتظاهرون يصفعون وكلاء إيران صفعة قوية لأنها آتية من قواعدهم الشعبية هذه المرة، والتي باسمهم وباسم حمايتهم فرض وكلاء إيران شروطهم بالقوة، فإن لم تقرأ الأحزاب هذه المعطيات الجارية على أرض الواقع فإنهم سيكونون أول الخاسرين.
فإذا اضفنا الواقع السياسي الدولي الذي يواجه إيران ويفرض عليها وعلى وكلائها العقوبات فإن عدم احتساب كل هذه الاعتبارات والاستمرار بتجاهلها والإصرار على اللعب بالأوراق القديمة ذاتها والتمسك بالمعادلة القديمة يعد انتحاراً سياسياً وموتاً دماغياً قد يطول.
المركب الإيراني بكل حمولته معرّض للغرق وركوب تلك الأحزاب في هذا المركب كان من الأساس استسلاماً لأمر واقع وإرغاماً رغم مخالفته لمبادئ وقيم تلك الأحزاب، فإن كان الأمر الواقع يتغير الآن، ما الذي يجبركم على الاستمرار إن لم يكن عدم إدراك ومحدودية ذكاء وضعف نظر وعجزاً عن قراءة المعطيات؟
الشرق الاوسط

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

خورشيد شوزي في ظل الأوضاع المعقدة التي تشهدها سوريا، يبقى النهج الإقصائي الذي تمارسه سلطات الأمر الواقع أحد العوامل الأساسية في تعميق الأزمات بدلاً من حلها. فالتهميش المستمر ورفض التعددية السياسية يضعف أسس الاستقرار، ويؤدي إلى إعادة إنتاج أخطاء الماضي. أي سلطة تسعى إلى بناء دولة قوية ومستقرة لا بد أن تعتمد على مبدأ الشراكة الوطنية، وتعزز التعددية…

نارين عمر   يبدو أنّه علينا كشعب أن نعيش عمرنا بين تساؤلات واستفسارات موجّهة إلى مختلف قيادات الحركة الكردية والأطراف التي ترى نفسنا أنّها تمثّلنا في سوريا دون أن نتلقى إجابات واضحة منهم تهدّئ من صخب فكرنا وتنعش النّفس ببعض الآمال المحققة لطموحاتنا وحقوقنا. في اتفاق أسموه بالتّاريخي بين “قسد” وحكومة دمشق تمّ طرح عدّة بنود منها: (( دمج قسد…

درويش محما قد تصبح الامور عصية على الفهم في بعض الاحيان، وضبابية غير واضحة، حينها يجد المرء نفسه في حيرة من امره، ازاء سلوك او تصرف معين يقدم عليه شخص ما، والسبب بكل بساطة، يكمن في عدم معرفتنا للهوية الحقيقية للشخص صاحب التصرف والسلوك. اما ماهية الهوية كمفهوم، فهناك اجماع على تعريفه، بمجموعة السمات والخصائص المميزة لفرد ما بعينه،…

إبراهيم اليوسف يقتلع”الزور” الجزرأي القوة مثل كردي لقد بلغ العنف والتدمير مرحلة ما بعد الحداثة، فلم يعد مجرد أداة صراع بل تحول إلى نسق شامل، يعيد تشكيل الواقع وفق منطق القتل والفناء. إذ لم تعد الأسئلة الكبرى عن معنى السلطة والشرعية والوجود تجد مكاناً لها، لأن القاتل لم يعد مضطراً حتى لتسويغ جرائمه. إننا- هنا- أمام زمن…