التخلّي عن فرضية التفرد الكردي. مقابلة مع حميد بوزارسلان « 1/ 4 »

النقل عن الفرنسية مع التقديم: إبراهيم محمود
 
Rompre avec l’hypothèse d’une singularité kurde. Entretien avec Hamit Bozarslan
تقديم:
يعتبر حميد بوزأسلان، من بين أهم المؤرخين والمفكرين السياسيين الكرد، ممن يكتبون بلغات أجنبية ” أوربية : بالفرنسية هنا ” وربما في صدارتهم. فهو كردي أباً عن جد، من ” كردستان الشمالية ” ومن مواليد 1958، وابن الكاتب الكردي المعروف محمد أمين بوزأرسلان. يُعرَف حميد بوزأرسلان بغزارة نتاجه التاريخي والبحثي السياسي، في المنطقة عموماً، وتركيا خصوصاً، وما يخص موقع الكرد في كل ذلك بشكل أخص، حيث نشر كماً وافراً من المؤلفات الفردية والمشتركة، وأسهم في عشرات الندوات والمؤتمرات واللقاءات التلفزيونية وغيرها.
وهذا الحوار الفرنسي- الباريسي، وإن يؤرَّخ في 15 حزيران 2006، إلا أن أهميته مضاعفة، جهة التعرف عليه: نشأة وتعليماً، وجِهة رؤيته الفكرية والسياسية لتاريخنا المعاصر، وموقع الكرد والقضية الكردية في كل ذلك، إلى جانب أن هذا الحوار يشكّل ما يشبه بانوراما حية وثرية عن هذه الشخصية الكردية اللامعة بلغاة أجبية ” فرنسية خاصة “، وموقعها في الساحة الثقافية الأوربية، وما يمكن أن يستفاد منها، في ضوء المصرَّح به على لسانه، على أكثر من صعيد، ونظراً لطول الحوار النسبي، كان تقسيمة إلى أربع حلقات، للتفاعل معه بصورة أفضل، وهو منقول عن موقع journals.openedition.org 
 
