جان كورد
نوروز سعيد لكل المستضعفين والمضطَهَدين في العالم ولكل أبناء وبنات الأمة الكوردية أينما كانوا
منذ سقوط نظام حزب البعث العربي الاشتراكي ومعه الطغمة الصدامية المستبدة في عام 2003 والعراق يتأرجح بل يكاد ينفصم بين محوري الولايات المتحدة الأمريكية والجمهورية الإسلامية في إيران، ومنذ التدخل الأمريكي في الأحداث السورية قبل سنواتٍ قلائل وسوريا في معظم أنحائها تترنح في إعياءٍ شديد تحت ضربات الروس الذين رئيسهم في مسعىً حميم لاستعادة مجد الاتحاد السوفييتي أو القيصرية البائدة، ولا يتوانى عن المساهمة في ارتكاب المجازرالوحشية ضد الشعب السوري، كما فعل سابقاً في جمهورية الشيشان في حين أن الأمريكان يحتلون 30% من الأراضي السورية ويفرضون شروطاً وإطاراً لكل علاقةٍ سياسية أو إداريةٍ أو اقتصادية بين “قوات سوريا الديموقراطية – قسد” والنظام الأسدي،
أما المناطق الخاضعة للاحتلال التركي في شمال البلاد وهي في غرب نهر الفرات فإنها تكاد تنفصل عن سوريا بحكم أمرين: الطموح التركي الراسخ في الاستيلاء على المنطقة الواسعة من كركوك إلى عفرين وإقامة هلالٍ سني – تركماني في ظل حماية نركية مثلما فعلت الحكومات التركية السابقة في شمال قبرص، والأمر الثاني هو قبول التنظيمات العربية السورية المنضوية تحت لواء الإسلام السني، وفي مقدمتها حركة الإخوان المسلمين بأن يكون السيد رجب طيب أردوغان خليفةً لهم ولكل المسلمين، وهم بالأصل لا يعترفون بالحدود المرسومة من قبل سايكس – بيكو في عام 1916، إلاّ فيما يخص الكورد، فإن كل هذه التنظيمات تدافع بحماس عن الخطة الاستعمارية المكروهة، وذلك لأنهم يفضلون حكم الأويغوريين والشيشان واليمنيين والبوسنيين والتونسيين على حكم الكورد في أرضهم، فكل الاحتمالات في نظر هؤلاء المتقنعين بالإسلام مقبول سوى الكوردي الذي يختلف عنهم في سلوكياته واعتداله ورفضه الذبح والتعذيب حتى الموت والسبي والاغتصاب.
أما تركيا ذاتها، وفيها العدد الأكبر من الكورد، بالنسبة إلى إيران والعراق وسوريا، فإنها ستنشطر فيما إذا استمر الصراع السياسي بشراسته الحالية بين مؤيدي الخروج من حلف النيتو ومناصري العلمانية الساعين للإبقاء على الكمالية والساعين للدخول فيما سماه الزعيم الاسلامي الراحل نجم الدين أربكان ب”النادي الصليبي”. وهذان المحوران لاينفكان عن تبادل الاتهامات القاسية التي ستنعكس آثارها على انتخابات البلديات في 31 آذار من هذا العام، وهي انتخابات هامة جداً في تركيا، وصلت إلى حد قيام السيد رجب طيب أردوغان بتوجيه التهديد لرئيس المعارضة في العاصمة أنقره بما سيسوؤه بعد الانتخابات ففسره بعض المراقبين بأنه تهديد بالقتل أو السجن طويلاً.
ربما يبدو الوضع في إيران هادئاً كما يظهر في الإعلام الموالي لنظام الحكم، إلاّ أن الواقع غيرذلك تماماً، فثمة محورين قويين يتجاذبان الشارع السياسي في إيران عامةً، ألا وهو المحورالديني المتشدد طائفياً والساعي للإبقاء على نفوذ أصحابه، ليس في إيران وحدها فحسب وانما في العراق وسوريا والبحرين ولبنان وأفغانستان واليمن أيضا، والمحور الآخر المعارض بشدة هو عدد كبيرٌ من التنظيمات الرافضة لمجمل نظام الحكم ومنها المدعومة عالمياً مثل حركة مجاهدي خلق المنتشرة في شتى أنحاء العالم الغربي، والأحزاب القومية الكوردية والبلوجية والعربية التي تسعى للتحرر من ربقة العنصرية الفارسية وتضطر للجوء إلى السلاح للدفاع عن نفسها.
