دلكش مرعي
لقد كتبنا هذا البحث قبل ستة عشر عاما ولكن من يدقق فيه سيجد بأن هذا الواقع لم يتغير فيه شيء سوى الهجرة ومازال يفيد من يبحث في هذا الواقع وكل عام والمرأة الكردية بألف خير
البحث
ان دراسة واقعية لبنية مجتمع من المجتمعات وتحليل جوانبه وعلاقاته المتنوعة سينكشف للمحلل بأن المرأة هي من أهم العناصر المكونة لبنية هذا المجتمع بل ويمكن القول بأن المرأة هي المعيار الواقعي التي تفصح من خلالها هوية هذا المجتمع ورقيه الحضاري وتطوره في السلم الاجتماعي وانطلاقاً من هذه الرؤية, يمكننا القول بأن حرية المرآة هي ضرورة موضوعية ليس من اجل بناء مجتمع متوازن مستقل الإرادة فحسب بل لخلق مجتمع متماسك فكرياً وسياسياً واجتماعياً,
حيث إن إنجاز قضية التحرر الاجتماعي بأبعاده المختلفة وإشكالياته لا يمكن إنجازه إلا إذا ارتهن واقترن بتحرير المرأة لأن الكيان الاجتماعي بتركيبه من الجنسين كلٌ لا يتجزأ وكل جزء فيه يكمل عمل الجزء الآخر, أي إن العلاقة بين الرجل والمرأة هي علاقة جدلية لا يمكن فصلها فتحرير المرأة جزء لا يتجزأ من تحرير كيان الرجل,والعكس صحيح أيضا حيث إن تغيب دور المرأة كإحدى عناصر المجتمع وإزاحتها عن وظيفتها الاجتماعية واستلاب حقوقها الشخصية سيؤدي إلى اختلال في بنية التوازن الاجتماعي برمته وإلى تعقيدات اجتماعية لدى الجنسين وسيلحق ابلغ الضرر بفعالية المجتمع وشل قدرته في مجالات مختلفة والأضرار ببنية الشخصية ذاتها وقوة استقلاليتها وإلى شل قدرة المرأة التربوية على بناء الشخصية المستقلة المتوازنة القادرة على الخلق والإبداع, الحرية لا تتجزأ بل تشمل الجميع أفراداً ومجتمعات حيث لا يمكن الإقرار بحرية شعبٍ نصفه مستعبد أو مضطهد أي إن سلب حرية المرأة هي نفيٌ لكيان المجتمع الموضوعي واضطهاد إنساني لا يمكن تبرئته تحت أي حجة كان بل اعتداء على كيان الحرية ذاتها كهدف مقدس يسعى أليها البشر للإنعتاق من العبودية والأستراقاق والهيمنة؛ فالواقع المتردي الذي تعاني منه المرأة يتطلب جرأة موضوعية تتجاوز النطاق التبريري للعادات والتقاليد التي يتم من خلالها اضطهاد المرأة وإلحاق الضرر بكيانها و دورها الاجتماعي, فقضية المرأة تستوجب وتستدعي الانطلاق من رؤية منهجية جديدة وحداثة تتناول أفق التحرر الاجتماعي وسبل ارتقاءه ومواجهة أعباءه بمنظور واقعي بغية تطويره وتغيُره وفقاً لصياغة مستحدثة يتوافق مع مصلحة المجتمع وتلبية حاجاته المتنوعة والعمل للوصول إلى علاقة إنسانية متكافئة بين الرجل والمرأة وإلى بناء مجتمع متوازن يتحقق فيه إنسانية الإنسان وكرامته؛ وبالانتقال إلى محور البحث و تناول واقع المرأة الكوردية يمكن القول بأن هذه المرأة وعبر قرون طويلة من تاريخها لم تستطع بأن تتمتع بحرية واستقلال وطنها فقد ترعرعت في ظل الاحتلال بين ركام الحروب الطاحنة التي كانت تجتاح كوردستان والتي حصد من خلالها أرواح مئات الآلاف من أبناءها وآلت تلك الحروب إلى نتائج كارثية ومدمرة لبنية المجتمع الكوردي وطناً ومجتمعاً, فقد استهدف المحتلون