محمد عطا رمضان
– أُشيع مؤخراً أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال عن الكُرد أنَّهُم قومٌ من الجن مُستدلين بحديثٍ ذُكِرَ أنَّ عُمر بن الخطاب – رضي الله عنهُ روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّهُ قال: الأكراد جيلُ الجنِ كُشِفَ عنهم الغطاء! وإنَّما سموا الأكراد لأن سليمان عليه السلام لما غزا الهند، سبى منهم ثمانين جارية وأسكنهم جزيرة، فخرجت الجنُ من البحرِ فواقعوهن، فحمل منهم أربعون جاريةٍ، فأخبر سليمان بذلك فأمر بأن يُخرجن من الجزيرة إلى أرضِ فارس، فولدن أربعينَ غُلاماً، فلما كثروا أخذوا في الفسادِ وقطع الطرق، فشكوا ذلك إلى سليمان فقال: أكردوهم إلى الجبال! فسموا بذلك أكراداً.
هذا الحديث كذبٌ وافتراء على النبي – صلى الله عليه وسلم – ولا يوجد بالأحاديث الضعيفة ولا الصحيحة؛ إنَّما كتب هذا الحديث بتأليفٍ من شخصٍ زنديق وقام بنسبهِ إلى النبي – صلى الله عليه وسلم – وهذا الذي دلَّس وكتب هذا الكلام إنَّما لهُ غايات طائفية خبيثة، هدفُها إبعاد الكُرد عن دينهم الذي هو مصدر عزتهم.
يا للأسف أصبح الحديث باباً لدعوةِ الكُرد إلى الإلحاد بدعوة أنَّ الإسلام يزدرءهم ويصفهم بالشياطين.
فإذاً ما يدعيه بعض الزنادقة الذين يريدون إضلال الناس عن دينِ الله بأنَّ الكُرد من نسلِ الجن هو كذب و افتراء على الله ورسوله، يجب علينا أن نُفكر قليلاً وليس كثيراً، لنعرِفَ أنَّ هذا الحديث باطلٌ ومدسوس على النبي صلى الله عليه وسلم
كيف يُعقل بأن يكونوا من نسل الجن .. والقرآن الكريم والأحاديث النبوية كُلها تنكُر بأن الجن بإمكانه الإنجاب من الإنس والعكس كذلك. كُله كلامٌ باطلٌ ولا يمكن لشخصٍ مسلم عقيدته سليمة بأن يصدق هذه الخرافات والإدعاءات الباطلة؛
للأسباب التالية:
١- وحدة الأصل الإنساني
[يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ] [الحجرات: 13].
الناس في الأصل أمة واحدة، أبوهم واحد وهو آدم عليه السلام، وأمهم واحدة وهي زوج آدم “حواء” عليها السلام، وكل البشر خُلِقُوا من ذكرٍ وأنثى ليتعارفوا فيما بينهم، وفي دين الإسلام، كلهم في الإنسانية متساوون، لا فضل لعربيٍ على عجمي، ولا لأسودٍ على أبيض، إلا بالتقوى؛ هكذا يُرفع الإسلام مبدأ المساواة بين الناس، ومن يستعرض آيات القرآن في ذلك الصدد يجد أن الناس في الأصل أمة واحدة، خُلِقُوا من نفس واحدة، منها نشؤوا وانتشروا في أرجاء الأرض، وحينما اختلف الناس عبر التاريخ البشري أرسل الله إلى كل أمة رسولاً، يدلهُم على طريق الله المستقيم.
ومن المدهش أن تجد في القرآن تفصيلاً علمياًّ دقيقاً عن المراحل الثلاث في خلق الإنسان متضمنةً:
المرحلة الأولى: من حيثُ خَلْقُ آدم عليه السلام – باعتباره أصل الناس جميعاً – من تُراب وطين، وطين لازب، وحمأ مسنون، وصلصالٍ كالفخار، وبشر سَوَّاه ربه، ونفخ فيه من روحهِ، وعلَّمَهُ الأسماء كلها، وجعلهُ في الأرض خليفة؛ ومن المُدهش أن يتوصل العلم الحديث استناداً على الأصل الجيني أنَّ كُل الناس الذين يعيشون على الأرض، اليوم قد انحدروا من امرأة واحدة
﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1].
﴿ وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ قَدْ فَصَّلْنَا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ ﴾ [الأنعام: 98] .
– يقول الإمام علي رضي الله عنه:
أَيُّها المفَاخرُ جَهْلاً بِالنَّسَبْ
إنما الناس لأم ولأب
هل تراهم خلقوا من فضة
أم حديد أم نحاس أم ذهب
بل تراهم خلقوا من طينة
هَلْ سِوَى لَحْمٍ وعَظْمٍ وَعَصَبْ؟
إنما الفخر لعقلٍ ثابتٍ
وَحَيَاءٍ وَعَفَافٍ وَأَدَبْ
٢- التقوى معيار الاحترام والمفاضلة بين الناس
– إنَّ المعيار الحقيقي الذي يتعيَّن علينا لزاماً أن نقيسَ بهِ الناس، ونزِنَ به الناس، ونضع به الناس، ونرفع به الناس، ونحكم به على الناس هو: معيارٌ وميزانٌ ومقياسٌ واحدٌ : التقوى وما يتَّصل بها مِن حُسنِ سمتٍ ودِينٍ.
هذا هو المقياسُ الشرعي الوحيد في التصنيف الحقيقي للناس، هذا هو المعيار الشرعي الوحيد في التمييز بينهم، وهنا يكفينا شاهداً أنَّ الله تعالى دلَّل على هذا المقياس أو المعيار في نحو قوله: ﴿ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ﴾ [الحجرات: 13]؛ فكان أكرمَ الناس عند الله جل وعلا وأقرَبَهم إليه منزلاً : الأتقياءُ، الأنقياءُ والأصفياء.
وقال الله عز وجل أيضًا: ﴿ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى ﴾ [البقرة: 197]؛ فجعَل الله – سبحانه – التقوى خيرَ ما يتزوَّد به العبد ليوم الرحيل، يوم اللقاء بالجليل، ﴿ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ ، إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ﴾ [الشعراء: 88، 89]؛ فالله تعالى جعَل الخير كل الخير في التزامِ التقوى.
٣ – الكُرد كانوا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وهو أبو ميمون جابان الكُردي رضي الله عنه؛ فمنهُم الصحابة ومنهم الأولياء ومنهم المصلحون ومنهم القادة العظماء في التاريخ الإسلامي …
وفي الختام أقول كما الشاعر :
لِعُمركَ ما الإنسانْ إلا بِدينهِ
فَلا تَترُك التقوى اتكالاً على النسبِ
لقد رفع الإسلام سلمان فارس
ووضع الشرك النسيب أبا لهب.
………………
تربه سپـي ٣١ آب/اُغسطُس ٢٠١٩