مفهوم – الشعب – وتطوره التاريخي.. حول رؤية الحركة الكردية للحل الديمقراطي للقضية الكردية


موسى موسى*
لا يكون المرء قريباً أو ملتصقاً بقضايا شعبه ووطنه إلا إذا خصص جانباً من حياته لتلك القضايا، وليس هذا فحسب بل عليه أن يسعى جاهداً لأن يقدم ماهو نافع للقضية، ويدفعها للأمام لترتقي الى مصاف القضايا التي تدخل في اهتمامات الدول المتقدمة ، والمنظمات ، الدولية والإقليمية.

إن قضية الشعب الكردي، في ذلك الجزء الصغير من كردستان، المقسمة نتيجة الاتفاقات الدولية في الحرب العالمية الأولى وما بعدها لم تأخذ أي اهتمام من تلك الدول ، أو المنظمات، كما لم يحاول ولظروف ذاتية وموضوعية أحد من أبنائه حتى التفكير بذلك .

لأن جميع الدروب كانت مغلقة ، أو أغلقت أمامهم، لذلك بقيت تلك القضية بعيدة عن المحافل الدولية ، والإقليمية كقضية منسية، اما ضمن المؤسسات السياسية والدستورية ، والقانونية السورية كقضية ، يجب ان تهمل وتنسى ولو بالقمع.

إلا إذا استثنينا فقط جهود أولئك الأوائل في انشاء أول تنظيم سياسي عصري في نهاية الخمسينات من القرن الماضي، وكذلك جهود السابقين عليهم في انشائهم لجمعيات ، وأندية سياسية وثقافية، واللاحقين عليهم في متابعة العمل التنظيمي الذي سرعان ما انقسم ذلك التنظيم على نفسه حتى لم يصبح بمقدور الانسان المتوسط في وعيه السياسي أن يقف على أسمائها نتيجة تكاثرها السرطاني الذي لم يعتبر في حد ذاته المرض الوحيد الذي فتك بالحركة السياسية الكردية لذلك الشعب، الذي لا حقه ومازال، الكثير من الأضرار، والخسائر، والويلات نتيجة حلقات متسلسلة من الاجراءات بدءاً من التقسيم الذي لحق بالأرض ، والشعب حتى أزيل من ذاكرة قيادة حركتها تسمية مناطقه بكردستان ، أو إقليم كردستان ، أو الاقليم الكردي،_ تلك التسمية التي تفرضها الواقع لكي تقال_ ، إضافة الى دخولهم في مهاترات وصراعات، على تسميات جلهم خاطئون في تفسيراتهم لها (الاقلية- الشعب- الانتفاضة- الهبة الجماهيرية) لعدم استنادهم في تلك التفسيرات على اسس علمية كمقياس لحل تلك الاشكالات فيما بينهم.

ومن تلك التسميات الخاطئة والتي امتدت منذ الستينات من القرن الماضي الى اليوم،هو مصطلح الشعب، الذي يعتبره حزب آزادي الكردي في سوريا في رؤيته من أجل الديمقراطية وحل القضية الكردية على اعتبار إن
ذلك المصطلح يشمل الأرض التاريخية أيضاً، وكذلك ما جاء في الرؤية المشتركة للجبهة والتحالف الكرديتين في سوريا (الوجود الكردي القومي) ذلك المصطلح الذي يراد- ففي حقيقته- مصطلح الشعب، الذي أورده حزب  آزادي.

ولكن التفسير الصحيح _في المحافل الدولية _ للمصطلح يشير بأن الحركة الكردية في سوريا بأجمعها وبدون استثناء لا تعترف بالوجود الأصلي للشعب الكردي رغم أنها لاتقصد ذلك.

فمن خطبها وبياناتها وأدبياتها يلاحظ  المرء بكل وضوح ،بأن الشعب الكردي يعيش على أرضه التاريخية، ولكن الخطأ في الاستعمال السليم للمصطلح  جعل التناحربين أطراف الحركة يصل في بعض الأحيان الى أوجها، وامتد ذلك التناحرالى غالبية الكتاب، والمثقفين ، وأبناء الشعب الكردي دون أن يقف أحد منهم على المصطلح السليم الواجب استخدامه في خطابهم السياسي.

ولذلك وددت الوقوف على كلمة أو مصطلح الشعب، عسى أن تجد فيه الحركة الكردية ضالتها وتتخذ منه حلاً ليتلافى بذلك إحدى الإشكالات الكبرى فيما بينها على الأقل بشأن ذلك المصطلح.

