مطارنة وآباء وكهنة  قرابين مسيحية على النطع الداعشي:.. أسئلة من أجل عالم بلا إرهاب

إبراهيم اليوسف
 
كان يوم11-11- 2019 أسود، دامياً، كارثياً، حزيناً، شؤماً على مدينة- قامشلي- فمنذ ساعات الصباح الأولى تناولت شبكات التواصل الاجتماعي، ووسائل الإعلام خبراً حزيناً عن استشهاد الأب هو سيب حنا بيدرويان-راعي كنيسة الأرمن الكاثوليك وأبيه، وهما في الطريق ما بين مدينتي الحسكة وديرالزور، ليتبنى تنظيم داعش تنفيذه العملية الإرهابية، ولتشهد قامشلي ثلاثة تفجيرات إرهابية، في مركزها، – عن بعد- من بعد ظهر اليوم نفسه، بوساطة تفخيخ سيارتين ودراجة نارية، وليستشهد ستة أشخاص منهم: أربعة مدنيين واثنين من شرطة السير الذين كانوا قريبين من أحد أمكنة التفجير، ناهيك عن حوالي خمسين جريحاً، حروق وإصابات بعضهم جد خطيرة!
واستهداف المتشددين الراديكاليين الإسلامويين العروبويين، أي: بعض الفصائل الارتزاقية التي نسبت نفسها إلى “الجيش الحر” ملغَّمةً لتجهزَ على فكرة تأسيسه: فكرة تأسيس الجيش الحر، بالإضافة إلى أشباههم الجبهتنصريين والدواعش، استهدافهم المسيحيين بدا واضحاً، وعلى امتداد رقعة سوريا، إذ إنه تم خطف كل من المطران يوحنا إبراهيم رئيس أساقفة الأرثوذكس و الأب  بولس يازجي رئيس أساقفة الروم الأرثوذكس، وذلك في 22 نيسان 2013، قرب المنصورة في ريف حلب، وظل مصيرهما مجهولاً ، بالرغم من الشائعات التي أطلقت على أنهما حيين، ولربما قيل أنهما في الباغوز، بل بالرغم من أن مكتب المكافآت للعدالة في أمريكا خصص خمسة ملايين دولارات لمن يعطي معلومات عن شبكات الاختطاف لدى داعش-بشكل عام- وبشكل خاص عن المطرانين و الأب باولو، كاهنين آخرين وهما: ماهر محفوظ  وميشيل كيال، اللذين خطفا، بينما كانا في حافلة في طريقهما إلى دير كفرون في يوم 9 شباط 2013،  ما دعا الأب باولو للتوجه إلى الرقة، ليكون باستضافة أسرة رقية، ويذهب- بدوره- للقاء بأمير داعش، للمطالبة بإطلاق سراح المطرانين والكاهنين المذكورين،  ليغيب في تمام الساعة الواحدة  من يوم 29 تموز2013، بعد أن أوصله طبيب رقي مقرب من الأسرة المضيفة إلى دار الحكومة التي تم احتلالها من قبل داعش، وعندما ذهب ناشطان رقيان بعد مرور ثلاث ساعات لمقابلة الأمير والاستفسار عن مصيره فقد قيل لهما لم نر المذكور، فعلما مصيره، وأعلنا الخبر بعد ذلك، وفق وصيته، وليسلما بعض ودائعه الموجودة عند الأسرة المضيفة إلى القنصلية الإيطالية في غازي عنتاب/ تركيا، أما حقيبة ملابسه فبقيت في منزل  الأسرة المضيفة الذي استولى عليه داعش، في ما بعد!
