إبراهيم اليوسف
ثمة ما يدعو للبهجة. للتفاؤل. لأن نتنفس الصعداء. لأن نسترد الأنفاس. لأن نثق بالذات. بدورة الزمن. بنا، وسط حالة التوتر والترقب الكبيرين التي نعيشها -ككرد- وكأبناء المناطق التي نعيشها، مع شركائنا من أهلنا السوريين، على حد سواء، حيث لا أحد في منجى من سطوة الاحتلال، ومن بين ذلك حتى الموهوم بتعاونه معه، أو من يخيل إليه أنه خارج دائرة الاستهداف، بعد أن غدت مناطقنا ساحة للاحتلالات المتعددة، لدواع ما عاد الخوض في غمار الحديث عن أسبابها، ماعدا سبباً واحداً هو: النظام الدكتاتوري الذي هو وراء كل ما يتم من أجل كرسي الرئيس الكاريكاتيري الذي رأيناه قبل أيام قليلة، في حديث تلفزيوني وكأنه محرر البلاد لا سبب احتلالها،
وفي مقدم دواعي هذه البهجة والتفاؤل وتوابعها ما نجده من إيمان قوي لدى أبناء شعبنا في مقاومة المحتل، بكل ما لدنه، حتى وإن كان أعزل كما حالة ذلك الشاب الكردي ابن عامودا، بعد أن ترصد رتلاً من الآليات الحربية التركية تلوث تراب مهاده. مكانه الأبي، فما كان منه إلا أن رشق هذه الآليات بما توافر من حوله من حجارة، وعندما مرت إحدى الدبابات، ولم يجد أي حجر يشفي غليله، فما كان منه إلا أن خلع فردتي حذائه. خفيه الصيفيين، كما يبدوان، لتصيب إحدى الفردتين الدبابة ويتم التقاط مقطع فيديو للمشهد، من قبل من كان هناك، ليتم توزيعه، على نطاق واسع، و ليتم نشر الخبر في بعض الصحف ووسائل الإعلام العربية والدولية، كما جريدة الشرق الأوسط التي وصلتها تلك اللقطة، حيث الحذاء مستقر على مسند ضيق في أعلى الدبابة، بعد رمية من مستوى أفقي، كما يخيل إلي، وليبقى ذلك الشاب بفردة حذاء واحدة، ليعاجله بعض من كانوا هناك بحذاء مؤقت يعود خلاله إلى البيت..!!!
غير بعيد من المشهد مكاناً وزمناً، ظهرت على شبكات التواصل الاجتماعي لقطة أخرى لدبابة تركية وقد رفع أحدهم في قرية “بركفري” الرمزية بنضالها، والتي تبعد مسافة عشرين دقيقة عن المكان، فردتي حذائه في وجه الدبابة السريعة، المارة، وهولا بد أنه كان يتهيأ لرشقها بهما، أو رشقها، في ما بعد، إلا أن كل ماهو مهم هو ذلك الموقف الرمزي في مواجهة الاحتلال والذي يدل على سخط الكرد، المستهدفين من هذا الاحتلال التركي. من تلويث هذا المحتل ترابهم، بعد أن تطهروا منه بما يقارب قرناً من الزمن، وهي رسالة واضحة إلى تركيا. إلى أحرار العالم، وقبل كل ذلك إلى المترئس، بأخاديعه، في تركيا، وما محاولات الاحتلال إلا ” tirê ber felaqê ne* ” كما يقول المثل الكردي.
رمزية مواجهة الدبابة، بالأحذية، من قبل ابني الدرباسية وعامودا- الآن، ولا أدري هل أن ابن الدرباسية رماها بفردتي حذائه المتأهبتين للرمي، أم لا؟، ولكن رفعهما كاف ليكون تحدياً ورسالة للعالم، بأن الكرد لا يستقبلون المحتل بالورود، ولا برفع علمه، بل ربما أن هناك عشرات المشاهد المماثلة، غير المصورة، وما هاتان الحالتان: حالة ابن بركفري التي تحتضن ضريح السياسي الكردي الراحل عثمان صبري- آبو- وعدداً كبيراً من الشباب الكردي البطل الذي قاوم الإرهاب لأجل وجود شعبه، ومستقبل شعبه، فحسب!
فردتا حذاء ابن الدرباسية. فردة حذاء ابن عاموداً، لابد َّ من الاحتفاظ بها. بصورها الدلالية. بالفيديوهات التي تبين مشاهد المقاومة. مقاومة الكردي الأعزل إلا من إرادته. إنها من أدوات المقاومة لأبناء مكان. شعب، تدور المخططات لأجل استهداف وجوده، وسيظل الحديث عنها، على مرور الأجيال، كلما تم استذكار هذه المخططات العدوانية ضد وجود شعبنا والتي يمكننا الافتخار بها، لاسيما في وجوه بعض العابرين الذين نعتوا الكرد بأنهم “البويجية” بالرغم من أن لاذكر لآباء هؤلاء من دون الإشارة إلى بطولات الكرد في التاريخ القريب، قبل البعيد، ومنهم: إبراهيم هنانو- ابن إدلب- وسواه من كوكبة واجهوا الانتداب الفرنسي، كامتداد للانتصارات العظمى لصلاح الدين الأيوبي الذي حافظ على أبرز ما يتباهى به أعداء أحفاده، أعداء العيش المشترك. اعداء أخوة الكردي والعربي والسوري وبات جد سهل أن يتم رشق وجوه هؤلاء -الحثالات- بفردة حذاء الكردي، هذه الفردة التي يمكن جمعها بصورة رمزية لبعض رافعي العلم التركي- وهم ممثلو هؤلاء الحثالات ولا يمثلون نبض أشراف سوريا- في لوحة واحدة، وإبرازها امام نواظر المتكالبين ضد الكردي، ضد وجوده. ضد عيشه المشترك في سورياه، وسوريا أهله. أهل المكان أجمعين.!
*”ضرطات” ماقبل عقوبة “الفلقة” وهذه العقوبة كانت تطلق على من يتم عقابه ب الضرب عبر أسلوب جلده، بعد تثبيت قدميه، على كرسي ثابت، بعد خلع فردتي حذائه وجواربه، وجلد أسفل قدميه، وهو أسلوب قديم متبع. استخدمه العثمانيون خلال عقوبات ترهيبية، لا ترتقي إلى مستوى عقوبة الخازوق، وللأسف، فقد كان كثيرون من المعلمين يتبعونها في مدارسنا، لاسيميا في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي.