نوبار محمد
في 25 أيلول عام 2017م أختار رئيس إقليم كردستان مسعود البرزاني إجراء استفتاءٍ لتقرير مصير إقليم كردستان في الاستقلال عن العراق
سارعت الدول الإقليمية وعلى رأسها تركيا مهددةً بعواقب وخيمة حال استمرار الإقليم في إجراء الاستفتاء، وصرح الرئيس رجب طيب أردوغان وقتها بالقول: إن أكراد العراق لا يعرفون كيف يقيمون دولة، مشيراً إلى أنهم سيتضورون جوعاً عندما تمنع الشاحنات من الذهاب لشمال العراق، وهددت تركيا بإيقاف تصدير النفط القادم من الإقليم إلى أراضيها، والذي تم تنفيذه بالتعاون مع حكومة العراق وقتها، وقد عانَ الإقليم أزمةً اقتصادية خانقة جراء ذلك،
ولكن في خطوة ملفتة سارعت تركيا للاتفاق مع الجانب العراقي على فتح معبر جديد بين الطرفين كبديل عن معبرها الرابط مع العراق عن طريق إقليم كردستان “معبر إبراهيم الخليل” والذي يعتبر الشريان الحيوي لأكراد العراق بحجم تجاري بلغ ستة عشر مليار دولار عام 2018 حسب وكالة الأناضول التركية، كانت حصة الإقليم مليار ونصف المليار دولار
المعبر الجديد والذي تسعى تركيا لأنشائه يطلق عليه اسم “أوفا كوي” ويبدأ من شرق ولاية شرناق التركية إلى معبر ربيعة الحدودي في العراق، عبر الأراضي السورية، هذا المعبر عاد وزير الخارجية التركي إلى طرحه على الحكومة العراقية خلال زيارة قام بها في الشهر الرابع من هذا العام 2019!.. وكانت ظروف تتعلق بسيطرة الحزب الديمقراطي الكردي (ب ي د) على المنطقة المزمع إنشاء المعبر الجديد فيها أهم عائق أمام تنفيذ المشروع التركي، ولكن مع غموض الاتفاق الأمني بين كلٍ من تركيا والولايات المتحدة الأمريكية حول المنطقة الأمنة في شمال سوريا يعود السؤال: هل ستستغل تركيا الاتفاقية الأمنية لتنفيذ مشروعها المعلّق “معبر أوفا كوي”
تركيا تدرك جيداً مركزية إقليم كردستان كمحرك وقاعدة صلبة تتحرك منها الخطوات الكردية اللاحقة في باقي الأجزاء، وتعلم جيداً أن وجود إقليم كردي يتمتع بشبه استقلال، ومزدهر اقتصادياً يشكّل خطراً على سياستها الرامية إلى إبقاء الأكراد ضعفاء أو تحت السيطرة، وسياسة الاحتواء هذه أثبتت فشلها، ولم يكن الاستفتاء إلا برهاناً عليه، ولكن تركيا لا تيأس من المحاولة في كل مرّة تسنح لها الفرصة، وتسعى جاهدة أن تكون خطوتها المتمثلة بمعبر “أوفا كوي” الخطوة الناجعة للجم الإقليم الكردي من خلال خنقه اقتصادياً
تركيا التي تعهدت بدفع مبلغ خمس مليارات دولار لإعادة إعمار العراق لتتصدر بذلك الدول المانحة، تدرك الحجم الكبير للسوق الاستهلاكية في العراق، الدولة الغنية بالنفط، وخاصة في ظل الحصار الاقتصادي المفروض على إيران وانهيار الاقتصاد السوري الجارتان للدولة العراقية
تسعى تركيا من خلال معبرها إلى ربط الموصل، وكركوك بتركيا مع سعيها إلى افتتاح قنصلية في كركوك وإعادة فتح قنصليتها في الموصل والتي أغلقت بعد سيطرت “الدولة الإسلامية” على المدينة، ولكنّها تهدف بالدرجة الأساس لضرب القوّة الكردية الفاعلة على الساحة، والمتمثلة بإقليم كردستان
المعبر لا يشكّل تهديداً اقتصادياً فحسب على الإقليم بل تسعى تركيا من خلاله إلى قطع الطريق بين الإقليم ومناطق نفوذ الإدارة الذاتية، والتي يحكمها حزب الاتحاد الديمقراطي (ب ي د) ، والذي تصنفه تركيا امتداداً لحزب العمال الكردستاني، وذلك من خلال قطع الشريان الحيوي بين الطرفين والمتمثل بمعبر “فيش خابور” الرئة الرئيسية لاقتصاد مناطق الإدارة الذاتية، والامدادات العسكرية واللوجستية، حيثُ يتطلب فتح طريق “أوفا كوي” الحماية الأمنية والتي قد تستخدم ذريعة في انتشار أمني تركي في المنطقة، سياسة قد تعتبر صعبة ولكنّها ممكنة في ظل الخلافات الكردية الكردية، وسعي كل طرف بسط نفوذه على مناطق الأخر، ناهيك عن الخلافات الأخرى، كما أن المصالح المشتركة بين أمريكا وتركيا العضوان في الحلف الأطلسي يشكّل إمكانية فتح الولايات الأمريكية الطريق لتركيا لتنفيذ مشروعها، ولا يستبعد أن تتفق تركيا مع النظام السوري مقابل تنازلات معينة، مرور الطريق من أراضيها
اتفاق الأطراف المعنية بالقضية الكردية مباشرة (العراق، إيران، تركيا، سوريا)، في فترات سابقة، يُعيد احتمالية أن تترك هذه الدول خلافاتها هذه المرّة أيضاً على طرف لتتفرّغ للقضية الكردية، الهاجس الذي يقلقها على الدوام!…، ولكن السؤال: هل ستتمكن تركيا من تنفيذ مشروعها الهادف إلى ضرب أكثر من قوة كردية بطريق تجاري واحد؟ الجواب قد يكون من الصعوبة ذلك، ولكنه ممكن.