الكورد وانتخابات البلديات التركية

جان كورد
توجه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان البارحة بالشكر للناخبين في تركيا عامةً وللكورد منهم خاصةً، لعلمه بأن أحد  دعائم انتصاراته الماضية وفي يوم البارحة والمراحل القادمة ربما، هو انتخاب الكورد لمرشحي حزبه، وبالفعل لو اجتمع كل سياسيو الكورد جميعاً في حزبٍ واحد وشاركوا في الانتخابات التركية لفاز حزب السيد أردوغان لجملةٍ من الأسباب، حتى لو قصفت طائرته الأرياف الكوردية في الأيام السابقة للإدلاء بالأصوات، فما السر في ذلك؟ 
يجدر بنا القول قبل ذلك بأن السياسة المتبعة كلاسيكياً من قبل الأحزاب العنصرية والحكومة والجيش والجندرمة في سائر المناطق الكوردية لا زالت مستمرة، من تحريضٍ ضد المرشحين الكورد وتكتلاتهم السياسية، من منعهم عن التمتّع بحقهم في الدعاية الإعلامية في الأقنية التلفزيونية، من تهديد المواطنين، واتهام  المعارضين بالإرهاب وبإجراءاتٍ قاسية بحقهم في حال نجاحهم، ومن التزوير والتحوير وإلغاء أصوات الناخبين وقطع الطريق عليهم كيلا يصلوا إلى صناديق الاقتراع، وسائر الوسائل التي يتعرّض لها الكورد على وجه الخصوص قبيل وفي أيام الانتخابات. إلا أن المواطنين الكورد تدفقوا إلى مراكز التصويت رغم معرفتهم التامة باللا ديموقراطية السائدة في مدنهم ومناطقهم، وهذا دليلٌ على إيمانهم بأن الديموقراطية ولو كانت مريضة وناقصة فإنها أفضل من الحرب والنزاعات المسلّحة وأملهم في انتخاباتٍ قادمة عساها تكون أفضل من ناحية المساواة بين الأطراف السياسية المتنازعة في البلاد، إعلامياً على الأقل.
ولكن لماذا يدلي عددٌ كبير من المواطنين الكورد، سواءً في المناطق الكوردية أو خارجها لحزب السيد أردوغان؟
بالتأكيد يلعب الشحن الديني الذي يقوم به السيد أردوغان قبل كل انتخاب هو أحد الأسباب الرئيسة في ذلك، فإن غالبية الشعب الكوردي في شمال كوردستان لا زالت متمسكة بالدين، وذلك لأنها وجدت في الدين القوقعة الأقسى لها وملجأها الوحيد في مواجهة الطورانية-الأتاتوركية لعقودٍ طويلة من الزمن، ولأنها كانت تجد الأحزاب “اليمينية” في صف أعداء الدين، فلم تدعمها إلا تحت الضغط والإكراه، فوجدت في حزب السيد أردوغان أتراكاً يرتادون المساجد ويتحدثون عن الدين ويمارسون بعض شعائره على الرغم من أن تركيا لا زالت عضواً في حلف النيتو،  فأدلى عدد لايستهان به من الكورد بصوته لصالح فوز مرشحين أتراك وكورد لهم  لحى جميلة ناعمة ويجيدون سرد الأحاديث والأدعية الدينية ويتبركون بالمزارات، في حين أن هذا المواطن المتدين لم يجد الشيء الذي يحب سماعه بين صفوف الحركات الكوردية، على الرغم من أنها أقرب إليه من ناحية القومية واللغة وهم على الأغلب مسلمون مثله أيضاً، فالخطاب الكوردي السياسي في عداءٍ للدين بشكل ظاهر. وهذا دليل ضعفٍ لقيادات الكورد التي تسعى على الدوام لإظهار نفسها: اشتراكية وديموقراطية وملحدة وماركسية وفوق القومية بل وشيوعية أيضاً. فيتسّع الخرق بينها وبين شعبها المؤمن بالدين في غالبيته، سواءً أكان مسلماً أو على دينٍ آخر. فالدين كان أحد أسلحة زعماء الكورد القدامى، إلاّ أن الجدد منهم ينأون بالنفس عن الظهور أمام شعبهم بمظهر المتدين. وهذه كارثة في الانتخابات وبعدها في كل مرة. 
النفعية لدى الاختيار بين المرشحين: بعضهم يقول لنفسه ولمن حوله: إذا كان مندوبنا أو رئيس بلديتنا من الحزب الحاكم فإنه سيقدّم لنا شيئاً ما من الانجازات والمصالح، فماذا نستفيد من مرشحٍ لا يستطيع فرض إرادتنا على الحكومة وملحقاتها في مناطقنا، وهنا تلعب المصالح الشخصية والعلاقات الأسرية والعشائرية دورها بشكلٍ صارخ، فالناس تنتخب الأقوى ويعني ذلك مرشح الحكومة وحزب الحكومة. 
ومن الناس في كوردستان من يقول: هل سيمنحنا حزب كوردي ذات الحقوق الديموقراطية أثناء الانتخابات، ام سيكون تعيساً لا يفكّر سوى بمصلحته الحزبية الضيقة؟ وهم يرون ماذا يجري في غرب كوردستان من اقصاءٍ تام لمعظم فصائل الحركة الكوردية من قبل القوة السائدة هناك.
وبعضهم يذهب إلى أبعد من هذا فيقول: طالما الحزب الكوردي لا يعتبر نفسه كوردياً وليس له طموح قومي كما نراه لدى حزب الشعوب الديموقراطية في شمال كوردستان وأمثاله في أجزاء كوردستان الأخرى، فلماذا أمنح صوتي الانتخابي لهكذا أحزاب تتنكّر لحقي القومي على أرض وطني، بمعنى: ما الفارق بينها وبين حزب السيد أردوغان الذي نجح في مجالات عديدة حتى الآن؟ 
وهكذا نجد الصف الانتخابي في شمال كوردستان، منقسماً على نفسه في طوابير متنازعة، في حين كل الأحزاب التركية تدافع مثل بعضها عن قضاياها القومية وكلها تعادي الكورد مع ممارسة استغلالهم انتخابياً كل مرة، وبعد الانتخابات يجد غير المحظوظين من المرشحين أنفسهم ضحايا دعايات ومزاعم غير واقعية لزعماء أحزابهم وتكتلاتهم الكوردية، فيذهبون بعد ذلك للانتساب إلى أحزاب تركية ويشرعون في الدعاية لها بين شعبهم الكوردي، ويجدون حزب السيد أردوغان، الحاكم القوي، أقرب إليهم من الأحزاب التركية الكلاسيكية، فيصبحون جزءاً من الجوقة الإعلامية والدعائية لحزب السلطة، ولا تنفع صرخات الكورد التي تعلو وتقول لهم : إلى أين يا خونة الكورد؟ أو ياخونة الأمم الديموقراطية!!! فلا يسمع أحدٌ ما يقال وتتوالى الانتخابات التركية بهذا الشكل كما في البارحة وبالنتائج ذاتها ستنتهي… وتعود حليمة إلى خيمتها من دون حمّص وفول، كما قال الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي عن الكورد يوماً. 
   ‏02‏ نيسان‏، 2019  
  kurdaxi@live.com

