دلكش مرعي
كلام هائل ومعبر وجميل. وحسب معاير هذا العصر فإن ملح الأرض هم من يمثلون الشعوب من القادة والسياسيين والمثقفين. ومن يدقق النظر سيلاحظ بأن معظم هؤلاء ينطبق عليهم مضمون هذه الآية فقد أصبحوا جزءاً من الملح الفاسد عدى نسبة قليلة من الوطنين الشرفاء.. فعلى الأرض تجد الحزبي يضع منصبه ومصالحه فوق مصلحة الوطن ومصلحة الشعب والصراع الجاري بين هذه الأحزاب وحتى في داخل كل حزب هي من أجل تحقيق تلك المصالح الشخصية ولا يخدم هذا السلوك قضية الشعب الكردي في الحرية والتحرر.
من هنا يمكننا القول بأن السياسة قد أصبحت لدى معظم السياسيين الكورد تجارة ومطية للشهرة والسلطة والغريب في الأمر بأن معظم المثقفين الذين هم ملح الأرض الحقيقيين أصبحوا جزء من هذا الصراع بدلاً من يكونوا جزءاُ من الحل فمن المؤسف القول بأن معظمهم أصبحوا أبواقاً لهذا الطرف أو ذاك يحقنون المزيد من الزيت على النار لتكريس هذا الصراع وتأجيجه بينما وظيفة المثقف هو تحرير العقل البشري من قيم التخلف والحقد والكراهية والصراع وتكريس المنهج العلمي في التفكير وتكريس القيم الإنسانية النبيلة كالاحترام والمحبة وخدمة الإنسان للإنسان داخل المجتمعات..
وظاهرة الصراع والحقد والكراهية والتحدي قد تجاوزتها الكثير من الشعوب وأصبحت خارج فضاء المعاصرة. ولكن هذه الظاهرة ليست قدر الكورد ولم تأتي من العدم بل هي نتاج طبيعي للمنهل الفكري والقيمي للسياسي والمثقف. فمن يدقق النظر في البنية الفكرية لمعظم هؤلاء سيلاحظ بأنها مزيج من الفكر الماركسي والاشتراكي والقوموي والديني.. كوكتيل غريب لا أعلم كيف يجتمع كل هذه الأفكار المتناقضة معاً على نسيج دماغ هؤلاء علماً كل هذه الأفكار هي ليست من نتاج العقل الكردي بل هي أفكار وعقائد جاءت كلها من خارج كوردستان وتبنتها الكورد كوصفات جاهزة لمساعدتهم في حل قضاياهم المصيرية عسى ولعل أن يخرجوا ويتحرروا مما هم فيه ولكنها كانت كالمستجير من الرمضاء بالنار فهم تبنوا هذه الأفكار والعقائد دون التدقيق في النتائج التي تمخضت عنها في واقع الشعوب علماً بأن نتائج هذه الأفكار في هذا العصر قد أصبحت معروفة فالفكر الماركسي أنتج ستالين وجاوسسكو وبولبوت وفشل التجربة الماركسية في كل البلدان التي تبنت هذا الفكر بينما الفكر الاشتراكي المتمخض من الماركسية أنتج صدام والأسد وجمال عبد الناصر والكل يعلم بأن أنظمتهم كانت دكتاتورية وأمنية مستبدة وأنتجت الفساد.. والفكر القومي أنتج هتلر وموسوليني وغيرهم من الطغاة أما الفكر الإسلامي فلم ينتج في تاريخه سوى الدواعش والجهل والتخلف والغزوات والتنظيمات الإرهابية.. فمن المؤسف القول بأن الأحزاب الكوردية ومعظم المثقفين الكورد عدا قلة منهم يسيرون تحت هدي هذه الأفكار فمن الطبيعي أن يكون النتائج سلبية وفاشلة وتخلق المزيد من الأزمات لهذا الشعب علماً هناك هوة واسعة بين هذه الأفكار والعقائد الشمولية وبين قيم النضال الوطني الذي يهدف إلى تحرير الأوطان من نير الاحتلال وتحرير الشعوب من قيم التخلف والجهل وتكريس المنهج العلمي في التفكير وتكريس القيم الإنسانية النبيلة داخل المجتمع.. فاحتلال العقل بقيم الجهل والتخلف والأفكار الشمولية الخاطئة هي من بين أسوء وأشنع أنواع الاحتلال إيلاماً بل هي التي كانت السبب في احتلال الأوطان وسبب مأساة الشعوب على مختلف الأصعدة