شاهين أحمد
” من أجل تحقيق مطالب الشعب السوري المشروعة ، ولإدراكهم أن التاريخ لن يعود إلى الوراء ، فإن القائمين على هذا الإعلان يرون أن مهمة الثورة السورية اليوم إنما هي إعادة إنتاج الدولة السورية والمحافظة على وحدة أراضيها واستعادة سيادتها وإنقاذ شعبها من المعتقلات واللجوء القسري وتخليصها من براثن الاحتلالات السافرة والمقنعة ، وهي مهمة تدفع بالثورة إلى مرحلة جديدة ، من أجل مستقبل سوريا المنشود وعدم التضحية بدماء شهدائها، وذلك عبر إقامة نظام مدني ديمقراطي لجميع مواطنيها عرباً وكورداً وتركماناً وسرياناً آشوريين وقفقاسيين … وبناء دولة حديثة تحت نظام اللامركزية ، دولة اتحادية تتكون من أقاليم مرتبطة بالسلطة المركزية ذات السيادة…… دولة متعددة القوميات والاثنيات والمذاهب على مسافة واحدة من جميع الأديان …السيادة فيها للشعب ، تقوم على التعددية السياسية والتشاركية بين جميع المكونات والتداول السلمي للسلطة ومبدأ المواطنة وسيادة القانون …” .
المقطع أعلاه هو جزء من مقدمة الإعلان عن مبادرة من أجل جمهورية سورية اتحادية ، حيث قامت نخبة ضمت أسماء كبيرة ولامعة من النخب السياسية والأكاديمية والعلمية والاقتصادية السورية ومن مختلف الأطياف والمكونات بصياغة هذه المبادرة التي تعتبر أول ورقة من نوعها في مجال كسر حاجز الخوف باتجاه الخوض في أكثر المواضيع إشكالية لجهة شكل الدولة السورية ونظام الحكم فيها ، وخاصة في هذه المرحلة التي يجري فيها حراك بشأن كتابة الدستور الجديد بعد أن تم التوافق على أسماء اللجنة الدستورية المكونة من 150 شخصاً . تعتبر هذه المبادرة خطوة هامة ومتقدمة كونها صادرة من نخب سورية متنوعة لجهة الانتماء الديني وكذلك القومي ، وتشكل أرضية جيدة للبناء عليها وخاصة أن هناك عشرات الأسماء التي تمتلك المكانة والإمكانيات والتي انضمت إلى هذه المبادرة . والملفت أن المبادرة تتطرق بكل جرأة إلى المكونات الدينية والقومية والمذهبية بكل وضوح ، وكذلك إلى المساواة التامة بين جميع المواطنين ، ومرعاة خصوصيات هذه المكونات وصيانة هذه الخصوصيات . وأهمية وموضوعية المبادرة تنعكس من خلال صياغتها حيث القائمين على صياغة المبادرة جميعهم من المتابعين والمهتمين والمنخرطين في العمل المدني والسياسي والميداني من أجل تحقيق المشروع الوطني السوري التغيري الشامل وإقامة البديل الديمقراطي والدولة الاتحادية . وكون القائمين على المبادرة هم ممن عاشوا مراحل الثورة ، وعاصروا حقبة البعث ، ودفعوا ثمن أفكارهم ومواقفهم ، وتعرفوا عن قرب على مساوىء النظام الاستبدادي الدكتاتوري الشمولي وكذلك مشاكل الدولة المركزية ومساوئها ، لذلك نلاحظ بكل وضوح أن المبادرة أتت بعد تجربة عملية ، وخبرة ميدانية ، ودراسة علمية للواقع والتركيبة السورية ، وكذلك تاريخ سوريا ، والاتفاقيات الدولية التي أنتجت سوريا بحدودها السياسية والإدارية الحالية. وكذلك ماتشهد سوريا من تدخلات واحتلالات من لاعبين اقليميين ودوليين ، وتحول سوريا إلى ساحة صراع مفتوح تجري فيها حروب عدة بين أكثر من طرف وجهة ، كما تحولت إلى أخطر بؤرة للإرهابيين والمشاريع المعولمة العابرة للحدود ، والتي كانت نتيجتها نزوح أكثر من نصف الشعب السوري من دياره . والنقطة الهامة الأخرى أن المبادرة أتت بعد أن فشلت المشاريع والمنصات العديدة في صياغة مشروع وطني سوري جامع يأخذ بعين الاعتبار وجود وحقوق كافة المكونات القومية والدينية والمذهبية للشعب السوري .
