الكُردي بين الحلف القطري التركي

حسين جلبي
يريد الكُردي من الدول أن تكون جمعيات خيرية، لا تقدم له يد العون دون مقابل فحسب، بل تحارب أعدائه إلى جانبه؛ لتحصيل حقوقه على حساب مصالحها، وهذا الأمر ليس له وجود حتى في الإحلام. علاقات الدول “وحتى الأفراد” قائمة على تبادل المصالح، والشاطر من يستغل اللحظة ويقرأ المستقبل بشكل جيد، وتكون لديه دائماً الخطة “باء” لإنقاذ نفسه، وهو ما لم يفعله الكُردي يوماً.
فرضت السعودية وشركاء لها مقاطعة على قطر قبل أكثر من عامين، وكما هو معروف الحدود البرية الوحيدة التي تملكها قطر هي مع السعودية، وهكذ لم يبقَ أمام قطر سوى البحر حيث إيران، والكويت وعمان في الشرق والغرب، والوصول إليهما لا يكون إلا عبر المياه.
 ماذا فعلت تركيا وقتها، وقد وجدت قطر نفسها معزولة فجأةً؟ لقد استغلت الأزمة القطرية أفضل استغلال، فافتتحت جسراً تجارياً “بري ـ بحري”، يبدأ من أراضيها ويمر عبر إيران، ثم إلى مياه الخليج وصولاً إلى قطر، وعوضت السوق القطرية بالبضائع التي توقفت دول الخليج عن تزويد قطر بها. ليس ذلك فحسب، بل وقعت اتفاقية عسكرية مع قطر، وأقامت قاعدة عسكرية تركية على أراضيها، وأرسلت آلاف الجنود الأتراك إليها، بحيث أصبحت قطر تتمتع بالحماية التركية.
ماذا كان رد قطر على كل ذلك؟ لقد أصبحت من أكبر مستوردي البضائع التركية، وقامت باستثمار مليارات الدولارات في تركيا، ودعمت الليرة التركية خلال العقوبات الأمريكية لوقف انهيارها، وقبل فترة أهدى أمير قطر تركيا طائرة رئاسة ثمنها نصف مليار دولار. أما قناة الجزيرة، والتي هي أقوى وسيلة إعلامية عربية ذات تأثير عالمي، فقد أصبحت ذراع تركيا الإعلامي خلال محطات مفصلية، وقد غطت العملية العسكرية التركية بشكل حرفي لمصلحة الأتراك، في الحقيقة لم تستضف كُردياً واحداً خلال تلك العملية، بل كان ضيوفها الذين يناقشون الشأن الكُردي هم غالباً من الأتراك، لكنها أصرت على استضافة آبوجي واحد من هولندا، عندما وجدته، من خلال شكله ولغته وحديثه وأميته وتخلفه وبالاً على نفسه، ويخدم العملية العسكرية التركية أحسن من أي تركي.
بعد كل ذلك، وبعد أن أصبحت علاقات تركيا وقطر حيوية واستراتيجية، يريد الكُردي أن لا تدعم قطر تركيا وتنحاز له بدلاً من ذلك، ويريد من تركيا أن لا تشكر قطر على دعمها، بل تدير ظهرها لها. لكن الكُردي لم يسأل نفسه، عما قدمه أو ما يمكن أن يقدمه لقطر، أكثر من الذي قدمته تركيا لها؛ حتى يمكن أن تنحاز إلى جانبه. تعليقي هذا يأتي بمناسبة الخبر الذي نشرته قناة العربية الكاذبة، التي يتابعها الكُرد ليس لأنها تنقل الحقيقة، بل لأنها تعزف على هواهم، حيث ذكرت العربية بأن وزير الخارجية التركية شكر قطر على دعمها المالي للعملية العسكرية، ونصف الخبر كاذب كما تبين لاحقاً، لكن النشطاء الكُرد “ولا أعمم” دخلوا بناءً على خبر قناة العربية؛ في حملة شتم لقطر وأميرها ووالده ووالدته، ولم ينسوا بالطبع زوجة الرئيس التركي، بالإضافة إلى إطلاق حملة إشاعات غير مجدية.
الأسلوب الذي لجأ إليه المشار إليهم، أقل ما يقال عنه أنه سيء، لأن الشتيمة هي سلاح الضعفاء العاجزين، فالإساءة تقابل بالإساءة عادةً، ويمكن لمن يُشتم أن يشتم إذا أراد، لكن المجدي هو أن يبحث المرء عن مواطن الخلل لديه لمعالجتها؛ للوقوف على قدميه ومحاولة كسب الآخرين، بدلاً من العمل على زيادة منسوب عدائهم له.
الكُردي لا يملك للأسف في هذا العالم المتوحش سوى لسانه ودمه، وعليه أن يسيطر على لسانه ويعمل على تفعيل عقله، وعليه أن يحافظ قدر استطاعته على دمه، لكنه إذا أُضطر إلى ملأ كؤوس الآخرين به، فعليه أن يسأل قبل ذلك عن الثمن، وهو ما لم يفعله مع شديد الأسف حتى اللحظة.
من صفحة الكاتب:

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

شادي حاجي القضية الكردية في سوريا ليست قضية إدارية تتعلق بتدني مستوى الخدمات وبالفساد الإداري وإعادة توزيع الوظائف الادارية بين المركز وإدارات المناطق المحلية فإذا كان الأمر كذلك لقلنا مع من قال أن المشكلة إدارية والحل يجب أن يكون إدارياً وبالتالي حلها اللامركزية الادارية فالقضية الكردية أعقد من ذلك بكثير فهي قضية شعب يزيد تعداده على ثلاثة ملايين ونصف تقريباً…

اننا في الفيدرالية السورية لحقوق الانسان والمنظمات والهيئات المدافعة عن حقوق الإنسان في سورية ومع مناصري ثقافة التسامح واحترام حقوق الانسان ومع أنصار السلم والحرية، نقف مع السوريين ضد الانتهاكات الجسيمة والاعتداءات الصريحة والمستترة على حقوق الانسان الفردية والجماعية، وسياسات التمييز ضد المرأة والطفل، وضد الأقليات، وضد الحرب وضد العنف والتعصب وثقافة الغاء الاخر وتهميشه، وتدمير المختلف، والقيام بكل ما…

نحن، المنظمات الحقوقية الكردية في سوريا، نهنئ الشعب السوري، بجميع مكوناته وأطيافه، على إسقاط نظام الاستبداد، إذ تمثل هذه الخطوة التاريخية ثمرة نضال طويل وتكاتف الشعب السوري ضد آلة القمع، وهي بلا شك نقطة انطلاق نحو بناء سوريا المنشودة. إن سوريا الجديدة، بعد إسقاط النظام البائد، تدخل مرحلة حاسمة، وهي مرحلة البناء والسلام والصفح. لذا، ينبغي أن تسود فيها العدالة…

خليل مصطفى بتاريخ 22/2/1958 (شهر شباط) تم التوقيع على اتفاقية الوحدة (بين مصر وسوريا)، حينها تنازل رئيس الجمهورية السُّورية شكري القوتلي عن الرئاسة (حكم سوريا) للرئيس المصري جمال عبد الناصر (طوعاً)، وقال لـ (جمال عبدالناصر): (مبروك عليك السُّوريون، يعتقد كل واحد منهُم نفسهُ سياسياً، وواحد من اثنين يعتبر نفسهُ قائداً وطنياً، وواحد من أربعة يعتقد بأنهُ نبي، وواحد من عشرة…