القرآن الكريم ومصطلح الشعب: هناك تفسيرات مختلفة لكلمة الشعب  ولكن مايعنينا هو كلمة الشعب كمصطلح اجتماعي سياسي، فقد جاءت تلك الكلمة في سورة الحجرات من القرآن الكريم :

وقد جاء في تفسير الجلالين: ان الشعب بفتح الشين هو أعلى طبقات النسب، وتأتي دونها القبائل ومن ثم العمائر والبطون والأفخاذ ثم الفصائل.

ويقوم الزمخشري ان الشعب يعتبر الطبقة الاولى من الطبقات الست التي عليها العرب.

وقد سميت الطبقة الاولى بالشعب لان  القبائل تتشعب منها، وقال بعضهم، ومازال القول للزمخشري،ان كل  جماعة من الناس كثيرة ترجع الى اب مشهور بأمر زائد هي شعب.

اليونان القديمة ومصطلح الشعب :

ان كلمة الديمقراطية التي ما زالت تفسر من خلال اشتقاقها اللغوي هي يونانية الاصل ، وتعني حكم الشعب، ذلك الحكم الذي كان يمارسه الشعب بنفسه ولنفسه ،وتشير كافة الكتابات المتوفرة عن تلك الفترة بانه كان هناك فئات مستبعدين عن المشاركة في الحكم ، ألا وهم النساء والعبيد  ،ورغم ان الديمقراطية ، اي حكم الشعب ،هي من ابتكار اليونان القديمة، الا ان مفهوم الشعب بقي ضيقاً على ما هو عليه الان ، حيث لم  يكن العبيد  بالضرورة أجانب ،حيث لم يستبعد ان يكونوا   يونانيين (اثنيين) أصلاء ،  أما النساء _ فباستثناء الاجانب منهن _اليونانيات الاصل ايضاً كن مسبعدين من الاشتراك بالحكم ، حيث كانت العبودية،  والجنس النسوي  مستبعدين من دائرة الشعب انذاك ، ومايقال عن اليونان القديمة ، يقال عن الرومان ايضاً ،وبالاضافة الى العبودية التي نتجت أغلبها من الحروب والغزوات ،ظهر نظام الرق ايضاً من الفلاحين، كما ان اكتشاف امريكا وبعض مناطق افريقيا من قبل الاوربيين، عمدوا الى صيد الافارقة والسيطرة عليهم واستعبادهم في تشغيلهم والتجارة بهم ،لذلك كله كافح المفكرون والفلاسفة في سبيل الغاء العبودية والرق واحترام الانسان وحصوله على حقوقه ، منهم مونتسكيو و فولتير و جان جاك روسو ، وبنضالهم هذا لم يتسع فقط  دائرة الشعب ليشمل النساء ، والعبيد ، والرق  لا بل تم  الغاء العبودية والرق، وتمتعوا جميعاً بالكثير من حقوقهم .

القانون العام ومصطلح الشعب: إذا ما نظرنا الى الدولة من حيث ماهيتها وأركانها، نرى بأن هناك تطابقاً بين مفهوم الشعب ومجموعة الأفراد الذين يعيشون على إقليم معين _لا يشترط أن يكون أرضاً تاريخية لهم _ تحت سلطة هيئة حاكمة ذات سيادة تتولى شؤون المجموعة وعليها يعتبرون الشعب أو مجموعة الأفراد ركناً من أركان الدولة الثلاث.
ويطلق على هذه المجموعة من الأفراد اسم شعب الدولة وعلى كل الأفراد المكونين لها اسم رعايا الدولة، بصرف النظر عن أصلهم أو لغتهم أو دياناتهم أو تقاليدهم.

وغالباً ما يسود بين أفراد الشعب انسجاماً وتوافقاً نابعين من عوامل الجنس ،واللغة ،والدين وغيرها .إلا أن هذا لا يعد قاعدة عامة ،ولا شرطاً أساسياً لازماً لقيام ركن الشعب، بمعنى أن هناك رابطة احساس داخلية بوجود نوع من التقارب، قل أو كثر، بين أفراد الشعب وقد يكون ذلك التقرب الانتماء الى الدولة، ، أي أن الأرض ليست هي الرابطة التي تجعل من الذين يعيشون عليها شعباً واحداً، بمعنى أن كلمة الشعب تنصرف على مجموعة الأفراد تربطهم علاقة خارجة عن الأرض، ويرى الكثير من الفقهاء أن وجود الشعب كركن من أركان الدولة يعد ظاهرة طبيعية، وسياسية.

فالجانب الطبيعي منها لا يتصور قيام دولة دون وجود أفراد على أرض معنية .
أما الجانب السياسي فهو خضوع هؤلاء الافراد لنظام سياسي معين.

