الإستعباد من طبائع الإستبداد…؟!.

نـوري بـريـمـو*

من طبائع الأنظمة الشمولية أنها تعطي لنفسها حق الطغيان على الأوطان عبر إستحلال مواطنيها لا بل إمتلاكهم وسَوقهم على هوى وحسب مقتضيات مصلحة رأس النظام الذي يعتبر نفسه كامل الأوصاف وينصّب حاله وليـاً على العباد في تلك البلاد التي تتحوّل حينها إلى ممالك للرعب أو بمعنى آخر أسواقاً للنخاسة بالعبيد ليس إلا…!؟.
لكن ألَيس من المفارقة بمكان ـ ما دمنا نعيش في بداية القرن الحادي والعشرين ـ أن يكون مسموحاً لهكذا أنظمة (حكم مطلق) بممارسة نفس تلك الطبائع اللاإنسانية المنافية لأبسط مبادئ الديموقراطية وحقوق الإنسان والشعوب وسط رواج أفكار الدمقرَطة والعصرنة في بقاع كثيرة من كوكبنا المقبل على حقبة جديدة يصفونها بالعولمة…؟!، ليس هذا فحسب لا بل إنّ المفارقة تكبر حينما يتفرّج المجتمع الدولي ولا يتدخل ليضع حداً يجمح كباح الأطقم الدكتاتورية التي تنظر إلى جرم إستباحتها لحرمات وكرامات البشر كما وكأنه أمر إعتيادي وحق محفوظ ومكتسب لأولي الأمر الذين يستهترون بالقيم والمبادئ ويُشَرعنون لأنفسهم حق إقهار الآخرين بأساليب إستبدادية يعتبرونها إجراءات أمنية إحترازية درءاً لأي خطر محتمل من شأنه إحداث قلاقل في البلدان كما لو أنّها مزارع خاصة أو مراعي مسيّجة توارثوها عن آبائهم وأجدادهم…!؟.
أما المفارقة الأكثر فضاحة فتكمن في تمادي هذه الأنظمة لدى قمعها دون رادع لأي حراك معارض لها، فتصبح مسألة الدفاع عن الحقوق الأساسية للأفراد والمجموعات أمراً ممنوعاً أو في أحسن الأحوال تطرفاً أو شغباً أو حتى تآمراً وارتباطاً مع الخارج ضد الداخل…؟!، في حين يتم تخوين المعارضة وتوصيف شارعها الشعبي بالتعامل مع الأجنبي….!؟، ومما يزيد الطين بلة وجود بعض الموالين أو المرتزَقة الذين يدّعون العقلانية والإحتكام لأمر الواقع فيطلبون من أبناء جلدتهم المقهورين مزيداً من التريّث والطاعة لأولي الأمر الأبديين فيساهمون بذلك مع الطغاة في العزف على أوتار معزوفة إضطهاد أهلهم وإسكات صوت الحق والقانون أو بالأحرى اجتثاث العدالة من جذورها….!؟.
والأنكى من ذلك كله هو أن يُطلَبْ من قوى المعارضة الحذر ثم الحذر من مغبة الإنزلاق إلى مواقع معادية لـ ((الوطن)) في الوقت الذي تصافق فيه الأنظمة على حساب الوطن مع مَنْ تريد وفي أي وقت تشاء…!؟، إذ يفرضون على المعارضة حالة طوارئية وأحكام عرفية تدخلها في دوامة تجعلها تحسب أكثر من حساب قبل أن تتخذ أية قرارات أو تبدي أية مواقف أو تقوم بأية أنشطة ميدانية تتعلّق بالشأن العام في البلد…!؟، هذا إلى جانب وجوب امتثالها غير المشروط للخطاب السلطوي الذي يرتكز دوماً على فزاعة وجود مخاطر محدقة بالبلد وبالمنطقة وبالتخوم الإقليمية التي لا شأن لنا بها…، إضافة إلى إعتبارات وتحديات أخرى كثيرة تقتضي من المسحوقين تأجيل كل مآسيهم وهمومهم وشجونهم والإنحناء خشوعاً أمام لوحة الأولويات الفوقية التي تهيب بالجميع الوقوف صفاً واحداً في وجه ((العدوان الخارجي)) الذي بات بمثابة كابوس مصطنَع ترعبنا به الدوائر الحاكمة ليل نهار…!؟، أما إذا ما حدث العكس ولم تتوقف قوى المعارضة عن حراكها السياسي وفق الأشكال التي تراها مناسبة لظروفها ولمتطلبات واقع حالهما…، فيتم وصفها بالإساءة لسمعة البلد والتورّط في خدمة أعداء الأمة وتُطبّق بحقها مختلف الإجراءات الإستخباراتية والأحكام الجائرة ويختلط الحابل بالنابل ويطغى الطالح على الصالح وتتخربط الأوراق وتختل المعايير وتسمى الأمور حينها بغير مسمياتها الحقيقية…!؟، ويتحول البلد ـ مع إحترامي الشديد لمجتمعاتنا الرازحة تحت نير الإستبداد ـ إلى مجرّد مدجنة يرأسها ديك وحيد…!؟.
وفي هذا المجال يمكن القول بأنّ الطغيان على المجتمعات والإستهانة بحقوق الغير وإستباحة حرمات الآخرين هي من أبرز طبائع الأنظمة الإستبدادية التي يبدو أنها لن تتخلّى بسهولة عن مسلكياتها الجائرة رغم كل هذه التطورات التي حدثت وتحدث حالياً في أماكن مختلفة من معمورتنا التي ينبغي أن تكون عامرة بأهلها وليس بجبابرتها…، في حين قد ينتظر أبناء منطقتنا بحور من الدماء الزكية لاسيما وأنّ شرقنا المتوسط قد بات غائصاً وسط آلام مخاض عنفي قد تتمخض عنه إنقلابات في موازين القوى ومنقلبات جيوسياسية قد لا تكون لا على البال ولا على الخاطر ولا في الحسبان…!؟.
ولدى إجراء معايرة دقيقة للمشهد السياسي الدولي الراهن وتداعياته وإنعكاساته بصورة مباشرة على منطقتنا التي لم تعد قادرة على مواجهة الشرور جراء إفتقادها للكثير من عوامل المنعة التي كانت تتمتع بها ضد الإرهاب والإستبداد والفتنة بكافة أنواعها…، وبالإستناد إلى معايير سياسية تعتمد الكيل بعدة مكاييل وليس بمكيال واحد كما كنا قد إعتدنا أن نكيل بها أمورنا من قبل…!؟، يمكن القول بأنّ الحراك المعرفي النشط الذي تخوضه القوى والحركات الديموقراطية بالتعاضد مع مؤسسات المجتمع المدني وجمعيات حقوق الإنسان وغيرها من الفعاليات والنُخَب المتضرّرة من براثن أنمط الحكم الفردي…، يبقى يشكل الخيار الأكثر صوابية وريعاً لأنه خيار لاعنفي بشكله ومسعى إنساني بمضمونه ومسار تحرري بمراميه وأهدافه النبيلة.
وما دامت معادلة الصراع وليس المعركة سوف تبقى قائمة وفق هكذا منوال تنافسي مشروع وحدّي ما بين مختلف الفرقاء إن لم نقل عنهم أضداداً لا بل أنداداً…، واحتراماً لمبدأ ضرورة تحقيق التساوي بين البشر فإن نشاط مناصري الخير ضد أطقم البغي ينبغي أن يتعزّز ويلقى الإحترام والدعم والمساندة من قبل المجتمع الدولي وباقي أصدقاء شعوبنا المقهورة…، ومن المنطقي جداً أن نجزم بأن جهود ومساعي دمقرَطة البلدان وتحرير شعوبها من مظاهر الإستبداد…، لن تتوقف أبداً ما لم تزول الدواعي والمسببات والأثار…، وحيث أن تجاهل حقوق الشعوب وديمومة قهرها هو رأس هذه الدواعي فإن تدارك الحالة عبر فتح ملف حقوق الإنسان بشكل جدّي في البلدان التي يتم حكمها بشكل شمولي…، لَسوف يضيء الدرب ويهيئ بالضرورة لمرحلة سياسية جديدة تنفتح معها صفحات جديدة ركيزتها الأساسية هي: الاعتراف بالآخر وإرساء العدالة وصون الحقوق وتوفير السلم والأمان والعيش اللائق للجميع على أرضية تلاقي وتوافق وتشارك كافة مكونات البلد الواحد مهما كان متعدد القوميات والأديان والطوائف…، ولنسير حينها معاً بشفافية هذا العصر المضاء بعلومه المتقدمة صوب بلدان حضارية تعددية خالية من الفوارق الإنسانية والسياسية التي يفتعلها الإستبداديون أينما حلوا وحيثما حكموا.
=================