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف منذ سقوط النظام المجرم في 8 كانون الأول 2024 وتحول السلطة إلى السيد أحمد الشرع، بات السوريون، سواء أكان ذلك في العاصمة دمشق أو المدن الكبرى والصغرى، يتطلعون إلى مرحلة جديدة يتخلصون فيها من الظلم والاستبداد. حيث سنوات طويلة من مكابدات المعذبين في سجون الطاغية الأسد وأبيه كانت كفيلة بتدمير أرواح مئات الآلاف. بعض السجناء أمضوا…

شكري بكر هذا الموضوع مطروح للمناقشة قد يؤدي بنا للوصول إلى إقامة نظام يختلف عما سبقونا من سلاطين وحكام وممالك وما نحن عليه الآن حيث التشتت والإنقسام وتبعثر الجهود الفكرية والسياسية والإقتصادية والعمل نحو إقامة مجتمع خال من كل أشكال الصراع وإلغاء العسكرة أرضا وفضاءا التي تهدر 80% من الإقتصاد العالمي ، إن تغلبنا على هذا التسلح يمكن…

إياد أبو شقرا عودة إلى الموضوع السوري، لا بد من القول، إن قلة منا كانت تتوقّع قبل شهر ما نحن فيه اليوم. إذ إن طيّ صفحة 54 سنة خلال أقل من أسبوعين إنجازٌ ضخم بكل ما في الكلمة من معنى. سهولة إسقاط نظام الأسد، وسرعة تداعيه، أدهشتا حتماً حتى أكثر المتفائلين بالتغيير المرجوّ. إلا أنني أزعم، بعدما تولّت قيادة العمليات…

طارق الحميد منذ فرار بشار الأسد، في 8 ديسمبر (كانون الأول)، إلى روسيا، وهناك سيل من النقد والمطالبات للحكام الجدد، وتحديداً أحمد الشرع. والقصة ليست بجدوى ذلك من عدمه، بل إن جل تلك الانتقادات لا تستند إلى حقائق. وسأناقش بعضاً منها هنا، وهي «غيض من فيض». مثلاً، كان يقال إن لا حل عسكرياً بسوريا، بينما سقط الأسد في 12 يوماً…