وهذه الظاهرة بوجهيها الطبيعي (أي الوجود) والسياسي (أي الخضوع لنظام سياسي) يحقق
ركن الدولة (الشعب) ولكن قد تتوفر ظاهرة أخرى وهي الظاهرة الاجتماعية أي ارتباط أفراد الشعب مع بعضهم معنوياً بالاستناد على أسس ومقومات مشتركة كالأصل ،والدين ،واللغة ،والتاريخ ،والعادات ،والذكريات ،والأرض المشتركة والآمال.

وهذه المقومات تختلف من فقيه الى آخر.

فبتوافر هذه الظاهرة نكون أمام أمة ، أي يصبح الشعب أمة.

لكن واقع التجزئة التي قسمت كردستان لا ينفي وجود الأمة الكردية، ولذلك يتوجب على الحركة الكردية أن تراعي هذا الجانب في برامجها وخطاباتها أي ادراج (الامة الكردية) في المواقع المناسبة من برامجها.

المدلول الاجتماعي والسياسي للشعب: لمصطلح الشعب –كركن من أركان الدولة- مدلولان :
أحدها اجتماعي ويقصد به مجموع الأفراد المتمتعين بجنسية دولة ما ليشمل بذلك الرجال، والنساء ،والشيوخ ،والاطفال- العقلاء والمجانين المتمتعين بالحقوق السياسية والمحرومين منها لسبب ما، أي كل رعايا الدولة.
والثاني: سياسي ويقصد به المتمتعين بالحقوق السياسية ومباشرتها –أي جمهور الناخبين- فهذا المدلول أضيق من المدلول الاجتماعي، حيث لا يضم المدلول السياسي
للشعوب سوى من لهم الحق في مباشرة الحقوق السياسية، وعلى ذلك يستبعد من الشعب السياسي المجانين والمساجين والأطفال أي كل من لم يستطع أن يمارس حقوقه السياسية لسبب من الأسباب.

وعلى ذلك الأساس قد يكون الشعب خليطاً من قوميات متعددة لا يتكلمون بلغة واحدة، أو يدينون بدين واحد، بمعنى أن الشعب هو مجموعة الأفراد الذين يقيمون على أرض معينة والتي تتألف الدولة منهم.

ان مصطلح الشعب متحرك يتسع ويضيق في امتداداته ، ويتوقف ذلك الامتداد على عوامل عدة ، منها الافكار المتقدمة ، والمتحررة ، والنضال ،وعامل القوة .

القانون الدولي العام والانساني ومصطلح الشعب:

كثيرة هي الصكوك الدولية بصورة معاهدات ،أو اتفاقيات ،أو بروتوكولات عنيت بالشعوب الأصلية وسنقتصر على تعداد بعضها:
1- الإعلان العالمي لحقوق الانسان لعام 1948.
2- اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية ،والمعاقبة عليها لعام 1951.
3-العهدان الدوليان للحقوق المدنية ،والسياسية،والاقتصادية، والاجتماعية ، والثقافية لعام1966 .
4- اعلان وبرنامج عمل المؤتمر الدولي للسكان والتنمية لعام 1994.

حيث جرى الاتفاق فيه على وجوب النظر الى حاجات الشعوب الأصلية في تعميم برامج السكان ، والتنمية ،والبيئة التي تؤثر عليهم .

كما نص الإعلان على احترام الحكومات لثقافات السكان الأصليين ،وأن تمكنهم من حيازة أراضيهم ،وإدارتها ،وحماية مواردهم الطبيعية ونظمهم الايكولوجية التي تعتمد عليها المجتمعات الأصلية لبقائها ورفاهها .
5- الإعلان الأمريكي المقترح بشأن حقوق السكان الأصليين لعام1997حيث يغطي ذلك الإعلان _المقترح بشأن حقوق السكان الأصلية ،الخطوط العامة لحقوق الانسان المتصلة بالسكان الأصليين بما في ذلك حقهم في الحكم الذاتي ، وتطبيق القوانين الخاصة بهم ، وتنمية هويتهم الثقافية .
لكن أشمل وثيقة فيما يتعلق بحقوق الشعوب الأصلية هي مشروع اعلان الامم المتحدة بشأن حقوق الشعوب الأصلية الذي يقر بالحقوق الثقافية التقليدية، والهوية، والتعليم ،والتوظيف ،والصحة، والحقوق ذات العلاقة بالدين ،واللغة ،وحماية حقهم في الملكية العامة للأرض .
والشعوب الأصلية هي تلك التي أقامت على الأرض قبل أن يتم السيطرة عليها بالقوة من قبل الاستعمار ،وتعتبرنفسها متميزة عن القطاعات الأخرى من المجتمعات السائدة الآن على تلك الأراضي .
ووفقاً لتقرير لجنة حماية وتعزيز حقوق الانسان إن المجتمعات والشعوب،والأمم الاصلية : هي تلك التي قد توفرت لها استمرارية تاريخية في مجتمعات تطورت على أراضيها قبل الغزو، وقبل الاستعمار ،وتعتبر نفسها متميزة عن القطاعات الأخرى من المجتمعات السائدة الآن في تلك الأراضي ،أو في أجزاء منها ، وهي تشكل في الوقت الحاضر قطاعات غير مهيمنة في المجتمع وقد عقدت العزم على الحفاظ على أراضي أجدادها ، وهويتها الاثنية، وعلى تنميتها، وتوريثها للأجيال القادمة، وذلك باعتبارها أساس وجودها المستمر كشعوب وفقاً لأنماطها الثقافية، ومؤسساتها الإجتماعية، ونظمها الثقافية الخاصة بها .
وبهذا يكون الفرق واضحاً بين الشعب ، والشعب الأصلي الذي يعتبرمنه الكرد في سوريا .
كما وتنص المادة (32)  من الاتفاقية رقم 169  بشأن الشعوب الأصلية والقبلية في البلدان المستقلة والتي اعتمدها المؤتمر العام لمنظمة العمل الدولية في 27حزيران 1989 تاريخ النفاذ 1991 في دورته السادسة والسبعين بأنه: تتخذ الحكومات تدابير مناسبة بما في ذلك التدابير الناشئة عن الاتفاقات الدولية لتسهيل الإتصال ، والتعاون فيما بين الشعوب الأصلية، والقبلية عبر الحدود بما في ذلك الأنشطة في الميادين الإقتصادية، والاجتماعية ،والثقافية ،والروحية ،والبيئية …

