«المنطقة الآمنة» الشيطان يكمن في التفاصيل

أكرم الملا
وأخيراً توصلت الولايات المتحدة وتركيا إلى اتفاق  “المنطقة الآمنة ” في شرق الفرات وذلك بعد مباحثات عسيرة وشاقة بين الطرفين، غير أن بعض المحللين وخبراء بهذا الشأن يبدون مخاوفهم وشكوكهم في صمود هذا الاتفاق، كونه يتضمن في جوهره وخاصة من الجانب التركي، تهديداً صارخاً وصريحاً للوجود الكوردي، حيث تسعى تركيا لإقامة المنطقة الآمنة في العمق الكوردي ولمسافة 32 كم من الحدود التركية، وإحكام سيطرتها عليها، لان فكرة هذه المنطقة واقامتها أصلاً تعود الى الصراع التركي – الكوردي، وليس ببعيد أن يكون مصير هذا الاتفاق شبيهاً بمصير توأمه في منبج الذي ضاع مع الزمن وهذا الاتفاق الجديد سيبوء بالفشل اذا لم تأخذ الأطراف المعنية القلق الكوردي تجاه تحركات تركيا بعين الاعتبار.
بينما النيران مشتعلة في شمال غرب سوريا حيث يجري تنفيذ وتطبيق اتفاقيات “أستانة وسوتشي” بالحسم العسكري، تتسارع المفاوضات والترتيبات الأميركية- التركية بصدد ” المنطقة الآمنة ” أو ممر “السلام ” في شمال شرق سوريا وذلك بهدف ازالة حاجز الخوف التركي من الشريط الحدودي الكوردي وعدم المساس بالشريك الأميركي المتمثل بقوات “قسد”، والأهم بالنسبة لواشنطن هو كبح جماح الرغبة التركية بالتوجه نحو الدب الروسي، وكذلك وضع ورسم خطوط مناطق النفوذ في سوريا ربما بنموذج “بلقاني” ويبدو أنه سيكون هناك الكثير من العقبات والحواجز الملغومة على طريق إقامة “المنطقة الآمنة” خاصة وأن التفاصيل المتفق عليها غير معلنة ويبدو أن هناك اتفاق بين الطرفين الأميركي والتركي بعدم نشرها وهذا ما يدعونا الى الاستشهاد بالمثل الشهير “الشيطان يكمن في التفاصيل”.
ان منطقة شرق الفرات لها أهمية كبيرة في الجغرافيا السورية، انها سلة الاقتصاد لجهة ثروات الطاقة، كما أنها منطقة التماس والاشتباك بين الحلم الأردوغاني الإمبراطوري والمشروع القومي الكردي. كما أن المنطقة التي تسيطر عليها ” قسد ” ، تضم نحو ثلث مساحة سوريا، وتحتوي على حوالي 90 في المئة من الثروة النفطية وأكثر من 40 في المئة من إنتاج الغاز السوري.
ان الهدف من هذا كله هو إنشاء منطقة عازلة بين الحدود التركية والمناطق التي تسيطر عليها قوات “قسد” المدعومة من واشنطن، كما حصل في الاتفاق حول منبج من قبل يمكن أن يحصل مع هذا الاتفاق لأن عمق المنطقة الآمنة يريده الجانب التركي لمسافة اكثر من 30 كم بينما يطالب مجلس سوريا الديمقراطية بألا يتخطى خمسة كيلومترات، أما واشنطن فتحاول أن تكون الوسيط المانع للصدام، ان الإصرار التركي على هذه المنطقة الآمنة كون تركيا تراها بمثابة ممر اجباري للحصول على منطقة نفوذ جديدة، واذا لم يتم تنفيذ الاتفاق أو بالأحرى تعثر وحاولت تركيا القيام بعمل افرادي، سيصطدم  “السلطان” أردوغان بالخطوط الحمراء الأميركية – الروسية.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

خالد بهلوي تحت شعار “وقف العنف والتهجير – العيش المشترك بسلام”، وبمبادرة من مجموعة نشطاء من الشابات والشباب الغيورين، شهدت مدينة إيسين الألمانية يوم 21 ديسمبر 2024 وقفة احتجاجية بارزة للتعبير عن رفض الاحتلال التركي والتهديدات والانتهاكات التي يتعرض لها الشعب الكردي المسالم. الحضور والمشاركة: حضر الفعالية أكثر من مائه شخصً من الأخوات والإخوة الكرد والألمان، إلى…

د. محمود عباس ستكثّف الولايات المتحدة وجودها العسكري في سوريا وستواصل دعمها لقوات سوريا الديمقراطية (قسد) والإدارة الذاتية. تدرك تركيا هذه المعادلة جيدًا، وتعلم أن أي إدارة أمريكية قادمة، حتى وإن كانت بقيادة دونالد ترامب، لن تتخلى عن الكورد، لذلك، جاء تصريح أردوغان بعد عودته من مصر، ووزير خارجيته من دمشق اليوم كجزء من مناورة سياسية تهدف إلى تضليل الرأي…

شادي حاجي المرء لا يذهب إلى طاولة المفاوضات وهو خالي الوفاض وإنما يذهب وهو متمكن وقادر والمفاوض يكشف أوراقه تدريجياً تبعاً لسير العملية التفاوضية فعند كل منعطف صعب وشاق يقدم المفاوض بطريقة أو بأخرى معلومة ولو صغيرة حول قدراته على إيقاع الأذى بالطرف الآخر من أجل أن يكون مقنعاً فعليه أن يسأل عن مقومات الندية والتي تتركز على مسألة القوة…

إبراهيم اليوسف منذ سقوط النظام المجرم في 8 كانون الأول 2024 وتحول السلطة إلى السيد أحمد الشرع، بات السوريون، سواء أكان ذلك في العاصمة دمشق أو المدن الكبرى والصغرى، يتطلعون إلى مرحلة جديدة يتخلصون فيها من الظلم والاستبداد. حيث سنوات طويلة من مكابدات المعذبين في سجون الطاغية الأسد وأبيه كانت كفيلة بتدمير أرواح مئات الآلاف. بعض السجناء أمضوا…