وجوه قامشلي التي لم تكنْها «في زيارتي السنوية إليها صيف 2019 » – 9

ابراهيم محمود 
9- الكرد بروليتاريا مهدورة لإسلام قاهر
وما تبيّن لي في هذه الزيارة أكثر من زياراتي السابقة، مدى انشغال الكرد إجمالاً بالإسلام، ليس من ناحية التمسك بالعبادات فحسب، وإنما اعتماد العوذلة والحوقلة، وإحالة كل شيء إلى الله، حيث كل شيء مقدَّر لهم وعليهم، ويطبقون ذلك حتى على صغارهم. الكرد إسلاميون، في غالبهم، إلى درجة أنهم ينسون أنهم كرد. وكرد إلى درجة أنهم بالكاد ينشغلون بكرديتهم، إلا بمقدار ما تظهِر إسلاميتهم. تلك علامة فارقة، تبدَّت لي، وبصورة لافتة، وقد تجذَّرت أكثر، بعد الهجمة الداعشية عليهم. وبدءاً من إقليم كردستان العراق ” 2014 “.
 المستبدون بهم: عرباً، فُرْساً وتركاً، لا ينسون، ولو لحظة واحدة أنهم قوميات: عربية، فارسية وتركية، والكرد، لا ينسون، ولو للحظة واحدة، في مجملهم، أنهم مسلمون، ولو ” كرِهتْ ” كرديتهم. وفي أقصى الحالات التي يتودد إليهم مستبدوهم أولئك، وتحت راية الإسلام، تتقدمهم لغتهم، طرق تصريفهم للإسلام بما يتناسب وقومياتهم، فسماحتهم تروّج لدينهم العملي، وفي أقصى الحالات بالنسبة للكرد، لا يدّخر الكرد إجمالاً، في مخاطبة ” أخوتهم في الدين الواحد ” على أنهم أبناء دين واحد، ويرفعون راية الإسلام، وتمضي بهم ” طيبتهم ” حيث يغرَّر بهم .
لم أقف يوماً معترضاً على أي عقيدة ونازع إيماني، سوى أن أنهما حين يصبحان منحى لإخراج صاحبهما من نطاق التفكير، والاستسلام لنوع من العمى اليومي أو التاريخي، يكون للبحث/ الموضوع شأن آخر.
أعجب العجب أن الكرد هؤلاء تترك لهم الحرية كاملة في أمور العبادة، حتى من جهة المعنيين بشئونهم عن قرب، وما في ذلك من بؤس معنى، وهو تصحيرهم النفسي والعقلي باضطراد.
رأيت مثل هذا المظاهر في الوجوه، اللغة المحكية، اللوحة المعلقة على جدران المكاتب، في صالات الانتظار للأطباء، وهي تتضمن أسماء الله الحسنى، طريقة الكلام وتقويته…الخ .
كما لو أن الكرد يتعاملون مع المستجدات بتنشيط ذاكرتهم على طريقة ناسخ ومنسوخ، فما كان بالأمس القريب، ويؤخَذ به لوجاهته نسبياً، يطوى، بسواه، وقد جرى استنساخه، ليكون المعمول أكثر تمكناً من النفوس والرؤوس . كما لو أن الذي أعقب الغزوة الداعشية، من مستجدات، وضع جلَّ الكرد، وجرّاء السياسات الخاطئة من قبل أولي أمرهم معهم، أمام حقيقة مرة، وهي أن ما هم فيه من نوع: فالج لا تعالج، ليكون التوجه إلى ما هو إيماني هروباً من الجاري، ومن ثم استغفاراً لربهم، ولو أنهم يرون في تصرفات المتحكمين بهم انقساماً في العلاقة .
لا يخفي الكرد نشوة سماع من يعلِمهم، أو حين يقرؤون كلمات من نوع: الأكراد يتامى المسلمين، أو من يأتي على مدحهم باعتبارها الخلَّص للدين. ولم يسأل جلهم: تُرى، منذ متى تيتم الكرد، ومن جهة من: الأب أم الأم؟ وهل هناك لحظة تاريخية مختومة بما هو إسلامي، ولم يكونوا خارج دائرة اليتم هذه ؟ ليس الذين أشاروا إلى يتهم التزموا بما هو مسمى قرآنياً، ناحية الاعتناء بـ” اليتامى “، سوى أنهم حتى في هذا الجانب جرى استثناؤهم. أي حق استبقيَ لهم ؟
لا أكثر من الكرد، في المنطقة هذه، اهتماماً بالتاريخ، وهم يأتون على سَلسَلة مآسيهم التي لم تنقطع تاريخياً، وما فعله فيهم أعداؤهم ” أخوة الدين ” وحتى الآن، وما هو متوقَع غداً وبعده، من تفعيل للعسف، العنف، والاحتقار، والسعي إلى النيل منهم بطرق شتى، سوى أنهم في علاقتهم بالتاريخ، لا يظهِرون أي تلقّ للنتيجة والاستفادة منها. إنها كتابة على الماء لا أكثر.
ليس بغريب، أو مستغرَب، حين يستغرب أعداؤهم أنفسهم مما هم فيه وعليه، في تعاملهم معهم، ومع التاريخ، وفيما بينهم، حتى بالنسبة لمن درسوهم أجنبياً، وفي مجالات مختلفة، ليتلمسوا أمراً عجباً، جرّاء هذه المتوالية ” الهندسية ” في تلقّي الطعان، وانعدام تلقّي العبرة بالمقابل .
بالطريقة هذه يمكن الحديث عن حالة من الانتحار الغيبي، طالما أن ما يلوذون به يهدّئهم،لكن ذلك سرعان ما يفصح عما هو كارثي بصدد التضاد ما هو ديني عندما يكون هناك عزوف عما هو قومي، والقومي أشتات أشتات، وما قومي، عندما ينبري الكرد فِرقَاً مزقاً، الأمر الذي يؤدي إلى المزيد من توسيع الهوة بينهم وبين ” قادتهم ” تعصف بهم أهواء وأهواء في متاهة التاريخ.
ذلك ما يدفع بأعدائهم، والمعنيين بهم، إلى النظر في الاستثناء التاريخي، والذي يبقيهم شعباً طائفاً، مطوَّفاً به في التاريخ والجغرافيا، ليكونوا بروليتاريا مهدورة إسلامياً وأبعد هنا وهناك .
……… يتبع
9- امرأة كردية أكثر من ثوبها الكاكي !
—————– 
الحلقات السابقة:

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…

ماهين شيخاني مقدمة يواجه الشعب الكوردي في سوريا منذ عام 2011 تحولات سياسية وأمنية عميقة، أفرزت بيئة معقدة تتداخل فيها عوامل داخلية وخارجية. وفي ظل غياب تسوية سياسية شاملة، برزت ثلاثة أطراف رئيسية تركت أثراً مباشراً على مسار القضية الكوردية وعلى الاستقرار الاجتماعي والسياسي في مناطق توزع الكورد. هذا “الثالوث” يشمل الجماعات المتطرفة، والإدارة الذاتية، والمجلس الكوردي، وكلٌّ منها يمتلك…

حسن مجيد في الوضع الكوردي العام وبشكل خاص في إقليم كوردستان العراق كل أصناف المعارضة مرفوضة وخاصة المسلحة منها فالقيام بأعمال الشغب حتى لو لم تكن مرتبطة بأجندات إقليمية أو خارجية فقط يحق لك أن تعارض ضمن مجالات حرية الرأي والتعبير . إن النيل من المنجز بطرق غير شرعية وتخريبية تخدم المتربصين والذين لايريدون الخير للكورد . الواجب الوطني…