قراءة متأنية لاتفاقيتين سريعتين

أكرم الملا
لا تكاد سوريا تخرج من اتفاقية حتى تدخل في أُخرى جديدة، عشرات بل مئات القرارات الدولية وغير الدولية والثنائية والثلاثية صدرت منذ عام 2011، خلال أقل من أسبوع تم التوقيع على اتفاقيتين، الأولى «اتفاقية أنقرة» في الـ 17 من تشرين الأول بين أنقرة وواشنطن ، وأكدت على الانسحاب الأمريكي من سوريا وإقامة «منطقة آمنة» وانسحاب ” قسد “، مع أسلحتها، بعمق 32 كيلومتراً على امتداد الحدود مع تركيا.
أما الاتفاقية الثانية، فكانت في مدينة سوتشي التي جمعت أردوغان مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في الـ 22 من تشرين الأول، التي يرى الكثير من المحللين والمراقبين السياسيين أنها تكملة لاتفاقية الأميركان مع تركيا، لذلك يستنتج الكثيرون أن الدولتين العظميين متفقتان على ما جرى وما سيجري بالنسبة للوضع في سورية.
ووصف أردوغان الاتفاقية بالتاريخية، كما يراها ويفهمها، ولكن بدقة أكثر يمكن اعتبارها بداية نهاية الحرب، بعد الانسحاب الأميركي ضعف الدور الأوروبي وكذلك العربي، بقي ثلاثة أطراف تتمسك بالوضع على الأرض، وهي روسيا وتركيا والنظام السوري، من السخرية السياسية، أن القاسم المشترك بين الاتفاقيتين أنهما لا تحملان  توقيع الطرف السوري أو حتى البصمة، لكن الملفت هو وجود التوقيع التركي على كليهما. 
خلقت اتفاقية أنقرة مع الأمريكيين إضعافاً لـ ” قسد ” ومن ثم للوجود الكُردي في شرق الفرات بانسحاب مقاتليهم من المنطقة الحدودية، أما اتفاقية سوتشي، فقد أكملت على الجزء المتبقي من ” قسد “، وأسلحتهم، في المناطق التي يتواجدون فيها وتقع خارج «المنطقة الآمنة»، بذلك تكون (قسد) قد بدأت بالانحلال، وهذا يعني في السياسة أن يؤدي الى إنهاء تجربة «الإدارة الذاتية» في كوردستان سورية.
بعد تخلى الأميركان، وبعد الغزو التركي، تدخل القضية الكوردية في سورية ، مرحلة مريرة نتيجة أخطاء في الحسابات وفي تقدير موازين القوى، وبعد الوثوق الساذج في «الحليف» الأمريكي، والأنكى هو أن اتفاقية سوتشي فتحت الطريق أمام التواصل المباشر بين أنقرة ودمشق، مع الإشارة في النص إلى «اتفاقية أضنة»  1998، بذلك روسيا قدمت لتركيا مكاسب مهمة على أمل تغيير الموقف التركي من النظام السوري، عشية الاجتماعات المحتملة للجنة الدستورية.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

خالد بهلوي تحت شعار “وقف العنف والتهجير – العيش المشترك بسلام”، وبمبادرة من مجموعة نشطاء من الشابات والشباب الغيورين، شهدت مدينة إيسين الألمانية يوم 21 ديسمبر 2024 وقفة احتجاجية بارزة للتعبير عن رفض الاحتلال التركي والتهديدات والانتهاكات التي يتعرض لها الشعب الكردي المسالم. الحضور والمشاركة: حضر الفعالية أكثر من مائه شخصً من الأخوات والإخوة الكرد والألمان، إلى…

د. محمود عباس ستكثّف الولايات المتحدة وجودها العسكري في سوريا وستواصل دعمها لقوات سوريا الديمقراطية (قسد) والإدارة الذاتية. تدرك تركيا هذه المعادلة جيدًا، وتعلم أن أي إدارة أمريكية قادمة، حتى وإن كانت بقيادة دونالد ترامب، لن تتخلى عن الكورد، لذلك، جاء تصريح أردوغان بعد عودته من مصر، ووزير خارجيته من دمشق اليوم كجزء من مناورة سياسية تهدف إلى تضليل الرأي…

شادي حاجي المرء لا يذهب إلى طاولة المفاوضات وهو خالي الوفاض وإنما يذهب وهو متمكن وقادر والمفاوض يكشف أوراقه تدريجياً تبعاً لسير العملية التفاوضية فعند كل منعطف صعب وشاق يقدم المفاوض بطريقة أو بأخرى معلومة ولو صغيرة حول قدراته على إيقاع الأذى بالطرف الآخر من أجل أن يكون مقنعاً فعليه أن يسأل عن مقومات الندية والتي تتركز على مسألة القوة…

إبراهيم اليوسف منذ سقوط النظام المجرم في 8 كانون الأول 2024 وتحول السلطة إلى السيد أحمد الشرع، بات السوريون، سواء أكان ذلك في العاصمة دمشق أو المدن الكبرى والصغرى، يتطلعون إلى مرحلة جديدة يتخلصون فيها من الظلم والاستبداد. حيث سنوات طويلة من مكابدات المعذبين في سجون الطاغية الأسد وأبيه”1970-2024″ كانت كفيلة بتدمير أرواح مئات الآلاف. إذ إن بعض…