أكرم الملا
هناك التباس وخلط كبير بين المفاهيم السياسية يعود في أساسه الى استسهال العمل السياسي دون معرفة ماهية السياسة، السياسة لا تقر بالثوابت والمفاهيم الوطنية المبسترة، في السابق ما حط وقلل من منزلة السياسي كانت العلاقات مع أجهزة أمنية داخلية وخارجية أما في أيامنا أصبح السياسي يعلن عن علاقته بهذه الاجهزة بكل فخر ويصرح بأن هذه العلاقات في خدمة الأهداف الوطنية.
قواعد اللعبة السياسية تغيرت ولم تعد كما كانت صارمة، ويفرضها صناع السياسية الدولية وليس المؤدين لها خاصة في منطقتنا وداخل حركاتنا وأحزابنا السياسية، صناعة السياسة أو بالأحرى الصناعة السياسية أصبحت مسوقة أكثر وصالحة لكافة الظروف والمناخات السياسية، فالنموذج السياسي السيئ يروج له الاعلام الديماغوجي الشمولي باعتباره الأفضل والأحسن، ويسوقه كبضاعة للجمهور الغير واعي ومن ناحية أخرى يتم ابعاد وتهميش السياسي الجيد من السوق السياسية حتى لو حصل على تأييد النخب الثقافية والمتعلمة.
القبول بقواعد اللعبة السياسية شرط مهم بل أساسي لممارسة مهنة السياسة، فالاحتراف السياسي ليس موهبة ولا خبرة سياسية مكتسبة. إنها لعبة مميزة وخاصة، تمتلك شروطها وقواعدها، حيث المحترف السياسي قادر على التمييز بين القواعد السياسية والمهارة السياسية، فالقواعد لايمكن خرقها تحت أي ظرف كان وبأي شكل كان وخرق القواعد السياسية عمل يُعاقب عليه، أما المهارة السياسية فهي طرق وأساليب خرق قواعد اللعبة السياسية، السياسي الملم والعالم بقواعد اللعبة السياسية، هو الوحيد القادر على خرقها دون أن يتعرض للعقوبة اللازمة.
السياسي المحترف ليس فقط من يجيد بمهارة قواعد اللعبة السياسية وحسب، بل الذي يكون قادراً على كبح جماح حركة السياسيين المناوئين له وحتى أقرانه والتقليل من أهمية مقترحاتهم السياسية وإن كانت صائبة، أن ينال السياسي موقعاً ما في هرم السلطة ليس من الضرورة على الاطلاق أن يؤمن بكافة سياساتها على الرغم من أنه ملزم بتطبيق وتنفيذ قواعد اللعبة السياسية.
ويقول كولن باول (وزير دفاع أميركي سابق ) : ” تعرفون ما أُؤمن به وتعرفون أيضاً أني عاجز عن فعل أي شيء ومضطر لتنفيذ سياسات هؤلاء الحمقى “.
إن الادعاء وبصوت عال بالمبادئ السامية شيء والالتزام بها في الواقع شيء آخر على الاطلاق، فالقاعدة العامة في اللعبة السياسية لاستقطاب الجماهير الغير واعية، هي رفع الشعارات الوطنية والنزاهة المثالية وحماية الشرف والدفاع عنه وهذه المفاهيم في أساسها عاطفية تدغدغ مشاعر الجماهير، لذلك تنفذ بسلاسة وبسهولة في لا وعي الجماهير، ومن قواعد اللعبة السياسية، طالما أنت ليس في السلطة فبإمكانك أن تتهم المناوئين لك جزافاً، وتصبح القاعدة معكوسة حين تكون أنت في السلطة والمناوئين خارجها. كيل التهم ورميها والطعن والتجريح السياسيين هي أساليب يقوم بها طرفا المعادلة السياسية ( السلطة والمعارضة ) وبما أن هناك التباس في مفهوم الوطنية مبني على قاعدة رخوة تحمل أكثر من شرح وتفسير، فلا بد من إعادة تدقيق المفاهيم السياسية ومنها مفهوم الوطنية التي تحت شعاراتها ويافطاتها والمزايدات السياسية حولها ترتكب أبشع الجرائم السياسية.
صناعة السياسي، إطلاؤه بطلاء الوطنية و المدافع النزيه عن الشرف والكرامة وتنظيف سجل تاريخه الملوث لمنحه سمعة طيبة وتاريخ لامع يعد من متطلبات السوق السياسي وأصول التجارة فيه. فقواعد اللعبة السياسية الصارمة، وخاصة في هذا العصر السياسي الذي نعيشه، لا تسمح بوصول سياسي إلى قمة السلطة دون أن يكون حاملاً معه ترخيص من ماركة سياسية عالمية معترف بها في سوق السياسة الدولية. ولا يمكن الترويج لبضاعة مجهولة المنشأ والمحتويات، دون معرفة صلاحيتها للاستهلاك السياسي وشروط تخزينها في مستودعات شركات السياسة الدولية.