ابراهيم محمود
11- الأسود الذي يجتاح قامشلي
حتى قبل أقل من عقدين من الزمن، كانت رؤية المرأة الملفوفة بالأسود، في قامشلي ومحيطها، محدودة جداً. ومنذ عدة سنوات خصوصاً، انعكست الآية: أصبحت رؤية من ليست ” ملقَّمة ” داخل لباس يُسمَّى بـ ” الشرعي الإسلامي ” محدودة جداً. والمفارقة الكبرى، ومن ناحية اجتماعية، كان يندر رؤية امرأة عربية ” من الريف ” تلبس ” هذا الأسود ” والآن يصعب جداً رؤيتها دونه. رؤية اللون الواحد: الأسود، تهيمن على قامشلي منذ صباحها الباكر، حيث قدوم النساء العربيات إلى المدينة للمعالجة، وهن يقتعدن الأرصفة بانتظار الدكاترة. كردياً، يبدو أن هناك مجاراة أو محاكاة، أو شعوراً بأمان ” ملغوم ” على أولي الأمر ” الكرد “تفسير ذلك .
طبعاً، يترافق هذا الأسود الذي ” يليّل ” الجسد وطاقاته وأهواءه، كما يظن ” أسود آخر، أو ما يدرجه نحو الأبيض: اللحية التي تطلق بمعايير متفاوتة، ومسابيح ” شرعية ” تطقطق هنا وهناك، من قبل الرجال، تجاوباً مع حداثة معكوسة، معبّرة عن لوذ ما بما كان تكفيراً بالقائم.
تابعت ذلك طوال وجودي ” الشَّهْري، حين كنت أذهب إلى العيادة السنية لمعالجة ” أسناني ” منذ باكر الصباح، وأنا أمعن النظر في هذه البقع السود المتناثرة في الشوارع المحيطة بمركز المدينة، كما لو أنها جزر عائمة، وربما تندفن الوجوه خلف خمار سميك نسبياً، أو تُرى وجوه ممكيجة ” على الآخر ” بينما حابسة أجسامها داخل أردية لتحفظ أجسامها لأولي أمرها كذلك.
يقرَأ هذا السواد الذي اجتاح المنطقة جرَادياً على مستويات عدة: جهة من انتظروا لحظة كهذه، للتعبير عن ” إسلام ” موجه من قبلهم، أو تبعاً لتعليمات متلقاة، وجهة من يسايرون هؤلاء، خوفاً من الآتي، وجهة من أرادوا المسايرة خارجاً، وفي بيوتهم ليسوا كذلك. إنها تجاة ” بيزنس إلهية، على الطريقة الإسلامية المستحدثة “. وفي الحالات كافة، يقرَأ الجسد: الذكري أو الأنثوي على أنه جسد الهزيمة المطلقة، والدخول في مساومة على حقيقة الجاري. رغم الويلات التي ذاقتها المنطقة، طالما أن ليس من مقابل، يعدُ ويفي بوعده.
ما يجدر التذكير به، هو حال المرأة الكردية التي دخلت في وحدة اللون ” السواد “، حتى مع بنيّاتها الصغيرات اللواتي يعلَّمن كيفية التحرك، المشي، النوم في ” حفاظة ” سوداء، تنال بها مكرمة ما، من جهة ما، أو لأن عدوى منتشرة، مهدّدة، ومنذرة بأشد العقاب، اليوم أو بعده، في ضوء الإفلاس القاعدي للمعنيين بأمن المدينة، بنيانها القاعدي، سلامتها، كما لو أن هذا السواد، مبايعة مباشرة، وبالمطلق، للذين يروّجون له، أو يحمدونه، أو يثنون عليه، ويشجّعون على التعامل معه، والإقبال على ارتدائه والتفنن في خياطته، وطرق عرضه، حيث المحلات والواجهات العائدة إليه تكتظ بها، كما لو أن هذا السواد يقدّم صك غفران لكل إثم مرتكَب سلفاً، أو مسجَّل في الغيب، ودخول الجنة. لا أدري هل الحور العِين يلبسن الأسود كذلك !
حال المرأة الكردية لا تنفصل عن واقعها، عما يسجَّل باسمها، عما تدفَع به إليه، لتكون ذخراً وذخيرة للرجال القوّامين عليها في البيوت وخارجها، وعلى أعلى مستوى، لتشهد بالطريقة هذه أسوأ مرحلة كارثية تواجهنا بها المنطقة، وقامشلوكا ” الجرح الأسود Birîna reş ” ربما هي حقيقةً غنغرينا سياسية، معممة بما هو غيبي، أو مصمَّمة بماهو سياسي سافر، في ضوء أبسط متابعة يومية لما يجري أمام العين المجرد، في الشارع، زاوية، الساحة، الحديقة المقضقضة، الطرق الخارجية، الرصيف البائس…الخ، وربما بالطريقة هذه، يتم تجديد دخول في تدين آخر، مرهوب الجانب، وما يخيف داخلاً ” في النفس ” من خلال المنشّطات الدينية المحبطة للعزيمة، المنكسّة للروح، حيث تنبذ الدنيا، عبر تسجيلات، وبرامج مختلفة، وتعميد المرأة الكردية إجمالاً بما يبقيها أمانة الرجل: زوجها، أبيها، أخيها، عمّها، خالها، جارها…الخ، ولا يعود ” نصف المجتمع ” بمفهومه الحسابي المضلّل أكثر من ” قصف المجتمع ” بمفهومه الهندسي المفعّل !
…….. يتبع
11- Du girê، مرة أخرى :