بين الطفليْن آلان ومحمَّد الكرديين

 إبراهيم محمود
ماالذي يربط بين هاتين الصورتين ؟ ثمة الكثير، والدال على هستيريا العدو” النظام التركي نموذجاً ” وكيفية نسْجه للأكاذيب، بحجج شتى. الطفل آلان ” ابن 3 سنوات ” الذي عثِر عليه غريقاً في 2 أيلول 2015، على شاطيء بحر إيجه التركي، وقد تاجر الإعلام التركي بمأساته كثيراً حتى باسمه ” آيلان ” وعلى أعلى مستوى ” أردوغان نفسه انشغل به، واستقبل أبوه “. وانشغلت به الصحافة الأوربية ” قريباً سيصدر لي كتاب عن مركز بيشكجي- جامعة دهوك، باسم: تسويق البراءة في اللعبة الإعلامية، أتناول خلفية هذا الحدث “. 
والطفل محمد ” ابن 13 سنة ” الذي تهيأ للدخول في عالم الصبا، سوى أن الفوسفور المطعَّم بهمجية أردوغان ، لم يمنحه فرصة التمتع بهذه المرحلة العمرية، حين ألبِسَ جسمه، كما هو في الصورة، بما يغيّر في مظهره، والبكاء الصارخ يعادل الهمجية الصارخة أردوغانياً. بكاء أكثر من بكاء، بكاء صرخة الطفولة المرصودة من جهة أعدائها، وخصوصاً إذا كانت كردية، صرخة إدانة، وتشهير بهذه العدوانية السافرة، وحيث يبرز الجسم في وضعية تصلب وانشداد، واليدان في وضعية التأكيد على هذا الإيلام الفوسفوري، والانحناءة النسبية للجسم إلى الأمام، تعبير آخر عن هذا المشهد الذي يصعب النظر فيه طويلاً، ورغبة في البقاء. ابن رأسْعيني” سري كانيه: حيث استحالت دماء مسفوحة، هذا الطفل- الصبي المنكوب، جيء به، منذ ” 19-10/ 2019 ” حسبما أتذكر إلى إقليم كردستان، واستقطب المشهد العالم أجمع، كما لو أنه لوحة حية: فنية، وفي صدارة الصحف العالمية، وعبر وسائل التواصل الاجتماعي، ونشرات الأخبار هنا وهناك. الأمر الذي تحفّزت له الجهات الأمنية- العسكرية التركية، كعادتها، لترد على المشهد، بأنه مفتعل، كما لو أن محمد وهمي، وأن الذين قتِلوا في روجآفا وهميون، وأن الذين سويت بيوتهم بالأرض وهميون، وأن الذين أسيئت معاملتهم، وأي معاملة على أيدي جلاوزة أردوغان وإرهابييه عرباً وغير عرب، وباسم ” الجيش الحر ” هم وهميون بدورهم، كعادة كل متغطرس حين يجعل من الضحية عينها جلاداً .
وقد أحسن الإقليم، وبتوجيه من الرئيس مسعود، حين اهتم بأمره، وبمزيد من السرّية، لئلا يحدث له مكروه، أكثر مما تعرض له ” أن يتم اختطافه من قبل عملاء أردوغان ورجالاته، وقد استشعروا خطراً عليهم “، لئلا تتم محاكمة الفاعلين بأمر أردوغاني، وهو الآن يعالَج في فرنسا، لا بل تجري فحوصات عليه، للتأكد من نوعية هذه الحروق .
أقول: بين الطفلين علاقة واحدة، ليس لأنهما كرديان جاران في الأصل: آلان من كوباني أصلاً، ومحمد من سري كانيه، وإنما لأن مأساتهما واحدة وهي مركَّبة. فغرق آلان لا يعفى من مسئولية مافيا التهريب التركية بطبعتها الأردوغانية، وكيفية ابتزاز مشاعر الناس إعلامياً، وما في ذلك من محاولة تعزيز لبعد إنساني مزيف تجاهها في النفوس، وحروق جسم محمد، هي بدورها، تعبير صريح للسلوك المريع لجيش أردوغان وأتباعه: شراذمته، وتعرية لهذه الأخلاق السافرة، وأرى أن هذه الصورة سوف تكون محط اهتمامات الكثير من رجالات الأدب والفن والسياسة والفكر، وتداعياتها تالياً في الغرب طبعاً، وهي صورة تذكّرنا بلوحة ” الصرخة ” الفنية للفنان النرويجي إدفار مونش، والتي رسمها سنة 1892، أرفقتُها بالمقال، للنظر فيها، وهي إدانة مرعبة للحرب بكل أشكالها، وقد تشوهت من الخارج، حتى بتنا لا نعرف من يكون هذا الصارخ- المسترخ، في جنسه: ذكراً أم أنثى، على وقع فظاعة الحرب وضروبها. ولعلي على يقين، أن التأثير الرهيب لجسم محمد وهو محروق بطريقة غير مألوفة، والمعادلة لصرخته القياماتية، أبلغ في إيصال المعنى إلى من يمتلك قلباً، ويشغله عقل، فلا يعود قلبه كما كان، ولا عقله كما كان، بعد المشاهدة، ومنذ النظرة الأولى .
أأبالغ، إن قلت، أن في جسم محمد، في وجهه، في صرخته، صرخة عشرات الملايين من كرده، وهم يستصرخون ما يُسمى بـ ” ضمير العالم ” وصوت: إلى متى سنحرَق، ونشوَّه، ونكون فرجة لكم يا عالم ؟!
 
