القانون الدولي والجدار التركي العازل في منطقة عفرين

مصطفى أوسو
تواصل تركيا منذ عدوانها على منطقة عفرين الكردية السورية واحتلالها في 18 آذار/مارس 208، سياساتها وممارساتها المنافية للمبادئ وقواعد القانون الدولي التي وضعها المجتمع الدولي، ومنها ما يجري من هدم وجرف لعدد من منازل المدنيين فيها وبناء جدار أسمنتي يعزلها ويفصلها عن محيطها السوري، بدءً من قرية كيمار – جنوب عفرين، وصولاً إلى قرية باصوفان – جنوب غرب المدينة، وذلك وفق العديد من المصادر المحلية. 
ومن شأن الاستمرار في هذا الإجراء الغير قانوني وإتمامه، ترك آثار وأبعاد وتداعيات كارثية ومدمرة على سكان المنطقة في العديد من مجالات الحياة السياسية والإنسانية والاجتماعية والقانونية والاقتصادية..، وسنتناول في هذا المقال بعض الجوانب والأبعاد والتداعيات القانونية المتعلقة بهذه القضية التي قد تؤدي مستقبلاً إلى فصل أراضي هذه المنطقة عن سوريا وضمها إلى تركيا.
وهنا لا بد من الإشارة إلى أن اكتساب دولة وضمها أراضي دولة أخرى يقع إما بطريق سن القوانين بشأنها، كما فعلت تركيا عندما أصدرت القوانين المتعلقة بضم وإخضاع لواء اسكندرون السوري عام 1939، وإعلانها أنه جزء من الأراضي التركية تحت اسم “هاتاي” بعد انسحاب فرنسا منها، رغم مخالفة هذا التصرف الصريحة والواضحة لصك الانتداب الذي يلزم الدولة المنتدبة بالحفاظ على أراضي الدولة المنتدب عليها، وإما باستخدام القوة العسكرية أو الحرب، وهو الذي من خلاله تعاملت تركيا مع منطقة عفرين، حيث يتخوف من أن يكون بناء الجدار العازل المذكور مقدمة لسيناريو مماثل لما جرى في لواء اسكندرون.
لقد عالج لقانون الدولي هذه القضية – ضم أراضي الغير بالقوة أو الاستيلاء عليها – واعتبرها جريمة مخلة بسلم الإنسانية وأمنها وفقاً لما ورد ضمن مبادئ هذا القانون المعترف بها في ميثاق محكمة نورنبرع التي تشكلت في أعقاب الحرب العالمية الثانية لمحاكمة مجرمي الحرب الذين ارتكبوا فضائع بحق الإنسانية في أوربا، وكذلك في الأحكام الصادرة عن هذه المحكمة. وعالجت أيضاً المادة (53) من اتفاقية جنيف الرابعة هذه الجريمة من زاوية التدمير للممتلكات الثابتة والمنقولة الخاصة والعامة التي يتسبب فيها إقامة جدران الفصل محذراً سلطات الاحتلال من تداعياته وانعكاساته الخطيرة. كما وأكدت لجنة القانون الدولي التابعة للأمم المتحدة في تعريفها للجرائم المخلة بسلم الإنسانية وأمنها “أن قيام سلطات دولة ما بضم أراضي دولة أخرى يشكل انتهاكاً للقانون الدولي”. وجاءت المادة الثانية من ميثاق الأمم المتحدة لتتكامل مع مبادئ القانون الدولي، حيث طلبت من أعضاء هيئة الأمم المتحدة جميعاً الامتناع في علاقاتهم الدولية عن التهديد باستعمال القوة أو استخدامها ضد سيادة الأراضي أو الاستقلال السياسي لأية دولة أو على أي وجه أخر لا يتفق مع مقاصد الأمم المتحدة.
وقد أصدر مجلس الأمن الدولي في العديد من الوقائع المماثلة لما تقوم به تركيا الآن في منطقة عفرين، قرارات بعدم جواز عمليات الاستيلاء على الأراضي عن طريق القوة العسكرية والحرب، رافضاً ذلك ومؤكداً على أنها تشكل انتهاكات خطيرة لمبادئ القانون الدولي، معتبراً إياها باطلة وفاقدة للشرعية القانونية وتقتضي منح مقاومتها قوة القاعدة الآمرة في القانون الدولي، نظراً لما يشكلها من عدوان وجريمة بحق سلم البشرية وأمنها.
أن من شأن تراخي المجتمع الدولي وتجاهل القوانين والمبادئ والأسس والضوابط.. المتعلقة بمسألة استيلاء دولة على أراضي الغير وضمها إليها بأية طريقة كانت، ومنها القوة العسكرية أو الحرب كما المحاولة التركية التي تجري في منطقة عفرين الآن، خلق توترات وصراعات جديدة في العالم تعرض السلم والأمن الدوليين، اللتين اعتبرتا عند تأسيس الأمم المتحدة بعد الدمار الهائل الذي خلفته الحرب العالمية الثانية إحدى أهم أهدافها، لمخاطر كبيرة لا يمكن لأحد التكهن بنتائجها.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

كفاح محمود حينما كان الرئيس الراحل عبد السلام عارف يُنعى في أرجاء العراق منتصف ستينيات القرن الماضي، أُقيمت في بلدتي النائية عن بغداد مجالسُ عزاءٍ رسمية، شارك فيها الوجهاء ورجال الدين ورؤساء العشائر، في مشهدٍ يغلب عليه طابع المجاملة والنفاق أكثر من الحزن الحقيقي، كان الناس يبكون “الرئيس المؤمن”، بينما كانت السلطة تستعدّ لتوريث “إيمانها” إلى رئيسٍ مؤمنٍ جديد! كنّا…

نظام مير محمدي *   عند النظر في الأوضاع الحالية الدائرة في إيران، فإن من أبرز ملامحها ترکيز ملفت للنظر في القمع المفرط الذي يقوم به النظام الإيراني مع حذر شديد وغير مسبوق في القيام بنشاطات وعمليات إرهابية خارج إيران، وهذا لا يعني إطلاقاً تخلي النظام عن الإرهاب، وإنما وبسبب من أوضاعه الصعبة وعزلته الدولية والخوف من النتائج التي قد…

خالد حسو تعود جذور الأزمة السورية في جوهرها إلى خللٍ بنيوي عميق في مفهوم الدولة كما تجلّى في الدستور السوري منذ تأسيسه، إذ لم يُبنَ على أساس عقدٍ اجتماعي جامع يعبّر عن إرادة جميع مكونات المجتمع، بل فُرض كإطار قانوني يعكس هيمنة هوية واحدة على حساب التنوع الديني والقومي والثقافي الذي ميّز سوريا تاريخيًا. فالعقد الاجتماعي الجامع هو التوافق الوطني…

تصريح صحفي يعرب “تيار مستقبل كردستان سوريا” عن إدانته واستنكاره الشديدين للعملية الإرهابية الجبانة التي استهدفت دورية مشتركة للقوات السورية والأمريكية بالقرب من مدينة تدمر، والتي أسفرت عن سقوط عدد من الضحايا بين قتلى وجرحى. إن هذا الفعل الإجرامي يستهدف زعزعة الأمن والاستقرار، ويؤكد على خطورة الإرهاب الذي يتهدد الجميع دون تمييز، مما يتطلب تكاتفاً دولياً جاداً لاستئصاله. كما يُعلن…