والمبادرة تشكل محاولة جريئة لطرح جملة مبادىء على الرأي العام والمهتمين من أبناء الشعب السوري المكلوم والمعني أولاً وأخيراً بهذه المبادرة التي تحاول ان ترسم مستقبلاً مختلفاً تماماً عن حقبة البعث ، وتشكل – المبادرة – خلاصة دراسات وأبحاث معمقة من قبل مختلف النخب السورية لتشكل الأرضية والأساس لصياغة المشروع الوطني السوري . والنقطة الملفتة والتي قد يعتبرها البعض أنها سابقة نظرية إلى حد بعيد في مجال المشاريع الوطنية هي دعوة المبادرة إلى الإعلان عن جمهورية سوريا الاتحادية حتى قبل سقوط نظام البعث ، وذلك من أية بقعة محررة وحمايتها ، وبموجب إعلان دستوري مؤقت ، وتوسيع نطاقها وصولاً إلى كامل الأراضي السورية . وتقوم أساس المبادرة على تقسيم سوريا إدارياً إلى عدة أقاليم ، ترتبط بالعاصمة من خلال ضوابط دستورية ، ويتم توزيع السلطة والثروة وفق آليات تتناسب ومختلف المواقع الجغرافية والسكانية وكذلك الحاجات الاستثنائية جراء الغبن الذي لحق ببعض الأقاليم ، وتعويض المتضررين جراء سياسات نظام البعث ، وتحدد المبادرة مدينة ادلب كـ عاصمة مؤقتة لجمهورية سورية الاتحادية بعد أن يتم إبعاد القوى الإرهابية عنها سواءً المصنفة أو غير المصنفة بموجب لوائح الأمم المتحدة ، وتسليم الإدارات فيها إلى مؤسسات مدنية مختصة ، ويتم تعين مجلس شيوخ من ” 99 + 1 ” سورياً وسوريةً من الذين لم تتلطخ أياديهم بدماء السوريين، من أصحاب الكفاءات ومن مختلف الأطياف السورية ، ومن أصحاب السمعة والتاريخ النضالي للإشراف على المرحلة الانتقالية ، ويقوم المجلس بمراقبة عمل الحكومة الاتحادية التي سيتم تشكيلها من ممثلي مختلف الأقاليم ، ويحل المجلس نفسه بعد إجراء أول انتخابات برلمانية . وتقوم الحكومة المشكلة من ممثلي الأقاليم بتشكيل مختلف الوزارات من أصحاب الاختصاصات ، وكذلك تقوم بإلغاء الفصائلية وتأسيس جيش وطني وشرطة اتحادية وحصر السلاح بيد الدولة الاتحادية من خلال الدفاع والداخلية، وتعتمد الدولة الاتحادية علم الاستقلال ذي الثلاث نجمات ( علم الثورة السورية ) رمزاً للدولة حتى يتم اختيار علم جديد من خلال استفتاء شعبي ، وتؤكد المبادرة على التعامل الإيجابي مع المحيطين العربي والإسلامي ، وإقامة العلاقات مع الجوار على أساس الاحترام المتبادل وعدم التدخل في الشؤون الداخلية . كما تولي المبادرة أهمية خاصة للمرأة وضرورة مشاركتها في مختلف مفاصل الحياة السياسية والإدارية وغيرها ، وبنسبة لاتقل عن الـ 30 بالمائة ، كما تؤكد المبادرة على مبدأ المسائلة والعدالة الانتقالية لمحاكمة كل من تلطخت أياديهم بدماء السوريين بغض النظر عن هويته وانتمائه ، وذلك إنصافاً لذوي الضحايا وتعويضهم . كما تحض الوثيقة الفكرية النخب الفكرية والسياسية والثقافية والعلمية السورية إلى تحمل مسؤولياتها تجاه الوضع المزري والمشهد السوري الذي