صورةالصرخةلإدفاردمونش
لوحة” الصرخة ” للفنان النرويجي إدفار مونش- 1892 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

خالد بهلوي تحت شعار “وقف العنف والتهجير – العيش المشترك بسلام”، وبمبادرة من مجموعة نشطاء من الشابات والشباب الغيورين، شهدت مدينة إيسين الألمانية يوم 21 ديسمبر 2024 وقفة احتجاجية بارزة للتعبير عن رفض الاحتلال التركي والتهديدات والانتهاكات التي يتعرض لها الشعب الكردي المسالم. الحضور والمشاركة: حضر الفعالية أكثر من مائه شخصً من الأخوات والإخوة الكرد والألمان، إلى…

د. محمود عباس ستكثّف الولايات المتحدة وجودها العسكري في سوريا وستواصل دعمها لقوات سوريا الديمقراطية (قسد) والإدارة الذاتية. تدرك تركيا هذه المعادلة جيدًا، وتعلم أن أي إدارة أمريكية قادمة، حتى وإن كانت بقيادة دونالد ترامب، لن تتخلى عن الكورد، لذلك، جاء تصريح أردوغان بعد عودته من مصر، ووزير خارجيته من دمشق اليوم كجزء من مناورة سياسية تهدف إلى تضليل الرأي…

شادي حاجي المرء لا يذهب إلى طاولة المفاوضات وهو خالي الوفاض وإنما يذهب وهو متمكن وقادر والمفاوض يكشف أوراقه تدريجياً تبعاً لسير العملية التفاوضية فعند كل منعطف صعب وشاق يقدم المفاوض بطريقة أو بأخرى معلومة ولو صغيرة حول قدراته على إيقاع الأذى بالطرف الآخر من أجل أن يكون مقنعاً فعليه أن يسأل عن مقومات الندية والتي تتركز على مسألة القوة…

إبراهيم اليوسف منذ سقوط النظام المجرم في 8 كانون الأول 2024 وتحول السلطة إلى السيد أحمد الشرع، بات السوريون، سواء أكان ذلك في العاصمة دمشق أو المدن الكبرى والصغرى، يتطلعون إلى مرحلة جديدة يتخلصون فيها من الظلم والاستبداد. حيث سنوات طويلة من مكابدات المعذبين في سجون الطاغية الأسد وأبيه”1970-2024″ كانت كفيلة بتدمير أرواح مئات الآلاف. إذ إن بعض…