من خلال هذه الحروب وبمساعي محمومة وشرسة للنيل من خصوصية الشعب الكوردي وإرثه التاريخي وعاداته وتقاليده وإرثه الروحي بغية أصهاره ومحو هويته الوطنية والقومية وذلك عبر مشاريع عنصرية معروفة لا حاجة لتكرارها هنا ؛ فقد سببت مجموعة هذه الكوارث والأحداث الدامية التي جرت على الساحة الكوردستانية جملة من المعاناة المأزومة والمزمنة وعقداً نفسية في بنيان المجتمع الكوردي بتركيبته الاجتماعية العامة وألحقت ضرراً بالغاً بحقوق المرأة كجزء من كيان هذا المجتمع و بدورها الاجتماعي بالإضافة إلى جملة العادات والتقاليد السيئة التي كرس و زرع في نسيج وبنيان هذا المجتمع وعبر استراتيجية مدروسة آلت إلى تكبيل المرأة الكوردية وسلب حريتها والحد من فعاليتها الإنسانية وبعثرت طاقتها وتغيبها وعزلها عن الوتائر العالية للتطور الاجتماعي التي جرت وتجري في الراهن المعاصر, حيث حققت المرأة في العديد من المجتمعات حريتها وإرادتها المستقلة على مختلف الصعد السياسية منها والاقتصادية والفكرية بالإضافة إلى فعالياتها في الحقول الاجتماعية المتنوعة الأخرى.
بالانتقال إلى الحالة الراهنة للمرأة الكوردية ومعاناتها وهمومها سيلاحظ المتتبع بأن هذه المرأة تعاني من عبودية مزدوجة عبودية المجتمع وعاداته وتقاليده والتي تتمثل في حاكمية الرجل المطلقة على كيانها وحقوقها المختلفة ومن عبودية المسيطر المستبد والتي تتجلى في المعاناة الاقتصادية والسياسية والثقافية بالإضافة إلى حقوقها الحياتية الأخرى ليؤدي كل ذلك بالمرأة الكوردية إلى العيش في واقع الاغتراب وإلحاق الضرر في كيانها الاجتماعي كإنسانة وكأنها خلقت لتبقى أسيرة ضمن جدران المطبخ وحاضنة تحضن الأطفال ووعاء جنسي للرجل
إن الواقع المتردي الذي آلا بالمرأة الكوردية سببه الذهنية المأزومة المتبلدة التي كرسها المحتل المستبد في نسيج المجتمع الكوردي وبنيانه ليخلق بذلك اضطرابا وتخلفاً عاماً في سلوك ووعي إنسان هذا المجتمع و نسيجه الاجتماعي لتشويه صورته حضارياً والقضاء على مقومات المجابه لديه وأصهاره في بوتقته وتبعاً لفرانز بيكون: (فإن المحتل يقوم يومياً بإدخال العنف إلى عقول وبيوت المحتلين وهو يدخل في وعيهم بأنهم ليسوا بشراً وإنما أشياء.. ), يمكن القول بأن التخلف السائد في المجتمع الكوردي سببه الأول والأخير هو المستبد الذي يهدف إلى خلق شخصية مهزومة ومستسلمة, مكبوتة, عاجزة عن مواجهة الواقع وعاجزة عن إيجاد الحلول المنطقية لأوضاعه وإلى خلق قناعات لديه بانسداد أفق التحرر في وجهه لتؤول مجموعة هذه الممارسات إلى خلق أوضاع نفسية وأحباطات مكبوتة لدى الفرد داخل المجتمع التي تؤدي إلى ممارسات غير متكافئة ومؤلمة بين الرجل والمرآة وكمثال للتوضيح فإن الرجل يقوم باضطهاد المرأة في أحيان كثيرة تعويضاً عن حالة القهر الذي يمارس عليه المحتل ليخلق بذلك نوعاً من التوازن لحالته النفسية أي إن الإنسان المكبل بقيود المحتل يتحول هو ذاته إلى عقبة للخروج من هوة التخلف بل و يتحول في بعض مراحل تاريخه إلى أهم