عبدالرحمن كلو
نعم ما يجري في بغداد الآن هو الصراع بين شيعة إيران وشيعة أمريكا، لكن علينا فهم أهداف إيران المرحلية بغض النظر عن المسافات الزمنية بينها وبين مشروعها الإمبراطوري العقائدي، فما يمكن رؤيته على الصعيد الكوردستاني هو أن الهدف الأساس لإيران والقائم بالمهمة “قاسم سليماني” ينحصر في إنهاء الكيان الكوردستاني سياسيا وعسكريا حيث يشكل الإقليم قوة أمريكية ضاربة من وجهة النظر الإيرانية، وربما يفكر منظرو الشيعة بأنه من الصعوبة بمكان السيطرة الكاملة على العراق من دون القضاء على هذا الكيان الفيدرالي الذي يتمتع بالكثير من عوامل القوة والنفوذ إذ يرتبط وجوده مع مصالح الولايات المتحدة والغرب الأوروبي،
لذا فالتغيير يجب وبالضرورة أن يبدأ من خلال تغيير الدستور وبالتالي تغيير نظام الحكم في بغداد من فيدرالي على أساس جغرافي مع إقليم كوردستان بصيغته الحالية إلى نظام فيدرالية المحافظات إداريًا، ومع صلاحيات واسعة للمحافظات لتمرير المشروع، وحتى هذه الصلاحيات ستكون مرهونة بمدى ولائها لسطلة بغداد فيما بعد، ولصعوبة التمرير في الجانب الكوردي، أرادت إيران أن يكون ذلك بالتحالف والتنسيق مع زمرة ١٦ أكتوبر الخيانية، وذلك بموجب اتفاق خطي بين بغداد وبين هذه المجموعة وضمانات إيرانية بخصوص مناطق نفوذ الإتحاد الوطني، ويبدو أن اللقاء الأخير الذي جمع سليماني والعامري مع برهم صالح وبافل ولاهور في بغداد، تم فيه الإتفاق على الخطة والتي تبدو أنها تذهب باتجاه إسقاط حكومة عبدالمهدي أولا ومن ثم التصعيد باتجاه تغيير الدستور لاحقًا.
والسؤال هل ستنجح إيران أو هل سينجح سليماني في هذا المسعى ؟
لا أعتقد أن الجواب سيكون بتلك السهولة من خلال العبارات والشعارات التمجيدية الجاهزة للإقليم، لأن للمشروع اكثر من جانب وجبهة لذا فلندع العواطف جانبًا ونقرأ في السياسة: فالولايات المتحدة الأمريكية هي في أسوأ حالاتها السياسية اليوم على صعيد مشروعها الشرق أوسطي، رغم كل محاولات المؤسسة الجمهورية على تدارك الموقف لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، وهي ستحاول تصحيح المسار حتى إذا ما اقتضى الأمر عزل الرئيس، لكن ليس في المنظور ما يضمن نجاحها، لأن الرئيس أساء للمشروع بما فيه الكفاية، والتصحيح يستدعي الكثير من الجهد والوقت، والأمر الثاني يكمن في حالة الوهن والضعف السياسي الذي يعاني منه الإقليم والذي يترافق مع ضعف الدور الأمريكي الداعم له، وخاصة فيما يتعلق بالعلاقة مع الجوارين الإيراني والتركي، ومن نتائج هذا الخلل في موازين القوى والذي نشاهده اليوم هو أرجحية النفوذ التركي في المعادلة السياسية الحالية لكوردستان سوريا تركيا ففي الجانب السياسي تعمل على سحب ملف كورد سوريا من يد إقليم كوردستان، وما نشاهده من تواجد للقوات الأمريكية في الشوارع رغم العمليات العسكرية والمعارك بين ” وتركيا” و ” قسد” تأتي في إطار الإشراف على العملية الجراحية التي تقوم بها تركيا نيابًة عنها لفصل الPKK عن ال PYD, ورغم أن أمريكا قطعًا لم تسمح لتركيا بالتجاوز على حدود مهامها، ولم تعطها الضوء الأخضر على تجاوزاتها، لكن من المؤكد أيضًا ان تركيا ستحاول تحقيق أكثر من هدف من خلال هذه العمليات والتنسيق مع إيران في عمل متكامل، وكل الأهداف التركية يمكن اختزالها بهدف واحد ووحيد وهو إنهاء القضية الكوردية في سوريا او على الأقل تغيير موازين القوى وسحب البساط من تحت أقدام الإقليم واستلام الملف عن طريق دوائرها الاستخباراتية، هذا بالتزامن مع مهام قاسم سليماني في بغداد، وهي لم تفشل حتى الآن وكل المؤشرات تقول إنها ستنجح إذا لم يستدرك الإقليم الخطورة القائمة والتي تستفحل يوما بعد آخر. وما يمكن رؤيته في الجانب السوري من القضية الكوردية، ان تركيا استطاعت سحب بعض أطراف البساط من تحت أقدام الإقليم وهي بصدد استلام الملف بشكل كامل، إذا من الصعوبة بمكان الإجابة على إمكانية نجاح أو فشل قاسم سليماني في مهامه، وتبقى المراهنة استثمار كامل الطاقة و القوى الذاتية للإقليم مع استبعاد كل أسباب الفشل السابقة والتي أوصلت بالحال إلى هذه المرحلة الخطيرة.