محرقة إدلب بين التأجيل و التعجيل

شاهين أحمد
عادت ” إدلب ” الواقعة في الشمال السوري إلى واجهة الأحداث ، متصدرة المشهد الإعلامي من جديد ، وذلك نظراً لما تمثل هذه المحافظة مع أرياف المحافظات الثلاث – حلب و حماه و اللاذقية – التي تجاورها من موقع هام وخزان بشري هائل وحاضنة لخليط معقد من المعارضات العربية السنية المسلحة المحلية ، والراديكالية الإسلامية الوافدة ، التي رفضت الاستسلام والتسويات التي فرضت على السوريين في العديد من المناطق– شمال حمص والغوطتين والجنوب السوري ومدينة حلب ….الخ. 
وشكل الوجود المكثف لعدد من الفصائل الإسلامية الراديكالية والمرتبطة أغلبها فكرياً وعقائدياً وتنظيمياً بكل من تنظيمي ” داعش والنصرة ” الحجة الدائمة لدى الروس والنظام وحلفائه لإقتحام المنطقة والسيطرة عليها . بداية لابد من الإشارة إلى أن محافظة إدلب هي إحدى مناطق خفض التصعيد الأربعة التي كانت من مخرجات ونتائج ماعرف بـ ” مسار أستانة ” من خلال سلسلة الإجتماعات التي عقدتها كلاً من روسيا وتركيا وإيران في العاصمة الكازاخية ”  أستانة ” والتي بدأت بتاريخ 22 / 1 / 2017 حيث سمي بمؤتمر” أستانة -1″ ثم تتالت المؤتمرات حتى تم في النسخة الرابعة منها والتي عقدت بتاريخ 4/ 5 / 2017 التوقيع على مذكرة تفاهم بشأن إقامة مناطق لتخفيف التوتر في سوريا بناءً على مقترح روسي ، حيث سميت لاحقاً بـ ”  مناطق خفض التصعيد ” ونصت المذكرة المذكورة على : ( ….عقد هدنة لمدة ثلاثة أشهر قابلة للتجديد، مع اقتراح بإنشاء أربعة مناطق لتخفيف التصعيد في محافظة إدلب وشمال حمص والغوطة الشرقية وجنوب سوريا ..). وبتاريخ الـ 14 من أيلول 2017 وفي النسخة السادسة من مسار اجتماعات ” أستانة ” تضمن البيان الختامي فقرة حددت بموجبها مناطق خفض التصعيد في سوريا كإجراء ” موقت لستة أشهر” وفق خرائط وحدود محددة وقوات مراقبة من الدول الضامنة لتثبيت وقف إطلاق النار. وجديرذكره أن مؤتمرات ” أستانة ” بمختلف نسخها كانت تتزامن مع حلقات تهجير قسرية بإسم المصالحات، فمثلا بالتزامن مع  “أستانة-9″ الذي عقد في الـ 14 و 15من أيار 2018 تم تهجير جنوبي دمشق وريف حمص الشمالي، الأمر الذي رحب به مبعوث الرئيس الروسي لشؤون التسوية السورية ألكسندر لافرينتيف بقوله: انضمت منطقتان من مناطق خفض التصعيد إلى المصالحة الوطنية ! وصار بحكم العادة أن يتزامن كل اجتماع من سلسلة إجتماعات أستانة مع موجة تهجير قسري جديدة. ونستطيع القول بأنه من أبرز الثغرات المقصودة التي تركت  في المخرجات الوثائقية لمؤتمرات أستانة كان عدم تحديدها لعدد وأسماء الفصائل والأفراد والكيانات والجماعات المصنفة في قائمة الإرهاب ، وتُرك الباب مفتوحاً أمام الاتهامات لتطال كل من يعترض على التسوية على الطريقة الروسية ، وهو ما حصل فعلاً مع فيلق الرحمن وجيش الاسلام في في الغوطة الشرقية، ولم تسعف الجيش والفيلق المذكورين كل تلك الاتفاقيات المنفردة مع الضامن الروسي، ولا حضورهما لمختلف نسخ أستانة ، ولاحتى قيادتهما لوفود المعارضة التي ترأسها العلوش ” محمد ” الزعيم السابق للجناح السياسي في “الجيش المذكور” . كما أن الثغرات تلك شكلت تحدياً بارزاً أمام الضامن التركي لاحقاً وذلك لجهة عدم قدرته على وقف قصف النظام وحلفائه على المدنيين في تلك المناطق ،ومن جهة أخرى كانت تلك الثغرات حجة قوية بيد كلاً من روسيا وإيران ومعهما النظام في الاستمرار بقصف تلك المناطق بحجة وجود التنظيمات الإرهابية المرتبطة بداعش والقاعدة، كون عملية وقف إطلاق النار وفق تفاهمات أستانة لاتشمل الجماعات الإرهابية ،وبالتالي تفاهمات أستانة من حيث نتائجها شكلت غطاءاً تم استغلاله من قبل النظام وحلفائه لقضم هذه المناطق واحدة بعد أخرى وتحت