دلكش مرعي
الإنسان المتدين الذي يتعرض للظلم والفقر والاستبداد ولا يملك حصانة فكرية وقيمية يساعده على النهوض ومواجهة تحديات الواقع ومقاومة ظلم الظالمين يبقى الدين ملاذه وعزائه الوحيد للتخفيف من معاناته ومآسيه فالدين يخلق أملاً وهمياً للذين لا أمل لهم في هذه الحياة وسعادة وهمية من لا سعادة له فهو بالنسبة للإنسان البسيط المقموع يشبه جرعة المخدر التي تخفف من الآلام ويتحول عبر ذلك إلى فريسة سهلة لقوى الإرهاب والظلام.
فالقناعة الدينية الراسخة في ذهن المتدين يجعل كل معاناة الحياة ومآسيها والظلم التي يتعرض لها يعتبر كل ذلك قدرٌ منزلٌ له من السماء ونتيجة ظروفه المذكورة يستسلم كلياً لهذه القناعة لأن هناك من يبيعه على الدوام تذاكر الجنة وجوازات السفر إليها ويؤكدون له بأن – الحياة ما هي إلا متاع الغرور – وفانية لا قيمة لها لأن الخلود والمكافآت المجزية والحوريات ستأتيه بعد الموت.
وعبر تكريس هذه القناعات في عقول الناس يتحولون إلى أجساد حية في الظاهر وميتة على أرض الواقع لا كيان لهم ولا دور لهم في هذه الحياة فمن يلقي نظرة متفحصة على تاريخ هذا الشعب سيلاحظ بأن رجال الدين الكورد وباستخدام العقيدة والثقافة الدينية المذكورة جعلوا من الكورد خدماً وعبيداً للدين وللمحتل عبر قرون وقرون من الزمن لأن رجال الدين هم من كانوا يوجهون هذا الشعب ويكرسون الثقافة الدينية وبجرعات وحقن متواصلة عبر خطب الجمعة والصلوات الخمس المعروفة هذا إذا استثنينا منهم أربعة أو خمسة تحولوا إلى النضال الوطني من أصل مئات الآلاف فلم يسخر هؤلاء يوماً الدين في خدمة هذا الشعب بل كانوا يضعون الدين على الدوام في خدمة محتليهم وتكريس تخلف هذا الشعب فلو كان الصلاة والصوم والتديّن لصالح الشعب الكوردي ويخدم حريته واستقلاله لمنع هذا الشعب بكل تأكيد من أداء تلك الفرائض من قبل محتلي كردستان وأعدائهم فاستغلال الدين سياسياً الذي يمارس من قبل السلطان العثماني الجديد أردوغان وملالي إيران على سبيل المثال لم يضر بالكورد وحدهم فقط بل بشعوب المنطقة بأكملها فقد أدى إلى إجهاض الثورة السورية التي كانت تنادي بالحرية والكرامة فقد حولوها إلى حرب طائفية عبر إدخال مئات الآلاف من الفصائل الإرهابية السنية والشيعية إلى البلد أدى إلى تهجير أثنا عشرة مليوناً وقتل مئات الآلاف وخلف دمار هائلاً لمعظم مرافق الحياة وكذلك أجهض الأخوان المسلمين الذين يدعمهم قطر وأردوغان الثورة التونسية والمصرية والليبية وملالي إيران هم السبب ما يجري في اليمن من حرب مدمرة فالدين كان عبر التاريخ الوسيلة الأكثر نجاعة لاستدامة حكم الطغاة والمستبدين والانتهازيين والمحتلين وكان الوسيلة الأقل كلفة على المتحكمين بمصائر الشعوب فمن المؤسف القول بأن هذه الحالة سيدوم فترة طويلة ولا تظهر أي ضوء في نهاية النفق لأن هناك العديد من الجهات المستفيدة من التوجه الديني السائد في المنطقة مثل الأنظمة المستبدة والدكتاتورية وأدواتهم من رجال الدين بينما في خارج المنطقة فالمستفيد الأكبر هي الدول العظمى التي تجني أرباحاً طائلة من بيع الأسلحة التي تغذي الحروب الأهلية وتمد الأنظمة المستبد بالقوة لقمع الشعوبً وتنهب إلى جانب ذلك معظم الثروات. ما نود التأكيد عليه هو أن معاناة الكورد تاريخياً وحتى يومنا هذا كان بسبب العقيدة والثقافة الدينية المذكورة فلكل فكر نتاج… والتطور الهائل الحاصل في عالمنا المعاصر كان نتاج الفكر العلمي… وختاماً أعتقد بأن وظيفة الدين الحقيقية تكمن في تكريس المحبة والسلام بين البشر وجعل المساجد جمعيات خيرية تقدم المساعدة لمن يحتاجها والأهم من كل ذلك الابتعاد عن تسييس الدين وتخدير العقول