مبادرة سوريا الاتحادية كورديا

وليد حاج عبدالقادر – دبي 
في خطوة عملية وبعيدا عن الرومانسيات الثورية بشعاراتها البراقة الإستقطابية خاصة في أواخر السبعينيات ، والتي ما استطاعت مطلقا التأسيس لأي أمر سوى بعدها التنويري وكشعار زينت بها بعضا من اعداد جرائدها،  ما لبثت حينها أن اصطدمت بالفعل الشعوري الانتمائي كنتاج لذلك المخاض الذي أنتج عربيا على قاعدة تراكم نكسة حزيران 1967 ، وكورديا تراكمات نكسة ثورة كوردستان العراق 1975 ، هذه التراكمات التي أنتجت إرهاصات ذاتية وبينية تفرعت وكل منها أنتجت خصوصياتها وبقيت في السطح ولم تتجذر، وعليه طغى على السطح ومع اول احتكاك عملي ، أن انزاحت تلك الشعارات ، لابل وتحولت إلى النقيض ،
 ذلك الاحتكاك الذي ظهر مع حرب الخليج الأولى بعد احتلال صدام حسين الكويت وطرده منها على الصعيد العربي ، وازاه كورديا مجزرة حلبجة ومحيطها الكيميائية كجينوسايد تطبيقي استهدف وجودهم كبشر ، وهنا ، وبعيدا عن التنظير التاريخي ، وفي العودة الى السريالية السورية ، وذلك الجهل المتبادل  كنتاج في الجانب المعرفي بينيا ، وبعيدا عن التعريف الرسمي للنظام ، بقيت الأطر السياسية السورية كاملة تعيش حالة اغتراب وتوجس حقيقي من جهة ، وتعاريفها لا تتجاوز تلك الجدران التي بنتها النظم المتعاقبة ، ولكنها ومع اللحظات الأولى لانتفاضة قامشلو سنة 2004 بدأ بعض من الحراك المتبادل استهدف الشرخ والتدرج المعرفي بينيا،  ولكنها وللأسف لم ترتق مطلقا إلى إيجاد سوية عملية لتوضيحات حتى لا نقول تفاهمات ، وهذه اوعزها شخصيا – ربما – لهيمنة الأمن السوري وتحكمها في مسارات وهيكليات عديدة ، ومع تطور الوقائع في سوريا ، ومنذ بدايات الثورة السورية ، برز جليا نوع من الوعي المتقدم عند بعض الثوريين والسعي لإضفاء الروح السورية على كامل الحراك ، وطبيعي أن النظام أيضا و بالتوافق مع التدخل الأمني السريع للنظام الإيراني الذي تدخل وتحرك بتفاعل فظيع ، وهذا الامر بحد ذاته موضوع واسع لابد أن يعود إليه المهتمون بالتفصيل ، وما يهمنا في هذا الجانب هو سياسة المد والجزر التي لاتزال تبسط بظلالها على العلاقات البينية كورديا وعربيا ، وعليه : ومع المخاض الدموي العنيف الذي تعيشه الخارطة السورية ككل وتداخلات الاصطفافات الفئوية كمكونات ، بالترافق مع الدخول الاجنبي عسكريا ، ازدادت عدد المشاريع والطروحات ، ولم تبقى إيديولوجية او عقيدة إلا وطرحت او مارست رؤاها ، وحتى الأطر الجبهوية وائتلافاتها لم تنج من ميكانيكية التفاهمات والوسطيات التي استندت أصلا على برامج وعقائد مسبقة الصنع ، كل هذه الأمور دفعت – بعضا – من النخب والشخصيات المنتمية أصلا إلى تلك البيئات السابقة المتحررة  من الضوابط الملزمة ، فتنادت بداية وعلى أرضية استقطابية سورية تستهدف البناء الذاتي ، ومن ثم التوجه بما اتفقت / ستتفق لمخاطبة وتكوين رأي عام عالمي مساند على تفاهم سوري – سوري وبتوافق يغطي كامل جغرافيا دولة سوريا المتشكلة مع قدوم الانتداب الفرنسي ، وبالفعل بدت المبادرة منذ بدايات طرحها ، نوع غير مألوف  من حيث آلية التداعي لها ، وطريقة تجاوزها لكل الخطوط الحمر لا كجدل بقدر ماهو خرقها وصولا لانتزاع الحلول المتوافقة ، وبالفعل ، كان النقاش صعبا جدا ، لابل بدا لنا جميعا مدى حاجتنا لكسر حواجز عديدة ، ومفاهيم تعريفية تم التركيز عليها بعناية لتحطيم الطابوات التي تكلست ذهنيا كنتاج معرفي للنظم ، وبجهود حثيثة تم التوافق على المبادئ الاولية لهذه الدعوة – الإعلان الذي وضع على يد ( مجموعة من السوريين من مختلف مكونات وثقافات الشعب السوري وذلك … إلى الإعلان الفوري عن قيام الجمهورية السورية الاتحادية دون انتظار السقوط الحتمي للنظام و بالتوافق على اعلان دستوري يصوغه قانونيين