ابراهيم محمود
في الساعة العاشرة والنصف تقريباً من ليل الجمعة الثقيل 28 – 6/ 2019، أخبرني الأخ الصديق أحمد حاجو بصوت لا يخفي حزن الفراق الأبدي المعهود: لقد رحل بنكي رحيله الأبدي. هكذا إذاً ! وأنا أستعيد اللحظات الزمنية السالفة: مساءً، وكنت هاتفتُه، فلم يردْ، وقبلها لأكثر من مرة. استغربت صمتَه، فقد كان سريعاً في إسماعي صوته الهادىء، وها هو صاحب هذا الصوت الأليف تُطوى صفحته الحياتية كلياً. لقد حل في القلب ورحل إلى الأبد .
بعيداً عن لغة العواطف، لكم اعتدتُ في صوت هذا الإنسان الكبير بقلبه، الرحب برؤيته، أن أسمع جديداً: تعليقاً من هنا، توضيحاً لموقف معين من هناك، تشخيصاً سريعاً لحالة صحية من جانب آخر.
لا بد أنها لحظة لا تعاش بالزمن، إنما بفعلها الكاوي، جهة موقعه، وهو يتحدث بلغة لا تخلو من حماس أحياناً، ومن سخط، أحياناً أخرى، تجاه قضية من هنا، وأخرى من هناك. وما أكثر القضايا التي تثير مخاوف من يعيش وجع الحرف وعنف المعيش اليومي: الكردي خصوصاً، وكما تلمستها في جملة مقالاته التي صدمت كثيرين ممن يريدون تعتيماً على الوقائع والأحداث، وفي موقع ” إيلاف ” بالذات، وكانت تردني منه مقالات لها تواريخها ومنغّصاتها، عما يخص الوجع الكردي أبعد من حدود قامشلو جغرافيا وتاريخاً، رموز كرد ومناسبات ومفارقات .
لا أخفي أنني، من خلال أحاديثنا الهاتفية المعتادة، استفدتُ كثيراً مما يبقيني في حمّى هذا التاريخ الكردي وإشكالياته العالقة على الأرض وأبعد كذلك، إلى جانب بحة الحزن في صوته، وصحبة يأسه الملحوظ في الكثير مما يعنينا كردياً،وهو يسمّي أسماء ووقائع وأمكنة وأزمنة في مناحي مختلفة، وصدمته بردود أفعال من هنا وهناك، ولكم طلبت منه أن يكتب عن كل ذلك، ولو بإيجاز، سوى أن هذا الذي حل في القلب بغتة، كان يشكو ألماً دفيناً، وربما تعب أعصاب، لعل له صلة بالذي عاشه طويلاً، وعايشه حتى آخر لحظة من حياته.
أتراني أبالغ إن قلت أنني لم أشعر يوماً، مذ كان لقاؤنا الشخصي في السويد ذات يوم، وفي كل أحاديثنا على الهواء مباشرة، أن هناك ما يفصلنا عن بعضنا بعضاً في أي شيء. كان الهم الكردي، أكثر من غيره هو قاسمنا المشترك، أقولها، وأنا أستدعي الكثير من ردود أفعال كتابية على ما كان يكتب في موقع ” إيلاف “، كما لو أن تجديد نبرة اليأس دائماً في كل حديث أو اتصال هاتفي، كان يفصح عن أن الدائر كردياً هو من نوع” فالج لا تعالج ” ، وهو يعيش منذ عقود من الزمن هموم الغربة، وتحسرات المكان الكردي المعتق، بعناصره الأربعة وأهله
لا شك أن الراحل الكبير بروحه، سليل حاجو آغا، سيبقى مديداً في القلب، وأنني، لزمن سيمتد، لا أدري إلى أين، سوف أحاول الاتصال به، كما لو أنه لا زال حياً يرزق، أنني سأسمع صوته في الحال، كعهدي الذي كان به، أنه سيرد علي في الحال : Ha kekê Brahîm ! فأرتاح إليه، وتتقاسمنا مستجدات وسواها، ولا شك أن الفراغ الذي سيتركه رحيله المفجع هذا، لن يردَم، ولن يردم طبعاً .
لأقول بصيغة أخرى: أخي، صديقي، أيها الإنسان الذي كان، والإنسان الذي سيبقى باسمه ورسمه، أي بنكي، عشتَ طويلاً وستدوم طويلاً في أفئدة أحبتك وأصحابك ومن لهم صلة قربى بما هو إنساني، بغضّ النظر عن أي خلاف.
سلاماً لروحك النيّرة، وسلامك لعائلتك فرداً فرداً، وعزائي الكبير لكل صديق وصاحب وأخ من آل حاجو آغا كبيراً وصغيراً، أقولها، وأنا أتخيلني في وسطهم هذه المرة حيث يكونون، ليس معزّياً، إنما يتلقى العزاء، وسط أهله وأحبته هؤلاء !
دهوك 28-6/ 2019