بات يتعقد يوماً بعد آخر جراء التداخل في الأجندات الاقليمية والدولية في الميدان السوري ، ولا تخلو الوثيقة من توجيه اللوم والنقد إلى النخب المذكورة ، وتحميلها جزء من مسؤولية تعقيدات المشهد ، وحثها على ضرورة إجراء مراجعة نقدية شاملة للمشهد السوري ، وتشخيص اللوحة السورية ، والتحرك نحو المستقبل من خلال مسارات مختلفة تأخذ بعين الاعتبار الأمراض التي انتشرت في أوساط السوريين ، وضرورة التخلص من الانطوائية والانعزالية ، وإعلان القطيعة مع المشاريع الوهمية الفوق وطنية ، والسير وفق رؤية واقعية تأخذ بعين الاعتبار اللوحة السورية كما هي ، وعدم الاستسلام للواقع المزري والمشهد المأساوي الذي وصلت إليه الامور في بلدنا . وتشير وتعتمد المبادرة على جملة محددات موجودة في الواقع السوري منها انهيار السلطة المركزية ، حيث هناك اليوم عدة كيانات و إدارات منفصلة تدير كل واحدة منها مناطق ومساحات من سوريا ، ولكل واحدة من هذه الإدارات سلطاتها ومحاكمها ونظامها التربوي والتعلمي وكذلك الأمني والخدمي المختلف والمنفصل تماماً عن المركز ( دمشق ) . بمعنى آخر أن سوريا كدولة معروفة بحدودها الإدارية و السياسية لم تعد موجودة . وكل إدارة من الإدارات المنفصلة لاتعترف بالمركز . والمحدد الآخر الذي لايقل خطورة عن انهيار السطة السياسية هو المحدد الاقتصادي ، حيث نلاحظ انهيار لوحدة السوق الاقتصادية . والمحدد الأخطر في هذا الموضوع هو الشروخ الاجتماعية بين المكونات السورية المختلفة ، سواءً القومية منها أو الدينية والمذهبية ، مما يفرض على القائمين على هذا المشروع تحدياً كبيراً يتعلق بإعادة بناء الإنسان السوري أولاً ، وخاصة في بلد تحول إلى مكب للنفايات البشرية الوافدة من مختلف أصقاع الأرض . وتتضمن الوثيقة الفكرية أيضاً تشخيصاً موضوعياً لنفسية وشخصية الإنسان السوري جراء تعرضه لشتى أنواع الظلم والإضطهاد في ظل نظام البعث وحكوماته الاستبدادية والعنصرية .
ومن الأهمية بمكان الإشارة إلى أن هناك جملة مبادىء اقتصادية تشكل وثيقة مرفقة بالمبادرة كي يتضمنها الدستور الجديد لجمهورية سوريا الاتحادية . بقراءة أولية لماورد في إعلان المبادرة من أجل حمهورية سوريا الاتحادية ، نلاحظ أن المبادرة برمتها ، وبمختلف جوانبها السياسية والفكرية والاقتصادية ….إلخ ،هي خطوة نظرية متقدمة على كل ماسبقها من مسودات مشاريع نظرية ، وتبقى – المبادرة – عبارة عن مسودة مبادىء أولية مطروحة على النخب السورية لإغناءها والانضمام إليها ، والعمل من أجل شرحها وتطويرها وصولاً إلى تطبيقها في سوريا . ولايمكن القيام بكل ماذكر دون القطيعة التامة مع البنى الفكرية والايديولوجية لمنظومة البعث العنصري ، وكذلك اجتثاث جذور الفكر الجهادي المتطرف ، والمنظومات الراديكالية وهياكلها، و دون توفر الإرادة الحرة والقرار الوطني السوري المستقل .