التجربـــة الصوماليـــة

ديـــار ســـليمان
 01.09.2007

لا يختلـف إثنـان على أن النقـاش مهما كانت درجته هو دليـل عافيـة، و ان اشـتداد هذا النقـاش هو الآخـر دليل على وجـود آراء شـديدة التبايـن، كما لا يخفـى ان معرفـة فــن الاسـتماع هي الخطـوة الأولى في طريـق الألف ميـل للتقـريب بين تلك الآراء.
 و قد وقف الكـثيرون على ما يـدور على صفحات الانترنت من نقاشـات حاميـة الوطيـس تخرج أحيانـآ عن القواعـد العامـة للحـوار، لكن لم يطلع الجميع على خلفيـات المشهـد، لذلك أخذتهم الظنـون الى حيث لا يجـب

و بالنسبة لي يمكننـي إرجـاع إرتفـاع حـرارة (النقاش) ذات مـرة الى السـبب التالـي: ثمــة من يتلقـى الصفعـات عنـي، لا لذنب ارتكبـه فقـط لان كتاباتـي تتماشـى في جانب منها مع الخـط الذي ينتهجـه، و لتقـريب الصـورة أكـثر أُورد مثـالآ، فقد أطلعت عن طريق بعض الأصـدقاء على (بوســتر) يبدو بأنه تم تداولـه بين مـستخدمي الانترنت على نطـاق واسـع و هو عبـارة عن صـورة لثلاثـة من الرجـال المحـترمين على الساحتين الأدبية و السياسية أقـدم الجنـاة على تشويههـا كأحد وسـائل (الحوارالضاغـط) ظنـآ منهم أن أحـدهم هو كاتب هذه السـطور، عمـلآ بمبـدأ الغـرم بالغنـم.
 و للتخفيـف من وطـأة مثل هذه الأعمـال المـشينة فاني اتوجـه بعد بالاعتذار الى هؤلاء الأفاضـل عما تسببت به من الـم لهم و إن بصـورة غير مباشـرة، أتوجـه الى الكتابـة عن التجربـة الصوماليـة في السـياسة لما فيها من غنـى، لعـل ذلك يخـفف من غضـب الغاضـبين، خاصـة و ان الكــلام عن الصـومال مبـاح اليـوم بعـد ان تمـت زحلقـة زعيـم المحـاكم (شـيخ شــريف) على أكـبر قشـرة مـوز صومالـي الى كينيـــا…..

و منهـا الى جزيـرة ايمـرالي حيث أُوقف تحت العلـم التركـي و قـام بعـزف السـلام الوطنـي التركـي بفمـه (و سبحان مغـير الأفـواه)… كما أهدى الحضـور مقـام (أنا مُــش أنا) من التراث الموسيقي السوري ومطلعـه: أنـا أفعـل كل ما هو متوقع منـي… يا شـعبي المـغني (منشـور في موقع صومالى مـه)، طـــيّره كذلك  لجمهوره وخاصة المتجمهـر اليوم في مديـنة كولـن بألمانيـا… و كان قد سـبق ذلك الترحم على شـهداء الجيش التركي، شـهداء الديمقراطية التي كان يدعـو اليها دعـوات صادقة لوجه اللـه تعالـى و لا زال… عفـــوآ! اعتذر عن هذا العطـل الفنـي بسبب تداخـل البث و التشـويش من المحطــات المعاديـة والتي تقلـب الحقائـق رأسآ على عقب وأعـود ثانية الى الموضوع الصـومالي الذي يهمنـا جميعـآ، فقـد كنا نقـرأ في كتب التاريخ عن استعمار الحبشة لتلك البـلاد، و بسـبب تأثرنا بأحوالهـا، و بما أننـا كنا نعيـش مرحلـة ما بعد بعد السـعادة (على وزن ما بعد بعد حيفا) حيث تحققت جميع أحـلامنا، مما أصاب حياتنـا شئ من الرتابــة، لذلك  كنا مستعدين كنـوع من التغـيير للذهـاب لقتـال المستعمرين الى جانب (لا بل بـدلآ من) أشـقائنا الصوماليين دون أدنى مقابـل من مـوز وغـيره، وبعد كل تلك السـنين من اسـتعدادنا ذاك، ليس من الواضـح إذا ما كان ذلك الاستعمار قد رحـل من تلقـاء ذاته أم طـرد، لانه عند أصغر مـشكلة بين هؤلاء، هناك من يدخـل الاحبـاش و ديوكهـم الى(كرمــه).