وهكذا، نجد “حرب محاور” في المنطقة وفي كوردستان التي يسعى البعض لتحويلها إلى “شمال العراق” رغم رسوخ مصطلح “كوردستان العراق” في دستور البلاد، وإلى “شمال شرق الفرات” رغم أن هذا المصطلح يعني التنازل أو حذف أو بيع منطقة جبل الكورد (عفرين) الثرية سكانياً واقتصادياً، وإلى شرق الأناضول، المصطلح الأتاتوركي الذي حاول الطورانيون تثبيته في عقول الناس عامةً وفي عقول الكورد خاصةً عبر عقودٍ طويلةٍ من الزمن ففشلوا فشلاً ذريعاً، وإلى “آذربايجان الغربية” ليطمسوا بذلك حقيقة وجود ثاني أكبر أجزاء كوردستان في تلك المنطقة، ناهيك عن وجود عدة ملايين من الكورد في شمال شرق إيران في اقليم خراسان.
لو نظرنا بإمعان إلى هذه المحاورالتي تمس القضية الكوردية والشعب الكوردي بدرجاتٍ متفاوتة في الشدة، نجد أن المحورالأمريكي المدعوم من قبل حلفاء واشنطن في حلف النيتو والاتحاد الأوربي هو الذي يلقي بظلاله الكثيفة على هذه المساحة الواسعة من الشرق الأوسط، فالأمريكان يعتبرون الكورد في إيران والعراق وسوريا وحتى في تركيا أصدقاءً لهم، وأثبت الكورد أيضاً أنهم حلفاء لأمريكا في هذه الساحات كلها، وهذا طبيعي لأن الكورد لايجدون بين حكومات ومعارضات هذه الدول التي تقتسم أرض كوردستان حلفاءً لهم يؤمنون بحق الكورد في الحرية والحياة الكريمة، ومن الطبيعي ألا ترفض المساعدة ممن يدعمك في وقت الضيق والشدة، وهل هناك وقت أشد على الكورد من عهد صدام حسين الذي كان مدعوماً من الاتحاد السوفييتي وأعلنها حرب “أنفال” عليهم، فدعمهم الأمريكان لفترة وجيزة جداً، أو هل هناك ما هو أشد وحشيةً في الحرب على الكورد مما سموه بتنظيم الدولة الإسلامية (داعش) الذي سبى نساء الكورد وقتلهم وحزرؤوس أسراهم وأحرق بعضهم أحياء، فكيف يرفضون في مثل هذه الحياة الصعبة مساعدة من يعتبرهم أعداء الكورد “امبرياليين وصهاينة ورجعيين!”؟
لذا، أجد من العقلانية أن يتحد الكورد سياسياً ودبلوماسيا في مسألة اختيارالحليف الأهم في المنطقة، بعد التشاور والتناصح فيما بين خبرائهم وزعمائهم السياسيين، ولا يعني ذلك التوحد التنظيمي الذي يبدو صعباً لتشابك الأمور ولوجود تناقضات فكرية وسياسية عميقة في التفاعل الكوردي مع الآخرين في المنطقة، ووحدة الكورد السياسية والدبلوماسية هي الطريق الأمثل لتوسيع دائرة الأصدقاء في العالم، ونحن بحاجة لذلك بسبب تصاعد التأييد على كافة المستويات في العالم لحق الأمة الكوردية في الحرية والاستقلال، بعد أن وجد الناس في كل مكان تضحيات هذه الأمة واعتدالها الديني وحمايتها للأقليات ودفاعها المستميت عن قضية الحرية والديموقراطية في الشرق الأوسط وانعكس هذا إيجابياً بوضوح حين قرر الكنديون رفع العلم الكوردستاني رسمياً في مدينتهم تورونتو في السادس عشر من آذار الجاري.
المجد والخلود لشهداء الحرية أينما كانوا
20 آذار، 2019
kurdistanicom1@gmail.com