* سياسي من كوردستان سوريا

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف منذ سقوط النظام المجرم في 8 كانون الأول 2024 وتحول السلطة إلى السيد أحمد الشرع، بات السوريون، سواء أكان ذلك في العاصمة دمشق أو المدن الكبرى والصغرى، يتطلعون إلى مرحلة جديدة يتخلصون فيها من الظلم والاستبداد. حيث سنوات طويلة من مكابدات المعذبين في سجون الطاغية الأسد وأبيه كانت كفيلة بتدمير أرواح مئات الآلاف. بعض السجناء أمضوا…

شكري بكر هذا الموضوع مطروح للمناقشة قد يؤدي بنا للوصول إلى إقامة نظام يختلف عما سبقونا من سلاطين وحكام وممالك وما نحن عليه الآن حيث التشتت والإنقسام وتبعثر الجهود الفكرية والسياسية والإقتصادية والعمل نحو إقامة مجتمع خال من كل أشكال الصراع وإلغاء العسكرة أرضا وفضاءا التي تهدر 80% من الإقتصاد العالمي ، إن تغلبنا على هذا التسلح يمكن…

إياد أبو شقرا عودة إلى الموضوع السوري، لا بد من القول، إن قلة منا كانت تتوقّع قبل شهر ما نحن فيه اليوم. إذ إن طيّ صفحة 54 سنة خلال أقل من أسبوعين إنجازٌ ضخم بكل ما في الكلمة من معنى. سهولة إسقاط نظام الأسد، وسرعة تداعيه، أدهشتا حتماً حتى أكثر المتفائلين بالتغيير المرجوّ. إلا أنني أزعم، بعدما تولّت قيادة العمليات…

طارق الحميد منذ فرار بشار الأسد، في 8 ديسمبر (كانون الأول)، إلى روسيا، وهناك سيل من النقد والمطالبات للحكام الجدد، وتحديداً أحمد الشرع. والقصة ليست بجدوى ذلك من عدمه، بل إن جل تلك الانتقادات لا تستند إلى حقائق. وسأناقش بعضاً منها هنا، وهي «غيض من فيض». مثلاً، كان يقال إن لا حل عسكرياً بسوريا، بينما سقط الأسد في 12 يوماً…