وإذا كان هذا ما حدث بالنسبة إلى رجال الدين المسيحي، مع الخلايا ما قبل الداعشية التي كانت على اتصال بداعش، وسلمته  المطرانين والكاهنين، أو كانت هي من داعش، أصلاً، فإنها لم توفر مناضلاً حقوقياً كرس حياته لمنوأة النظام السوري وهو: خليل معتوق، وحتى مصوراً صحفياً هو سمير كساب الذي خطف مع زميل آخر له من أسرة سكاي نيوز عربية في أكتوبر2013، ممن غطوا معاناة السوريين، في أخطر مرحلة  بل لم توفر حتى المواطنين الآشوريين المسيحيين في ريف تل تمر، إذ تم خطف حوالي 270 آشورياً، من رجال ونساء وأطفال في أواخر شباط 2015، كما تم تفجير برجي جرس كنيسة مريم العذراء في تل نصري من قبل داعش لتحويلها إلى جامع، ناهيك عن دوادث خطف أرمنيات منها الأرمنية الدمشقية راشيل ديال16 عاماً، والتي زُوجت- قسراً- لخمسيني من قبل التنظيم في الرقة، وسلمتها الإدارة الذاتية لمطرانية الأرمن مع أرمنيتين أخريين- بعد تحرير الرقة- وقد كانت في مخيم الهول، وقد دلت راشيل قوات ب ي د عليهما.
هذا بالنسبة إلى مسيحيي سوريا، ومن دون أن ننسى التفجيرات التي تعرضت لها مطاعم المسيحيين ودور عبادتهم من قبل داعش في قامشلي مثلاً، وكان يستشهد في كل مرة أعداد من المسيحيين وأخوتهم: الكرد والعرب وغيرهم، في هذه التفجيرات الإرهابية!
بعد هذه المقدمة المستفيضة التي حضرت ذاكرتي- وهي غيض من فيض- بل هي ليست الأرشيف الكامل في هذا المجال، وإنما في حدود ما ظل عالقاً في ذاكرة متابع مثلي لشؤون الثورة السورية- كما كانت في بداياتها- وما بعد ذلك، ولقد تمت أرشفة جميعها من قبل فيدرالية حقوق الإنسان، والمنظمات السورية المتابعة، التي تعمل ضمنها كل من منظمتينا: منظمة حقوق الإنسان في سوريا-ماف التي انطلقت منذ العام 2004، وباسم لجنة حقوق الإنسان الكردي، قبل أن أقترح تغيير اسمها في أول مؤتمر تال في قامشلي، ولتتم موافقة المؤتمر عليها ويكون اسمها: منظمة حقوق الإنسان في سوريا – ماف، وهكذا منظمة روانكه التي أطلقتها في العام 2005، لتكون معنية بالاعتقالات والاختطافات من قبل النظام، وكانت المنظمات السورية التي نعمل ضمن منسقيتها من أولى المنظمات السورية التي تابعت الشأن السوري، ليتم توثيق  الانتهاكات- كاملة- سواء أكانت من طرف النظام، أو المعارضة، التي ستتحول في وجهها الائتلافي الرسمي إلى ارتزاقية تابعة لتركيا، لم يعد همها إسقاط النظام، ولا تحرير أي شبر من سوريا، وإنما احتلال المناطق الكردية، لأجل ترسيخ أمن تركيا- المزعوم- خارج أرض خريطة تركيا المصطنعة، ونسيان دماء وأنات ملايين السوريين: شهداء، وجرحى، ومعذبين في  السجون، بل ومجهولي المصير، ومهجرين تجاوزت أعدادهم نصف سكان سوريا!
ما أريد قوله: إن  رئيس تركيا أردوغان اعتبرته منظمة العفو الدولية- هيومن رايتس، مجرم حرب،  وهو ما يصنفه في مقام أبي بكر البغدادي، لاسيما إننا ندرك الكثير من الشبهات، ولربما الأدلة من قبل المراقبين على ضلوع  أردوغان في تنظيم داعش الذي يستهدف من اعتبرهم الفاشيست التركي أعداء: الأرمن والمسيحيين والكرد، ناهيك عن أن داعش كان عدواً للثورة السورية، كما فعل أردوغان.