” أجرى المقابلة كليمنس سكالبرت ، معهد الدراسات – باريس”
EJTS: كيف باشرت العمل على القضية الكردية؟ فنحن نعلم أنك كرديُّ الأصل ، وأنك ، من قبل والدك ، ملتزم engagée. كيف كان الانتقال من نطاق مصلحة شخصية ، إلى إطار مصلحة علمية؟ 
HB: أعتقد أن هناك بالفعل هذا الماضي العائلي الذي ، على الرغم من كل شيء ، هيَّأني قليلاً على السؤال. سوى أن الأمر لم يكن بهذه البساطة ، لأنه عندما انشغلتُ بشهادة من مدرسة الدراسات العليا للعلوم الاجتماعية عام 1984 ، مع روبرت باريس ، كانت رغبتي العملية أن أعمل في الحركة اليسارية في تركيا. وقد قدَّر أن الموضوع لم يكن مجديًا حقًا ، لذا طلب مني لاحقًا تغييره واعتماد موضوع تاريخي على حد سواء ، والذي ، في رأيه ، كما أرى أنه كان على صواب ، على الأقل وقتذاك ، لم يتم استكشافه كثيرًا: لقد كانت المسألة الكردية في عشرينيات القرن الماضي وثلاثينياته في تركيا. ولأكثر من سبب كان روبرت باريس منشغلاً، بتركيا. حيث  أقام هناك كذلك ، لذا فإن المسألة الكردية والثورات الكردية في عشرينيات القرن الماضي وثلاثينياته لفتت نظره. ومن هنا ، وبناءً على طلبه ، باشرت العمل على المسألة الكردية. لهذا فإن المشروع الذي كان في حوزتي في البداية لم يتناول القضية الكردية كلياً. ولم أستبعد ذلك من وجهة نظر بحثية ، سوى أن ذلك لم يكن شاغلي الرئيس على الإطلاق. ومن هناك جاء كل شيء.. لاحقاً ، بدأ انشغالي كذلك  بمواضيع أخرى إلى جانب: الفكر السياسي في ذلك الوقت الذي انتهى فيه العثماني واستمر في الوقت نفسه في العمل على المسألة الكردية ، وهذه المرة ليست في إطار تركيا في عشرينيات وثلاثينيات القرن العشرين ، وإنما في سياق أكثر عمومية كانت هذه هي الطريقة التي ظهر بها السؤال الكردي بتداعياته المتعددة في الثمانينيات والتسعينيات ، ولا يُنسى دور بعض الباحثين ممَّن دربوني ، وقد عملت معهم ، بما في ذلك ريمي ليفو وإليزابيث بيكارد ، وهو دور محوري أيضًا.
EJTS: نعم ، لذلك لا يمكننا أن نقول أن دور والدك كان حاسماً، أو ربما لا أعرف ما إذا كان يمكننا التحدث عن دور العنف السياسي في 1970  في تركيا؟
HB: نعم ، نعم.
EJTS: وكنت لا تزال في تركيا؟
HB: وكنت لا أزال في تركيا. وإنما ، في مرحلة ما ، وأنا أدرُس في فرنسا ، وجدت نفسي إزاء مجموعة  عوامل، ومن الصعب للغاية معرفة ما هو العنصر الحاسم الذي دفعني إلى هذا الجانب. جانب البحث. على أي حال ، في الثمانينيات ، كان من الواضح للغاية أن القضية الكردية أصبحت مركزية للغاية في العراق، إبان الحرب الإيرانية – العراقية. ويجب أن نذكر بالمقابل عواقب الثورة الإيرانية والعنف السياسي في تركيا في سبعينيات القرن العشرين ، وكذلك الانقلاب. وكانت هذه العناصر موجودة ، لكنني لست متأكدًا من أن كل هذا أوجد رابطًا سببيًا.
EJTS: وفي واقع التعليم العالي الخاص بك نشطتَ…
HB: في فرنسا ، تحديداً. فقد وصلت إلى فرنسا في عام 1982 (بعد مضيّ ثلاث سنوات ونصف في السويد) ، ثم أضف عاماً من التدريب اللغوي في فيشي وبوردو ، وحصلت على DEUG في Jussieu ، ثم حصلت على دبلوم في EHESS بين 1984 و 1986.
EJTS: وكنت في المدرسة الثانوية في تركيا؟
HB: نعم، كنت في المدرسة الثانوية في تركيا. في اسطنبول.
EJTS: وهكذا تشعر أيضاً ، داخل المدرسة الثانوية ، …
HB: لا. دعنا نقول أنه في المدرسة الثانوية ، وخاصة في استنبول – في ديار بكر ، كان الوضع مختلفًا للغاية ، بالتأكيد – فقد كان الانقسام الرئيس في ذلك الوقت بين طلاب اليمين واليسار. وتم تقاسم استنبول نفسها بطريقة ما من خلال هذا التقاسم. ووجدت هناك حركة كردية بالفعل، سوى أنها بحكم التعريف كانت على الجانب الأيسر. بينما كان الوضع في ديار بكر مغايراً للغاية. كانت القومية الكردية والمنظمات الكردية هي التي أنتجت سياسة كردية، وقد مكَّنت نفسها بالفعل بالكامل فيما يتعلق باليسار التركي. لكن في استنبول ، لم يكن الوضع هكذا تماماً . 
EJTS: عندما بدأت تنشغل بالموضوع ثم عملتَ في الجامعة ، كيف كانت قراءاتك على السؤال أم لا؟ كيف يمكن لها أن تؤثر على عملك ، وتوجهاته ؟ 
HB: أولاً ، دعونا نلقي نظرة على هذه المرحلة لأننا في عام 1984. ما نسميه “المكتبة الكردية bibliothèque kurde’ ” تم تخفيضه إلى عشرات الكتب باللغة التركية وعشرات الكتب في اللغات الأوروبية الرئيسية الثلاث. كان هناك الكثير من المقالات لكنها المنشورة في المجلات العسكرية. في الوقت نفسه ، كان السؤال الكردي يفرض نفسه بعمق. في عام1984 ، نحن في خضم الحرب العراقية – الإيرانية ، وهي بداية حرب مقاتلي حزب العمال الكردستاني. لتجري الكثير من الأحداث ، في الشتات أيضًا. وهذه هي سنة ولادة المعهد الكردي. إنما ، على عكس هذه الأحداث ، كانت الأدبيات صغيرة للغاية. وخاصة في عشرينيات وثلاثينيات القرن العشرين ، لم يكن هناك شيء عمليًا. من ناحية أخرى ، هناك كتاب جيد حقًا لكريس كوتشيرا (1979) ظهر ، كما أعتقد ، في عام 1979 وسدَّ فراغًا ؛ وهكذا شأن الكتاب الذي نشره جيرار شاليان (1978) في عام 1978 بالمقابل. كانت هذه الكتب تملأ الفراغ ، ولكن بالنسبة للباقي ، كان من بد من الانغماس في الأرشيف ، كان من الضروري التركيز على الصحافة. كان من الضروري ترك صورة رومانسية إلى حد ما عن المسألة الكردية ، عن المقاومة الكردية ، وذلك لمعرفة ما وراء القومية هذه: كيف يمكن أن يكون الخطاب القومي ممكنًا في أعوام 1920-1930 ، كيف يمكن تشكيل نخبة ، إلى أي مدى كانت هذه النخبة مميزة أو مشابهة للنخبة الكمالية ، كما تطرح مسألة القبائل والإخوان ، وتحديداً لهذه المرحلة. كحصيلة لهذه التحقيقات توصلت إلى نتيجة مفادها أنه لم تكن هناك مقاومة كردية سوى اثنتين. جهة يمكن تسميتها بالريف – أعتقد أنه يجب علينا اليوم مراجعة مصطلح “ريفي rural’” و “تقليدي traditionnel’ ” – والذي وفَّر الجزء الأكبر من المقاومة الكردية ، قوتها البشرية والمسلحة. لكن المقاومة لم تكن في البداية قومية Mais une résistance qui n’était absolument pas nationaliste au début ، والتي ربما أصبحت شيئًا فشيئًا ، ولكنها كانت في البداية مقاومة ضد الدولة ، ليس لأن الدولة كانت تركية،إنما لأن الدولة كانت دولة. بينما ، على العكس من ذلك ، كانت هناك مقاومة ثانية ، هذه المرة من المثقفين الغربيين ، القادرين على إنتاج خطاب وطني ، والقتال ضد الدولة ليس لأنها كانت دولة parce que l’État était État ، ولكن كون الدولة كانت تركية. لذا ، في محاولة لرؤية – واستغرق هذا الأمر زمناً طويلاً – كيف ، في لحظة معينة ، سمح تقارب هذين التيارين ، لهذين العاملين ، للحركة القومية برؤية ضوء النهار. 
EJTS: وهذا هو العمل الذي كان مبتكراً حقاً وقتذاك ؟ 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

