جلد الذات (2)

تجمع الملاحظين
كتب الدكتور القدير الأستاذ محمود عباس، مقالا قيما يرد فيه على تجمع الملاحظين بخصوص توعية الذات، في هذه اللحظة بعينها، قائلا:
“دول ومنظمات وشخصيات مهمة في العالم تقف اليوم إلى جانب الكرد المدافعين عن أرضهم، بغض النظر عن توجهات الأحزاب المسيطرة،…”.
صدقتم دكتورنا العزيز فيما ذهبتم إليه في عبارتكم أعلاه؛ ولكن تجاهل المغزى من وراء هذا الدعم هو المضر والكارثي. لسنا ممن يسعون إلى انحراف الجماهير عما يفيده. إنما نجاهد أن تدرك غاية ومبتغى أمثال هذه المؤازرات، التي نكون فيها كـ”قميص عثمان”، ونحن جاهلون به. وبمعرفتنا للمغزى من ورائه؛ يجنبنا بجدارة الحصيف القدير عملية المقايضة. وليس كالمهرول وراء الظاهر الموجه باطنا لغاية مكنونة في قلب المناصر.
حتى تكون هذه المؤازرة واضحة لكل فرد منا، سنحاول جاهدين تبيانها:
أولا: السيد ترامب، كما يقال عنه، على مستوى العالم، أنه رئيس استثنائي للولايات المتحدة الأميركية. يقودها بمنطق التاجر، لا السياسي، التي دأب عليها هذا القطب في عالمنا الحالي. بمنطقه هذا أغضب السيد ترامب الصديق قبل العدو. وقاس الجميع بمعيار الفائدة النقدية! وتخلى -دون أي مراعاة للإتيكيت المتبع في دولته- عن حلفاء أميركا الاستراتيجيين من أجل حفنة من الدولارات. والعديد من المحللين الكبار يعتقدون لو أن السيد ترامب حاز على ولاية ثانية ستفقد إمبراطوريته مكانتها، وستحل محلها روسيا والصين! حينها ستكون هذه كارثة على الغرب بمجمله وعلى رأسه الولايات المتحدة الأميركية.
وما الأصوات العالية في أميركا، إلا لعزل ترامب من قبل معارضيه، فاستغلال التخلي عن الكرد هو “قميص عثمان”. حيث لم تفلح المعارضة في إدانته بقضية تدخل روسيا، جاءت هذه المناسبة فرصة لها لتنقض عليه. وهناك غيرها كتهافته مع الرئيس الأكراني من أجل بعض الخروقات لشركة منافسه في الانتخابات القادمة…
ومن جهة أخرى مناصرة أوربا لقضيتنا، ليست من باب نيتها الصادقة في السماح للكرد بكيان خاص بهم؛ بل كون أردوغان تمرد على بيت الطاعة، متوجها إلى الشرق، الحلف المعادي لها ولقائدتها أميركا. والتلويح بالورقة الكردية، ليس مغزاه نحن الكرد؛ إنما مصالحها وثم مصالحها وثالثا مصالحها. ترى أوربا وزعيمتها أن الورقة الكردية كافية لإعادتها خائبة مطيعة إلى دار الطاعة. ويدرك أردوغان هذه اللعبة، متحديا إياهم بسحقنا، لاستناده على الدب القطبي والتنين الأصفر، فهو والملالي سيكونان ركيزة لهذين الجبارين من تكنيس الشرق الأوسط من الأوربيين وحاميهم العم يانكي؛ إذا استمر العم ترامب في برنامجه هذا. عدا هذا؛ كي لا يفتح عليها صنوبر المهاجرين السوريين…
عندما نجهل هذه الأمور نقدم لهم ذاتنا، مع ما نهدره من دماء أبنائنا، سلعة قابلة للمقايضة. وإدراكنا كنهه، إدراكا حقيقيا، يجنبنا تلك العملية، مثلما حصل معنا من مقايضة في اتفاقية الجزائر، واستفتاء الخامس والعشرين من أيلول، وفي عملية غصن الزيتون، والآن في نبع السلام. ألا يكفينا كل هذا الذي حصل؟ كي نعود مرة أخرى إلى تناول المخدرات؛ حتى نبعد عنا الألم. وأن يسرح خيالنا، بتأثير المخدر، مسرورا بهذه المؤازرة؟ معتقدين ما يقوم به الغرب هو لسواد عيوننا. أم علينا كشريحة واعية، محظية بثقة جماهيرنا، العمل بكل عقلانية على إرشادها إلى الصواب، ولا نخونها “بغض النظر عن توجهات الأحزاب المسيطرة”؟
نكمل البقية في العدد
تجمع الملاحظين، عنهم:
كاوار خضر 

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف لم يكن، في لحظة وطنية بلغت ذروة الانسداد، وتحت وطأة أفق سياسي وأخلاقي مغلق، أمام الشيخ حكمت الهجري، شيخ عقل الطائفة الدرزية في السويداء، كما يبدو الأمر، سوى أن يطلق مكرهاً صرخة تهديد أو يدق طبول حرب، حين ألمح- بمسؤوليته التاريخية والدينية- إلى احتمال طلب الحماية الدولية. بل كان يعبّر عن واحدة من أكثر المعضلات إلحاحاً في واقعنا…

د. محمود عباس صرخة في وجه التكفير والخراب والإرهاب. من يهاجم المكون الدرزي في السويداء؟ من يحاصر مدنها، ويهدد شيوخها، ويحرّض على أبنائها بذريعة كلمة قيلت أو لم تُقَل؟ من نصب نفسه حاميًا للرسول الكريم وكأن الإسلام ملكيته الخاصة، وكأن نبي الرحمة جاء لقوم دون قوم، ولدين دون آخر، متناسين أن محمدًا عليه السلام نبي الإنسانية كلها، لا نبي التنظيمات…

بوتان زيباري في رياح السياسة العاتية التي تعصف بأطلال الدولة السورية، يبدو أن الاتفاق الموقّع بين قوات سوريا الديمقراطية (قسد) وهيئة تحرير الشام (هتش) لم يكن سوى وميض برقٍ في سماءٍ ما لبثت أن اكتظت بالغيوم. فها هو مؤتمر قَامشلو الأخير، بلغة ملامحه المضمرة وتصريحاته الصامتة أكثر من الصاخبة، يكشف عن مكامن توتّرٍ خفيٍّ يوشك أن يطفو على سطح…

إبراهيم اليوسف لقد كان حلم السوريين أن يتوقف نهر الدم الذي فاض وارتفع عداده ومستواه، تدريجياً، طيلة العقود الأخيرة، أن يُفتح باب السجون لا ليُستبدل معتقل بآخر، بل ليُبيّض كل مظلوم مكانه، أن يتحول الوطن من ساحة للبطش إلى حضن للكرامة. لقد كان الأمل كبيراً في أن تؤول الأمور إلى دولة ديمقراطية، تُبنى على قواعد العدالة والحرية والكرامة، لكن هذا…