إن العالم لمطالب الآن، بأن يضع نصب عينيه استئصال الإرهاب، من جذوره، وهوما لا يمكن إلا بإسقاط المجرم أردوغان، ومن حوله من البطانة التي تعتبر إحدى الحواضن الرئيسة للإرهاب في المنطقة، بالإضافة إلى ضرورة إسقاط نظام إيران، وذلك بالتنسيق، على نحو استراتيجي، لاستئصال داعش، وأشباهه من الراديكاليين، إن كان هناك ثمة عالم يخطط للسلم الدولي، وليس مجرد منفذين لما قرأناه من قبل المفكرين اليساريين عن العولمة التي تسعى للتأسيس لمجتمع المليارين من البشرية، أو مجتمع الثلث، عندما كان عدد سكان العالم ستة مليارات- فحسب- وهو مجتمع  العباقرة المخترعين. مجتمع العقول الذي لامكان لأمثالنا فيه.
إن مدينة قامشلي، التي تأسست من خلال التقاء مكونات أديان مختلفة: الإسلام- المسيحية- اليهود – الإيزيدية، ومن قوميات متعددة: الكرد- العرب- السريان- الأرمن- الآشوريين إلخ، تمثل إحدى لوحات التآخي بين مكونات البلد الواحد، وكانت أمثولة في التفاهم والسلام، ولم يشهد تاريخها. تاريخ المنطقة، أية خلافات ذات طابع عام بين هذه المكونات، باستثناء حالات طفيفة حاول النظام السوري- حزب البعث- تغذيتها، بعيد انتفاضة آذار2004 في قامشلي، وتم تطويقها، من قبل حكماء وعقلاء المنطقة، وكانت المدينة-برمتها- عبارة عن بيت واحد، في السراء والضراء، لا فرق اجتماعياً بين أحد، بالرغم من أن النظام العنصري كان يحاول ضرب المكونات بعضها ببعض، والاستعداء على الكرد.
وإذا كانت أمريكا تخصص ملايين الدولارات لأجل إطلاق سراح رجال دين مسيحيين، وهكذا بالنسبة لمكافحة الإرهاب، شأن دول التحالف، والعالم الحر كله، فإن هناك بؤراً لابد من استئصالها، باعتبار تكرس ثقافة إفراغ المنطقة من مكوناتها الرئيسة، فبعد هجرة اليهود من المنطقة، تم تهجير الكرد والمسيحيين، والإيزيديين الكرد بشكل عام، كما يعلن أردوغان بالسعي للتغيير الديمغرافي في المنطقة، من خلال مطالبة المجتمع الدولي ببناء مجتمعات من اللاجئين، في مستوطنات خاصة في المنطقة، وما أحداث ترويع المسيحيين، إلا في خدمة ذلك المشروع!
إن ما يجري- الآن- في مناطق تواجد الكرد، من مواجهة بؤر داعش، التي خلع أعضاؤها أقنعتهم، وملابسهم السوداء، وارتدوا ملابس- الجيش الوطني- بإدارة دمية في الحكومة المؤقتة التابعة، للائتلاف التابع لتركيا، بل وبعد أن بدلوا علم الثورة براية داعش هو بداية استيلاد النسخة ما بعد الداعشية، لاسيما إن العالم كله رأى كيف أنه يتم غزو بيوت الكرد الآمنين، والاستيلاء عليها، ونحر الناس، ليس من أجل هدف وطني سوري، وإنما من أجل أجندة تركية، وأمن تركيا التي باتت نواياها التوسعية تتضح- وهي المؤسسة على خريطة تلفيقية – لاسيما بعد الحديث عن :غزو الموصل، بل وعن اعتبار ليبيا من ميراث تركيا، وأية تركيا كانت حين كانت تأسست ليبيا؟
 جريدة كردستان

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…