مسمى ” المصالحات ” وشرعنت فرض الإستسلام على المسلحين والرافضين وتهجيرهم إلى محافظة إدلب وتجميعهم فيها ، ومن جهة أخرى كانت الغاية من مؤتمرات أستانة تهميش المعارضة السياسية من خلال اقتصارها على حضور المعارضات المسلحة ، وما نتج عن ذلك من تبعات سلبية للغاية لجهة إحداث شرخ كبير بين المعارضة العسكرية والسياسية ، ومحاولة ” للقفز والالتفاف ” على مسار جنيف للحل السياسي من خلال جر الفصائل المسلحة إلى إتفاقيات محلية منفردة لسحب البساط من تحت أقدام المعارضة السياسية التي توافقت في إطارالهيئة العليا للمفاوضات. ويسجل لروسيا بأنها نجحت إلى حدٍ بعيد من خلال هذا المسار في زج العسكريين المعارضين في متاهات السياسة ودهاليزها المظلمة كون تلك الفصائل ليست لها علاقة بالشأن السياسي التفاوضي، ولاتمتلك خبرة تفاوضية وليست من أهل الاختصاص في مسار التفاوض وتفسيرالقرارات الأممية ذات الصلة . وما يجري اليوم من عمليات “متزامنة ” سواءً تلك التي تجري في ريف حلب الشمالي بين تركيا والفصائل العسكرية الموالية لها من جهة ، وبين قوات سوريا الديمقراطية وحلفائها من جهة اخرى ، أو مايجرى من قصف من قبل النظام و روسيا على ريف إدلب وأرياف المحافظات المجاورة ، هي عبارة عن نتائج لما تم من تفاهمات في الجولة الأخيرة من ” أستانة ” ، وليست بعيدة عن موضوع تأمين المعابر والطرق التجارية المارة من هذه المناطق ، وربما حلقة في مسلسل معالجة قضية ” إدلب ” كـ آخر منطقة من مناطق خفض التصعيد التي تعتبر ” الثمرة اليتيمة ” الباقية من توافقات مسار أستانة .وبالتالي مايجري لا يمكن فصله عن الاقتتال الذي جري مؤخراً بين هيئة تحرير الشام ” النصرة سابقاً ” وبين حركة نور الدين الزنكي  دون معرفة الجوانب الاقتصادية التي كانت أحد أهم العوامل التي ساعدت في تأجيج الصراع الذي يخفي في أعماقه المستورة صفقات تجارية كبيرة عقدتها الأصلاء وينفذها الوكلاء والأدوات في الميدان وعلاقة كل مايجري بالمعابر وطرق التجارة بين إدلب وأرياف المحافظات التي تجاورها ، وكذلك التجارة الدولية بين تركيا ومناطق النظام والأردن .
ختاماً نستطيع القول بأن البقاء سيكون للفصيل المسلح الذي يتقن دور الشرطي المخلص لتأمين المعابر والطرق التي تعبرها قوافل التجارة الخاصة بكبار اللاعبين المتصارعين على سوريا ، وأن هذا القصف ربما سيشكل تمهيداً لعملية عسكرية أوسع هدفها المرحلي تأمين الطريقان الرابطان بين الحدود التركية وكذلك مدينة حلب من جهة وكلاً من اللاذقية والساحل السوري ، وكذلك دمشق والجنوب السوري والأردن من جهة أخرى . ربما نحن كـ سوريين لم نستوعب بعد أن المصالح الإقتصادية لكبار اللاعبين المتقاتلين – المتوافقين أهم بكثير من دماء السوريين ، وربما من يمتلك الإجابة عن الأسئلة التالية ، ” قد ” يتمكن من رسم تصور لمستقبل المشهد في هذه البقعة الجغرافية من سوريا ، ومن هذه الأسئلة : ماهو مصير التقاربات والتفاهمات والتحالفات بين الدول الضامنة لمسارأستانة ؟. وماهي السيناريوهات المتوقعة لمصير آلاف المسلحين المنتمين للفصائل الإسلامية المصنفة في خانة الإرهاب مثل ” هيئة تحرير الشام ” النصرة ” ومشتقاتها من الحزب التركستاني وحراس الدين ….إلخ ؟. ومامدى تأثير نتائج هذه المعركة إذا وقعت على مسار جنيف للحل السياسي ؟. وإلى أي حد مايجري من قصف للقرى وحرقها بمن فيها له علاقة بالمعابر وطرق التجارة وخاصة الطريقان الرابطان بين حلب وكلاً من دمشق واللاذقية والمعروفان بـ ” M4  و M5 ” والعابران  لريف إدلب ؟. وإلى أي درجة ستتأثر الأوضاع في منطقة عفرين بهذه المعركة ؟. وماهي الأطراف والجهات التي لها مصلحة في وقوع هذه المعركة ؟ . 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…