 و قـد تشـكلت هنـاك (وليـس عندنـا) ما اصطلـح على تسميته (أحـزاب المـوز) التي كانت بـردآ و سـلامآ على الاعـداء و نـارآ مـستعرة على بعضها البعـض، رغـم أنهـا انشقـت جميعـآ (تعبيـر غير لطيـف سأستبدله) تفـرعت جميعـآ عن نهـر واحـد لا زال محافظـآ على تدفقـه، إلا أنه و كنتيجة حتمية للتطـور التاريخي لبعض البحريـات، عجـز هذا النهر على اتساعه عن اســتيعاب القـوة الضاربـة لزعانفهـا، فحفـر كل منها مجـرىً خاص به يسير فيه دونما هدف في الصحـراء القاحلـة الى أن يتبخـر، و رغـم أن دمـوع التماسيح تنهمر بغـزارة لكن ذلك لم يسعف تلك الأنهر، فأصابهـا الجفـاف و نفـق كل من فيـها.
  و في الصومـال (وليـس عنـدنا) يخبرك زعمـاء الميليشيا بأنهم قد دفعـوا دفعـآ الى تشكيل مجموعاتهم الخاصة، حيث تمت (زحلقة) كل واحد من قبل الآخـرالى مصيدة نصبها له، فـكان ان نجـا بجلـده بطريقـة الهـروب الى الأمـام هذه.
 و في الصـومال (وقد أصبـح واضحـآ لديكم أنه ليس عندنا) يخـبرك الجميـع أن الأمـور بخـير رغم أنه ليس هناك حجـر على حجـر، لان هناك علمـآ صوماليـآ يشـترك الجميـع مـرة واحـدة كل عام و تحت ظـلاله في شـرب نخـب الطلقة الأولى التي يجمعـون أنها كانت في الاتجـاه الصحيـح قبل ان يفرقهـم ما تلاهــا من رشـقات.
 و في الصومال الذي يتواجـد في القـرن الافريقي هناك مـرض باليستـي عـابـر للقـارات يسمـى الصوملة، يعـدي كل من يعتقد أنه يحمل قرونـآ، فيعتمـد النطـح كوسيلـة أسـاسية في أية خطـة خمسيـة يضعها للتعامـل مع مشـاكل الحيـاة.
أخـيرآمنيـة صوماليـة: هل يكـون لنا رغم كل شـئ  دولـة… دولـة يا إلهـي تلملــم حروبنـــا المــبعثرة، و لا يهم حتى لو كان اسمهـا: جمهـورية أرض الصـومال، أو كانت عاصمتهـا مقديشـو أو قاميشـو لا فـرق طالمـا أن هناك توأمـة بين الأسـمين، فنحـن صوماليوك يا الهــي، بعـثرتنا قـوارب المـوت في بحـارك التي بـلا شـــطآن.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

عدنان بدرالدين   بينما تتجه الأنظار اليوم نحو أنطاليا لمتابعة مجريات المنتدى الدبلوماسي السنوي الذي تنظمه تركيا، حيث يجتمع قادة دول ووزراء خارجية وخبراء وأكاديميون تحت شعار ” التمسك بالدبلوماسية في عالم منقسم”، يتبادر إلى الذهن تساؤل أساسي: ما الذي تسعى إليه أنقرة من تنظيم هذا اللقاء، وهي ذاتها طرف فاعل في العديد من التوترات الإقليمية والصراعات الجيوسياسية، خصوصًا…

جليل إبراهيم المندلاوي   في عالمنا المليء بالتحديات الجيوسياسية والأزمات التي تتسارع كالأمواج، هناك قضية كبرى قد تكون أكثر إلهاما من مسرحية هزلية، وهي “ضياع السيادة”، حيث يمكن تلخيص الأخبار اليومية لهذا العالم بجملة واحدة “حدث ما لم نتوقعه، ولكنه تكرّر”، ليقف مفهوم السيادة كضحية مدهوشة في مسرح جريمة لا أحد يريد التحقيق فيه، فهل نحن أمام قضية سياسية؟ أم…

أمجد عثمان   التقيت بالعديد من أبناء الطائفة العلوية خلال عملي السياسي، فعرفتهم عن قرب، اتفقت معهم كما اختلفت، وكان ما يجمع بينهم قناعة راسخة بوحدة سوريا، وحدة لا تقبل الفدرلة، في خيالهم السياسي، فكانت الفدرالية تبدو لبعضهم فكرة دخيلة، واللامركزية خيانة خفية، كان إيمانهم العميق بمركزية الدولة وتماهيها مع السيادة، وفاءً لما نتصوره وطنًا متماسكًا، مكتمل السيادة، لا يقبل…

بوتان زيباري   في قلب المتغيرات العنيفة التي تعصف بجسد المنطقة، تبرز إيران ككيان يتأرجح بين ذروة النفوذ وحافة الانهيار. فبعد هجمات السابع من أكتوبر، التي مثلت زلزالًا سياسيًا أعاد تشكيل خريطة التحالفات والصراعات، وجدت طهران نفسها في موقف المفترس الذي تحول إلى فريسة. لقد كانت إيران، منذ اندلاع الربيع العربي في 2011، تُحكم قبضتها على خيوط اللعبة الإقليمية،…