غربي كوردستان وعسكرة المجتمع

دلكش مرعي
 
   لقد ظهر نظام الخدمة العسكرية الإجبارية في هذه المنطقة منذ عهد – حمو رابي – وبعد حمو رابي  ظهر هذا النظام  في مدينة سبارتا اليونانية – التي تعتبر نظامها العسكري حسب الباحثين // الأول تاريخياً في العالم على المستوى التنظيمي والتعبوي والفكري // 
  . وفي منطقتنا ظهرت المؤسسة العسكرية في العديد من دول المنطقة منذ منتصف القرن الماضي وهي التي أنتجت معظم الأنظمة المستبدة والدكتاتورية التي سيطرت على السلطة عبر الانقلابات العسكرية وقد تحولت إلى مؤسسة قمعية استخباراتية مرعبة تقمع الشعوب وتقيد الحريات وتنهب الثروات وتأله سلطة الحاكم وتمعن في إركاع الشعب, ولم تبقي هذه المؤسسة أي سلطة لسيادة القانون أو الدستور أو القضاء المستقل بل هي ذاتها كانت تمثل كل ذلك ..
 فلم يكن لمسؤولي الدولة مثل الوزراء والمحافظين أو البرلمانيين وغيرهم من المسئولين أي دور في حياة المجتمع.. بل كانت سلطة  المؤسسات سلطة شكلية ويتم التعين فيها من قبل الأجهزة الأمنية أو من رأس النظام وتأمر بأوامرها, وعبر هذه السيطرة وتدخل الجهات الأمنية في جميع مفاصل الحياة ظهرت ظواهر شاذة وغريبة من بينها الصراع المحموم حول من يكون الأقرب للطاغية والولاء له عبر إطلاق شعارات بالروح بالدم نفديك وإلى الأبد وغيرها من الشعارات المعروفة … زد على ذلكً كان هناك تقييد وسحق لأي معارضة تخرج خارج سياسات هذه الأنظمة وأدى كل ذلك إلى تدني مستوى الحالة الاقتصادية والعلمية ومؤسسات المجتمع المدني, وإلغاء وتعطيل شبه تام للحالة السياسية إلا للأحزاب الانتهازية التي تطبل وتزمر لتلك الأنظمة والتي كانت تطمع في حفنة من فتاته ورافق كل ذلك الفقر والرشوة والفساد والتخلف الحضاري… 
ومن يدقق النظر سيلاحظ بأن البيدا بدأت تكرس ممارسات مشابه في غربي كوردستان, فالذي يدير شؤون الناس هم الكوادر العسكرية وقادتها..  أما الوزراء والرؤساء والقضاة والمؤسسات المدنية فجميعها مجرد ديكورات وغطاء لسلطة هؤلاء وهذه المؤسسات لا تمتلك أية صلاحية للتصرف في الشأن الاقتصادي أو الخدمي أو القضائي أو السياسي أو الجنائي وبقية الشأن العام .. 
 أما الحياة السياسية التي كانت شبه معطلة في عهد النظام فقد ازدادت تعطلاً .. وظهرت مع هذا الواقع طبقة انتهازية فاسدة كانت تعيش في فقر مدقع وحالة من الإفلاس الاجتماعي, أصبحت الآن تمتلك الملايين والشقق والسيارات الفخمة على حساب دماء الشهداء الذين كان هدفهم تحقيق حقوق وحرية وكرامة هذا الشعب.. وحتى لا يختلط الأمر فالعسكر لهم وظيفة مقدسة تكمن في الحفاظ على حماية أمن الوطن والمواطن أما الإدارة الذاتية فتحتاج مؤسساتها إلى – شريحة مختصة – وسيادة للقانون – وقضاء مستقل ونزيه – كي تستقيم الأمور

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

صلاح بدر الدين تدعو الكاتبة سميرة المسالمة، في مقالها “مواطنون في دولة سورية… لا مكوّنات ولا أقليات” (“العربي الجديد”، 22/12/2025)، إلى “مجتمع من المواطنين… يتحرّرون من الإرث الثقيل الذي خلفه النظام الأسدي باستعادة دورهم ذواتاً فاعلةً، وبناء الثقة المتبادلة فيما بينهم، من خلال تعريف أنفسهم شعباً واحداً لا مكوّناتٍ ولا أقلياتٍ متفرّقة، وتعزيز هُويَّتهم مواطنين لا رعايا”. وتضيف: “فالجماعات الإثنية،…

صلاح عمر في لحظة يفترض أن تكون مكرّسة لرأب الصدع الوطني، وإعادة بناء ما دمرته سنوات الحرب والاستبداد، يطلّ خطاب الكراهية من جديد، أكثر حدّة ووقاحة، موجّهًا هذه المرّة ضد الكورد في سوريا، كأن التاريخ لم يعلّم أصحابه شيئًا، وكأن البلاد لم تدفع بعدُ ما يكفي من الدم والخراب. هذا الخطاب ليس عابرًا، ولا مجرد انفعالات على منصات التواصل أو…

د. محمود عباس ما نشرته واشنطن بوست البارحة، 23/12/2025م، تحت عنوان (كيف تسعى الأنشطة الإسرائيلية السرّية في سوريا إلى عرقلة حكومتها الجديدة) لم يكن كشفًا صحفيًا، بل إعادة تدويرٍ لتهمةٍ قديمة تُستحضر كلما اقتربت لحظة تسوية كبرى على حساب الشعوب. التهمة الجاهزة، الكورد والدروز أدوات إسرائيل. والحقيقة الأوضح، لا وجود لعلاقة سرّية ولا مشروع تحالف خفي، بل هناك تهمة سياسية…

بنكين محمد في النزاعات المعقّدة، لا تقلّ خطورة الرواية عن الرصاصة، ولا يكون التلاعب بالصور والكلمات أقل فتكًا من القصف. ما شهدناه خلال الأيام الأخيرة في التغطيات الصادرة عن بعض القنوات العربية الكبرى، وعلى رأسها #العربية و#الحدث و#الجزيرة، لا يمكن توصيفه بوصفه “اختلافًا في الزوايا”، بل انحرافًا سياسيًا وإعلاميًا عن معايير المهنية الدولية. لقد جرى تسويق رواية مضلِّلة تتهم الكرد…