ثقافة التشرذم في الحركة الكوردية في سوريا

عيسى ميراني
برع محتلو الكورد من الفرس والترك والعرب، في اضطهادهم للكورد في أجزاء كوردستان الأربعة، وكانت النتيجة بوادر اليقظة وتبلور الفكر القومي الكوردي، منذ بدايات القرن العشرين على يد رواد اليقظة القومية، أمثال البدرخانيين وغيرهم الذين وضعوا الأساس المتين لنهضة الكورد وتحررهم من الظلم والطغيان.
 في سوريا تأسست نواةُ حركةٍ قوميةٍ منذ بدايات القرن لكنّها تبلورت كحزب سياسي في عام 1957 تضم في ثناياها أطيافاً متعددة من الأكاديميين والمثقفين والعمال والفلاحين، من بيئات مختلفة، امتداداً من دمشق مرورا بعفرين وكوباني إلى الجزيرة، وزيّنوا الاسم بالديمقراطي، تيمناً بالفكر الديمقراطي حيث اعتقدوا بأنه الفكر والأسلوب الأكثر نجاحاً للوصول إلى الأهداف،
 لكن سرعان ما انتشرت فيه الخلافات، وبرزت إلى السطح، ظاهرة سرطانية نخرت جسد الحزب، الذي كان أملاً لشريحة واسعة من الكورد، وهي ظاهرة (الانشقاق) التي لم تفلح معها كل المعالجات السياسية والتنظيمية، واستمرّت حتى يومنا هذا، ليبلغ حوالي المائة تنظيم من صغير وكبير.
وللإمعان في أسباب هذه الانشقاقات والانشطارات نجد أنه لا يمكن ربطها بخلافاتٍ حول الاستراتيجيات السياسية المعتمدة في برامج وأنظمة الحزب بل هي أحياناً نتيجة تدخُّل السلطات السياسية الحاكمة لإضعافها، والسبب الآخر هو أن هذه التنظيمات منذ تأسيسها كانت محكومة بنزعة فردية تسلطية لا تحوي في جنباتها سوى الديمقراطية الورقية الجوفاء سواء في علاقتها مع الجوار السياسي أو في علاقتها مع منتسبيها من القاعدة حتى قمة الهرم الحزبي، وبسبب هذا الالتفاف على المفهوم الديمقراطي وتغييبه في الممارسة الحزبية حوّلت الحركة السياسية لكورد سوريا إلى تنظيمات مغلقة  مفعمة بالثقافة الاقصائية ونبذ الآخر، تعيد صناعة الولاء والخضوع لأفرادٍ  طغت على عقولهم الأنانية والتسلط، التي ساهمت في  تنامي التشرذم والانشقاقات، وأدت هذه الظاهرة إلى تبلور سلوكيات وأفكار أخرجتها من مفهومها الحقيقي، ليدفعها نحو مفاهيم مخفية، غير ظاهرة للعلن وهي طموح البعض الذي قادتهم الظروف، إلى هرم القيادة بالبقاء في المنصب واعتباره الحزب ملكية فردية سالكاً  كل الطرق والوسائل الملتوية للحفاظ على هذه الملكية الحصرية.
 وأما السبب الآخر الذي طغى في الآونة الأخيرة لا سيما بعد ( 2011) هو  تدفق المال السياسي على بعض الحركة السياسية الكوردية  في سوريا من الجهات المختلفة التي كانت لها يد طولى في حلبة الصراع على الساحة السورية، وأدى ذلك التدفق إلى تحويل الكثير من الشخصيات التي كانت تعقد عليهم الآمال من رجالٍ للسياسة إلى رجال مالٍ وأعمال وبسبب الظروف التي مر بها الشعب الكوردي في سوريا وتأثره بالثقافة المحيطة لم تقتصر هذه الظاهرة على الحركة السياسية فقط بل تجاوزتها إلى الأطر الأخرى (اتحادات – جمعيات – نوادي – منظمات). 
وللخلاص من هذه الظاهرة السلبية لا بد للجميع العمل على  نشر الثقافة ورفع مستوى التعليم وترسيخ الديمقراطية قولاً وعملاً والاطلاع على تجارب الشعوب التي عانت من هذه الآفة الخطيرة، وقطع الطريق أمام كل محاولات الانشقاقات، ووقف دعمها، واعتبار ما تقوم به جريمة بحق الكورد والقضية الكوردية.
 غير ذلك، لن يحظى الشعب بأي مكسب، وسيبقى ابد الدهر خانعاً ذليلاً تعبث به رياح التشتت والتخلف.  

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

خالد بهلوي تحت شعار “وقف العنف والتهجير – العيش المشترك بسلام”، وبمبادرة من مجموعة نشطاء من الشابات والشباب الغيورين، شهدت مدينة إيسين الألمانية يوم 21 ديسمبر 2024 وقفة احتجاجية بارزة للتعبير عن رفض الاحتلال التركي والتهديدات والانتهاكات التي يتعرض لها الشعب الكردي المسالم. الحضور والمشاركة: حضر الفعالية أكثر من مائه شخصً من الأخوات والإخوة الكرد والألمان، إلى…

د. محمود عباس ستكثّف الولايات المتحدة وجودها العسكري في سوريا وستواصل دعمها لقوات سوريا الديمقراطية (قسد) والإدارة الذاتية. تدرك تركيا هذه المعادلة جيدًا، وتعلم أن أي إدارة أمريكية قادمة، حتى وإن كانت بقيادة دونالد ترامب، لن تتخلى عن الكورد، لذلك، جاء تصريح أردوغان بعد عودته من مصر، ووزير خارجيته من دمشق اليوم كجزء من مناورة سياسية تهدف إلى تضليل الرأي…

شادي حاجي المرء لا يذهب إلى طاولة المفاوضات وهو خالي الوفاض وإنما يذهب وهو متمكن وقادر والمفاوض يكشف أوراقه تدريجياً تبعاً لسير العملية التفاوضية فعند كل منعطف صعب وشاق يقدم المفاوض بطريقة أو بأخرى معلومة ولو صغيرة حول قدراته على إيقاع الأذى بالطرف الآخر من أجل أن يكون مقنعاً فعليه أن يسأل عن مقومات الندية والتي تتركز على مسألة القوة…

إبراهيم اليوسف منذ سقوط النظام المجرم في 8 كانون الأول 2024 وتحول السلطة إلى السيد أحمد الشرع، بات السوريون، سواء أكان ذلك في العاصمة دمشق أو المدن الكبرى والصغرى، يتطلعون إلى مرحلة جديدة يتخلصون فيها من الظلم والاستبداد. حيث سنوات طويلة من مكابدات المعذبين في سجون الطاغية الأسد وأبيه كانت كفيلة بتدمير أرواح مئات الآلاف. بعض السجناء أمضوا…