خليل مصطفى مِنْ أقوال الشيخ الدكتور أحمد عبده عوض (أُستاذ جامعي وداعية إسلامي): ( الطَّلَبُ يحتاجُ إلى طَالِب ، والطَّالِبُ يحتاجُ إلى إرادة قادرة على تحقيق حاجات كثيرة ). مقدمة: 1 ــ لا يختلف عاقلان على أن شعوب الأُمَّة السُّورية قد لاقت من حكام دولتهم (طيلة 70 عاماً الماضية) من مرارات الظلم والجور والتَّعسف والحرمان، ما لم تتلقاه شعوب أية…

أحمد خليف الشباب السوري اليوم يحمل على عاتقه مسؤولية بناء المستقبل، بعد أن أصبح الوطن على أعتاب مرحلة جديدة من التغيير والإصلاح. جيل الثورة، الذي واجه تحديات الحرب وتحمل أعباءها، ليس مجرد شاهد على الأحداث، بل هو شريك أساسي في صنع هذا المستقبل، سواء في السياسة أو في الاقتصاد. الحكومة الجديدة، التي تسعى جاهدة لفتح أبواب التغيير وإعادة بناء الوطن…

إبراهيم اليوسف إنَّ إشكالية العقل الأحادي تكمن في تجزئته للحقائق، وتعامله بانتقائية تخدم مصالحه الضيقة، متجاهلاً التعقيدات التي تصوغ واقع الشعوب. هذه الإشكالية تطفو على السطح بجلاء في الموقف من الكرد، حيث يُطلب من الكرد السوريين إدانة حزب العمال الكردستاني (ب ك ك) وكأنهم هم من جاؤوا به، أو أنهم هم من تبنوه بإجماع مطلق. الحقيقة أن “ب ك ك”…

شيروان شاهين سوريا، الدولة ذات ال 104 أعوام البلد الذي كان يومًا حلمًا للفكر العلماني والليبرالي، أصبح اليوم ملعبًا للمحتلين من كل حدب وصوب، من إيران إلى تركيا، مرورًا بكل تنظيم إرهابي يمكن أن يخطر على البال. فبشار الأسد، الذي صدع رؤوسنا بعروبته الزائفة، لم يكتفِ بتحويل بلاده إلى جسر عبور للنفوذ الإيراني، بل سلمها بكل طيبة خاطر…