الابداع السياسي … الغائب الأهم في السياسة الكوردية

 أكرم الملا
هناك طريقة في التفكير السياسي لم نمارسها بعد في السياسة الكوردية، ألا وهو الابداع السياسي الذي نعاني نقصاً حاداً منه، لأن جوهر المشكلة الكوردية هو سياسي، والسياسة كما يعلم الجميع هي عبارة عن أفكار وبرامج مشاريع تهم الوطن والمواطن، فاليوم نرى جموداً وتكلساً في الحركة السياسية الكوردية في كوردستان سورية وغياب كامل للحلول الايجابية للمشاكل وخاصة البينية منها، أي بصراحة حالتنا السياسية تتصف بالفقر وقلة واضحة في الابداع السياسي .
كل مجالات الفعل الاجتماعي لا يمكن أن تزهر وتثمر إلا بالإبداع. وكل الانجازات الإنسانية هي نتاج الإبداع ولا شيء غيره. بالنسبة إلى كيفية تمثل المجتمع الكوردي  للإبداع، فهو أضيق من حقيقته الشاسعة: ينحصر الإبداع لدينا في الأدب والموسيقى و ربما الرسم، وغير ذلك من الفنون. في حين أن هذه الحقول الإبداعية، التي تندرج ضمن ما يسمى الثقافة العالمية ليست كل الإبداع. قد تكون الحقول المذكورة هي الأقرب إلى النفس والوجدان والذوق، لكن كل فعل اجتماعي، من المفروض أن يعكس القدرة على الإبداع، لأن الفرد وحده يستطيع الإبداع، ووحده يمتلك حزمة  المعاني الذاتية.
طبعاً الإبداع ليس في متناول الجميع. وليس بالنبتة التي يمكن أن تنمو في أي أرض، مع العلم، أن الإبداع بالمعنى الواسع وغير الصارم يعد شرطاً من شروط حياة أي فرد ومجتمع. ففي حياتنا اليومية نمارس الإبداع يومياً دون أن نشعر، نجتهد من أجل إيجاد حل للمشكلات السهلة والتافهة، والأخرى الكبيرة والصعبة.
إذن الإبداع هو في شكل من أشكاله تقديم إجابة ما وتذليل الصعوبات لمشكلة معينة، وهنا نتساءل عن مدى قدرة قيادات الأحزاب السياسية الكوردية على ممارسة الحد الأدنى من الحلول الحقيقية لا الوهمية. فرجل السياسة الحقيقي هو من يقترح الحلول ويتميز بجرأة التنفيذ والإقدام. فنحن جميعاً ودون استثناء نمنح القياديين والمسؤولين ذلك الكرسي أو المنصب وتلك الامتيازات لأنه – على أساس – أقدر منا على إيجاد الحلول ومعالجة الأزمات الحاصلة.
ولا نظن أن الإبداع السياسي الذي نترقبه هو تلك الخطابات المنمقة لغوياً والمعطرة بأريج الوطنية المزيفة والأناقة التلفزيونية المفرطة التي تبيع الأوهام للجماهير لجرها الى دائرة مصالحه الشخصية، ان كل سياسي يمارس الطقوس المذكورة أعلاه، يعاني من فقر مدقع في الابداع السياسي . 
المفروض أن كل من يقبل بمنصب أو مسؤولية في حزب أو حركة أو أي اطار سياسي رفيع أن يكون صريحاً في مدى قدرته على الإبداع السياسي من عدمها، وذلك كي لا يسارع فيما بعد إلى تبني الاسطوانة المشروخة بعدم امتلاكه العصا السحرية. ومن لا يمتلك هذه العصا فليعرف حق قدره وينسحب من دائرة المسؤولية وحتى من نادي النخبة السياسية.
لا شك في أن الأوضاع السياسية صعبة اليوم في منطقتنا الكوردية وحتى في محطينا، ونحن للأسف لم نتأقلم ونتكيف معها بعد. لكن هذه الصعوبة ذاتها هي التي تفرض علينا عدم القبول إلا بقامات سياسية قادرة على الإبداع السياسي وحتى الاقتصادي والاعلامي، فالمرحلة مرحلة مبدعين وأذكياء، وليست مرحلة عادية ومستقرة وسهلة، والابداع السياسي يكون بالقضاء على البيروقراطية التسلطية في أحزابنا الكوردية التي ما زالت تعرقل حياتنا السياسية وعلى الأخص الحزبية.
صحيح أن السياسة هي فن الممكن، لكنها أيضاً إبداع الحالمين بمجتمعات أفضل. ذلك أن السياسي هو الذي يقدم الحل، وليس دوره تقديم مشكلات مؤجلة في شكل حلول.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين نحن في حراك ” بزاف ” أصحاب مشروع سياسي قومي ووطني في غاية الوضوح طرحناه للمناقشة منذ اكثر من تسعة أعوام ، وبناء على مخرجات اكثر من تسعين اجتماع للجان تنسيق الحراك، وأربعة لقاءات تشاورية افتراضية واسعة ، ومئات الاتصالات الفردية مع أصحاب الشأن ، تم تعديل المشروع لمرات أربعة ، وتقويم الوسائل ، والمبادرات نحو الأفضل ،…

أحمد خليف أطلق المركز السوري الاستشاري موقعه الإلكتروني الجديد عبر الرابط sy-cc.net، ليكون منصة تفاعلية تهدف إلى جمع الخبرات والكفاءات السورية داخل الوطن وخارجه. هذه الخطوة تمثل تطوراً مهماً في مسار الجهود المبذولة لإعادة بناء سوريا، من خلال تسهيل التعاون بين الخبراء وأصحاب المشاريع، وتعزيز دورهم في دفع عجلة التنمية. ما هو المركز السوري الاستشاري؟ في ظل التحديات…

خالد ابراهيم إذا كنت صادقًا في حديثك عن محاربة الإرهاب وإنهاء حزب العمال الكردستاني، فلماذا لا تتجه مباشرة إلى قنديل؟ إلى هناك، في قلب الجبال، حيث يتمركز التنظيم وتُنسج خططه؟ لماذا لا تواجههم في معاقلهم بدلًا من أن تصبّ نيرانك على قرى ومدن مليئة بالأبرياء؟ لماذا تهاجم شعبًا أعزل، وتحاول تدمير هويته، في حين أن جذور المشكلة واضحة وتعرفها جيدًا؟…

عبدالحميد جمو منذ طفولتي وأنا أخاف النوم، أخاف الظلمة والظلال، كل شيء أسود يرعبني. صوت المياه يثير قلقي، الحفر والبنايات العالية، الرجال طوال القامة حالقي الرؤوس بنظارات سوداء يدفعونني للاختباء. ببساطة، كل تراكمات الطفولة بقيت تلاحقني كظل ثقيل. ما يزيد معاناتي أن الكوابيس لا تفارقني، خصوصًا ذاك الجاثوم الذي يجلس على صدري، يحبس أنفاسي ويفقدني القدرة على الحركة تمامًا. أجد…