المعارضة الداخلية و الخارجية

Fehaad Muhammed
المعارضات في الخارج ، على ضعفها وقلتها ، لم تتعد مرحلة التنظير ، وهي في سبيل هذا التنظير تغتال بعضها بعضا بينما لاتمتلك أي رصيد داخلي ، لأن صوتها لا يهم الشارع المذل والمهان والفقير ، الشارع بحاجة إلى تغيير لا إلى نظريات .
وإذا كانت هذه المعارضات تعمل من خلال مكاتب تتراشق بالبيانات بمعزل عن صوتها الحقيقي في الداخل ، وعن بعدها الشعبي الذي من المفترض أنها تدافع عنه ، إذا لماذا تتصارع ؟؟ ومن تقاتل ؟؟ ولمصلحة من ؟؟!!
المطلوب الآن من المعارضات أن تضعها أفكارها وأيديولوجياتها جانبا وتتفق على هدف موحد وهو الوصول الى الشارع وتحريكه ، إن لم يكن من خلال قوى داخلية ، فمن خلال الالاف السوريين المقيمين في الخارج والقادرين على التواصل مع الداخل في ظل إبعاد رموز المعارضة وفعالياتها عن الوطن وعن قواعدها الجماهيرية.
وللوصول الى هذه المرحلة يجب أن تعمل مجتمعة من خلال وسائلها المتاحة للتحريض على التفكير من خلال توعية المواطن بمشاكله الحقيقية التي تواجهه ، وتذكره لماذا هو خائف ، ولماذا هو فقير ، ولماذا هو عاطل عن العمل ،ولماذا هو غائب عن قراره الوطني ، ولماذا يحلم بالهجرة طالما هو ينتمي إلى وطن من المفترض أن يكون غنيا وقويا ؟؟! وأسئلة كثيرة أخرى، يجب تحريض ملكة التفكير لدى المواطن ، لأنها أول الطريق إلى التغيير.
المعارضة في الخارج قادرة على أن تعمل شيئا ، خاصة تلك التي تعيش في الغرب ، حيث يتوفر لديها هامشا من الحرية ليس متوفرا للمعارضات التي تعيش في الدول العربية ، وهي قادرة على الإتصال بالسوريين المقيمين في الخارج عن طريق الندوات ووسائل الإعلام… بل وحتى عن طريق مسيرات سلمية أمام السفارات السورية في هذه الدول .
وعلى سبيل المثال ، يجب على المعارضة أن تتصل بالشخصيات ذات الطابع العالمي والتي تزور سوريا وتقنعها أنها تعطي بزياراتها هذه الشرعية لنظام غير شرعي ، كالبابا مثلا أو رئيس المفوضية الأوروبية …، صحيح أن إتصالات من هذا النوع لن تمنعهم من زيارة سوريا ، لكنها حتما ستوصل صوت الشارع للعالم .
السوري المقيم في الخارج هو إمتداد شعبي للسوري الذي يعيش في الداخل ، وهو معني أيضا بالتغيير ، لأن شريحة كبيرة منه لا تستطيع العودة إلى الوطن بسبب ظروفها السياسية ، أو لا تريد بسبب ظروفها الإجتماعية أو الإقتصادية السيئة التي أفرزتها العقود الماضية ، لكن كلا الشريحتين تواقتان للتغيير قبل العودة ، بدافع الحنين إلى الوطن على الأقل.
الأصوات التي ظهرت مؤخرا في الداخل هي خطوة في الإتجاه الصحيح ، فهي ومع كل الكبت الذي واجهته ، إستطاعت أن توصل صوتها – وبفترة زمنية بسيطة – إلى الشعب السوري في الداخل والخارج ، هذه الأصوات لو وجدت دعما فعليا من المعارضة في الخارج ، ومن قادة الرأي في الداخل ، من الممكن أن تصنع ربيع دمشق بعد محاولة أو إثنتين، أو حتى مائة .
لاشك أن إحتمال المواجهة قائم ، وهو قد ينهي ربيع دمشق كما إنتهى ربيع بكين ، لكن ربيع بكين لم يمت ، بل لازال عطره منتشرا إلى هذا اليوم ، وجثث الطلبة التي تناثرت في ميدان ” تيانان من ” إستطاعت أن تغير الكثير من سياسات الحكومة الصينية الديكتاتورية ، ولو أردنا أن نستدعي الشعارات هنا ، لقلنا أن شجرة الحرية تنمو بالدم وتموت بالدموع !!
المطلوب أن لاتصل الأمور إلى هذه المرحلة ، لكن أيضا ليس علينا أن ننتظر قرارا دوليا سيغير النظام حتما في سوريا ويأتي بنظام ديمقراطي مشوه كالنظام القائم في مصر ، والذي لايزال يلعب لعبة تزوير الإنتخابات وإقصاء المعارضة ، على الشعب أن يختار قدره بنفسه ولا يتركه نهبا للمفجآت والمتغيرات الدولية أو الإقليمية .
يجب على المعارضة أن تعي أنها لم تعد قادرة على المواجهة المباشرة مع النظام ، لا بالطرق السلمية ولا بالعنف ، فهي فشلت في الحالتين ، لذلك يجب عليها أن تتوقف عن محاولاتها المستميتة للإتصال به ، وتوجيه جهودها إلى الإتصال بالشارع ، لأن النظام الحالي لم يعد يهتم لأمر المعارضة لا قولا ولا فعلا طالما أنه يحيط نفسه بأطواق عسكرية وأمنية متعددة ، المعارضة لم تعد تخيفه ، خوفه الأكبر نابع من الشارع الذي قد يتحرك ، لأن الشارع وفي أي مكان في العالم هو الأداة الفعلية للتغيير ، والأمثلة الأكرانية و الجورجية لازالت حاضرة .

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…