متخصصين … )  ويرتكز هذا الإعلان على قاعدة أساسية تنص على ( وحدة سوريا وإعادة السيادة السورية على كامل ترابها . ويحرص على ضمان حقوق ثقافاتها ومكوناتها القومية المذهبية المتعددة ) .. ولتتالى بنود التوافقات لتصل الى توافقات جوهرية وتعريفية مكثفة ( .. تقوم الجمهورية الاتحادية على توزيع إداري يأخذ بعين الوقائع الجغرافية والثقافية والاقتصادية ، بعيدا عن التمييز القومي والطائفي ، مع مراعاة خصوصية المكونات السورية وضمان حقوقها التي تم انتهاكها في كافة عهود الإستبداد ، تحت سياسة الإضطهاد والإقصاء التي طالت الكرد الذين يعيشون على ارضهم التاريخية وكذلك حال العرب والسريان الآشوريين والتركمان والقفقاسيين ، بحيث تضم الجمهورية الإتحادية أقاليم جغرافية متآخية مرتبطة ببعضها البعض بمركزية سياسية واحدة هي في العاصمة دمشق وبحكومات محلية ادارية منتخبة ومنبثقة من سكان كل اقليم … ) .. ومن المبادئ الناظمة والمهمة لصياغة توافق معشر سوري عام وعابر للانتماءات الخاصة بمكون  أوحد كان التعريف بهوية الدولة ( الجمهورية السورية الإتحادية جزء من المنظومة الدولية ، تجمعها بأمم  وشعوب الفضاء الحيوي المحيط بها جذور تاريخية وقيم إنسانية مشتركة ، وترتبط بالعالم العربي بروابط الثقافة والسعي للنهوض التنموي والحضاري ، وتلتزم بميثاق الأمم المتحدة وقراراتها وتحقيق السلم الدولي مع تمسكها بالعمل لإستعادة كافة أراضيها المحتلة والإستفادة من مواردها … ) ولتستكمل المبادرة ( يولي الإعلان أهمية خاصة للعمق الإستراتيجي العربي لسوريا ، ويسعى لاستعادة الدور السوري الإيجابي ، مع التمسك بأهمية التنوع القومي الداخلي ، بعيدا عن الدور التخريبي السائد في عهد البعث .. ) .. وتطرقت المبادرة  إلى الدين أيضا ( يشكل الإسلام عمودا أساسيا من أعمدة الهوية السورية والقبة الحضارية لسوريا ، ساهم باثراء المسار الحضاري الإنساني لها ، ومع بقية الشرائع  والمناهج القيمية ، والجمهورية السورية الاتحادية المنشودة جزء من العالم الإسلامي تتطلع إلى تعاون إيجابي وثيق مع الدول الإسلامية وكافة دول العالم وثقافاته،  ويتمسك شعبها برفض ثقافة الإرهاب والتطرف بكل أشكاله وممارساته … ) ولم تفت المبادرة مطلقا في ترسيخ وتجسيد مبدأ العدالة الانتقالية باعتبارها لا تتهاون مع المساءلة وتكبر ضرر الضحايا وتعترف بكرامتهم وتضمن تعويضهم،  وكذلك قضية مساواة المرأة والرجل على الصعيد العملي .. وختاما في هذه العجالة التعريفية ، سيكون مفيدا التأكيد بأنها قد لا تمثل سوى الحد الأدنى من طموحات الجميع ، بقدر ما هو إقرار الكل بالكل والسعي المنضبط على ارضية توافقية معيارها الوطنية السورية ترتقي بجميع مكوناتها إلى آفاق متكاملة ومتوافقة وكقاعدة تؤسس لوعي وطني ركيزته الأساسية المواطنة الشاملة والمتساوية. ..

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…

ماهين شيخاني مقدمة يواجه الشعب الكوردي في سوريا منذ عام 2011 تحولات سياسية وأمنية عميقة، أفرزت بيئة معقدة تتداخل فيها عوامل داخلية وخارجية. وفي ظل غياب تسوية سياسية شاملة، برزت ثلاثة أطراف رئيسية تركت أثراً مباشراً على مسار القضية الكوردية وعلى الاستقرار الاجتماعي والسياسي في مناطق توزع الكورد. هذا “الثالوث” يشمل الجماعات المتطرفة، والإدارة الذاتية، والمجلس الكوردي، وكلٌّ منها يمتلك…

حسن مجيد في الوضع الكوردي العام وبشكل خاص في إقليم كوردستان العراق كل أصناف المعارضة مرفوضة وخاصة المسلحة منها فالقيام بأعمال الشغب حتى لو لم تكن مرتبطة بأجندات إقليمية أو خارجية فقط يحق لك أن تعارض ضمن مجالات حرية الرأي والتعبير . إن النيل من المنجز بطرق غير شرعية وتخريبية تخدم المتربصين والذين لايريدون الخير للكورد . الواجب الوطني…