وعليها يعتبر الأكراد ضمن الحدود الدولية الحالية لسوريا من الشعوب الأصلية ، وان اقتصار برامج الحركة السياسية الكردية في سوريا على مصطلح الشعب الكردي ،لا يتضمن أرضه التاريخية، فالمطالبة بالإعتراف أو الإقرار الدستوري بوجود الشعب الكردي لا يتضمن أي معنى سوى مجموعة الأفراد تربطهم بعض المقومات والتي لا يكون الأرض بالضرورة إحداها ، لأن الشعب الكردي كأفراد  موجودون، ولا خلاف على ذلك ،ولكن لكي يفهم وجوده على أرضه التاريخية، أو التقليدية يجب أن تصاغ كما يلي:
( الاقرار الدستوري بالوجود الاصلي للشعب الكردي ).

———
* دراسات عليا في القانون العام

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

خالد بهلوي تحت شعار “وقف العنف والتهجير – العيش المشترك بسلام”، وبمبادرة من مجموعة نشطاء من الشابات والشباب الغيورين، شهدت مدينة إيسين الألمانية يوم 21 ديسمبر 2024 وقفة احتجاجية بارزة للتعبير عن رفض الاحتلال التركي والتهديدات والانتهاكات التي يتعرض لها الشعب الكردي المسالم. الحضور والمشاركة: حضر الفعالية أكثر من مائه شخصً من الأخوات والإخوة الكرد والألمان، إلى…

د. محمود عباس ستكثّف الولايات المتحدة وجودها العسكري في سوريا وستواصل دعمها لقوات سوريا الديمقراطية (قسد) والإدارة الذاتية. تدرك تركيا هذه المعادلة جيدًا، وتعلم أن أي إدارة أمريكية قادمة، حتى وإن كانت بقيادة دونالد ترامب، لن تتخلى عن الكورد، لذلك، جاء تصريح أردوغان بعد عودته من مصر، ووزير خارجيته من دمشق اليوم كجزء من مناورة سياسية تهدف إلى تضليل الرأي…

شادي حاجي المرء لا يذهب إلى طاولة المفاوضات وهو خالي الوفاض وإنما يذهب وهو متمكن وقادر والمفاوض يكشف أوراقه تدريجياً تبعاً لسير العملية التفاوضية فعند كل منعطف صعب وشاق يقدم المفاوض بطريقة أو بأخرى معلومة ولو صغيرة حول قدراته على إيقاع الأذى بالطرف الآخر من أجل أن يكون مقنعاً فعليه أن يسأل عن مقومات الندية والتي تتركز على مسألة القوة…

إبراهيم اليوسف منذ سقوط النظام المجرم في 8 كانون الأول 2024 وتحول السلطة إلى السيد أحمد الشرع، بات السوريون، سواء أكان ذلك في العاصمة دمشق أو المدن الكبرى والصغرى، يتطلعون إلى مرحلة جديدة يتخلصون فيها من الظلم والاستبداد. حيث سنوات طويلة من مكابدات المعذبين في سجون الطاغية الأسد وأبيه”1970-2024″ كانت كفيلة بتدمير أرواح مئات الآلاف. إذ إن بعض…