العقبات أمام التغير والتحرر من قيوده ذاته بسبب تعرضه لأقصى حالات الأستيلاب لإنسانيته وبسبب حالة الاغتراب المفروض عليه من المحتل .. فعقدة الدونية التي تصيب المرأة في هذا الواقع تجعلها تدافع بحزم عن عادات تقيدها هي ذاتها, حيث ان جملة العيوب والتناقضات تكرس في بنية المجتمع المحتل يتحول مع مرور الزمن إلى جزء لا يتجزأ من نسيجه الاجتماعي وقيمه وقناعاته وإن أي نقد أو بحث في هذا المجال هو بالنسبة له اختراق للمحظور من المقدس والمحرم أي إن الإنسان المكبل تحت نير الاحتلال هو ذاته يساهم في تكريس ما فرض عليه من قيود و يعززه وكمثال للتوضيح فأن المرأة كانت تحترم وتبجل وتتمتع بكامل حقوقها في الحقبة الزردشتية, أما الآن وبسبب من العادات الوافدة والدخيلة إلى بنية المجتمع الكوردي فقدت المرآة معظم هذه الحقوق وفرض عليها الاضطهاد ولكن ! مع كل هذا فأننا لا نستطيع ان نعمم ظاهرة اضطهاد المرأة والموقف العام منها بسوية واحدة في الأوساط الاجتماعية المختلفة لأن القضايا الاجتماعية وأشكالياتها تبقى نسبية ومتباينة ولا تتماثل من وسط اجتماعي إلى آخر ومن شريحة اجتماعية إلى أخرى بسبب التباين في المستويات الاقتصادية والثقافية داخل كل شريحة من هذه الشرائح ولكن مع ذلك يمكن القول بأن الموقف العام من المرأة داخل المجتمع المتخلف متشابه من حيث الجوهر مع بعض الفروقات والتمايز بين مجتمع الريف و المدينة هذا من ناحية و بالانتقال إلى تناول العلاقات الاجتماعية السائدة في المجتمع الكوردي, سيلاحظ المتتبع بأن السمة العامة المميزة لهذه العلاقات هو طغيان وسيادة العلاقات العشائرية أو الشبه العشائرية في بنية هذا المجتمع ويعود سبب التخلف الحضاري هذا إلى الظروف التي ذكرناها أنفاً ولإلقاء الضوء على بعض زوايا هذه العلاقات والموقف العام من المرأة لا بد من تناول المرأة في الأوساط الاجتماعية المختلفة وقد اخترنا لذلك ثلاثة أوساط اجتماعية هي المرأة في الوسط العشائري والمرأة في: في الوسط الكادح – والمرأة في الطبقة المتوسطة – والمرأة في الوسط الديني –
المرأة في الوسط العشائري
فعلى الرغم من التغيير الحاصل في المظهر العام للحياة الاجتماعية إلا ان الإرث العشائري الموروث بعلاته ما زال يفعل فعله في السلوك العام للفرد وتصرفاته داخل المجتمع الكوردي فالمرأة في هذا الوسط تشكل جانباً أساسياً من جوانب الاضطهاد الشبه الشامل وتحتل قعر السلم الاجتماعي ويمكن القول بأنها تعبر عن أفصح الأمثلة على وضعية القهر والاستلاب ونفي إرادة, فهي تحيى حياة استرقاق وعبودية تقضي معظم حياتها كخادمة تعمل ضمن جدران المنزل وحظيرة الحيوانات, فهي شبه محرومة من كافة حقوقها الإنسانية ولا ترث أو تشارك الرجل في اتخاذ أي قرار داخل المنزل أو خارجه فهي لا تملك سوى الإذعان لإرادة الرجل وتنفيذ أوامره وإنجاب الأطفال لزيادة نسله خاصة الذكور منهم, أما بالنسبة لزواج المرأة فتستغل لتقوية الروابط العشائرية والعائلية وتباع كسلعة من خلال المهر بالإضافة إلى شيوع عادة حيارة البنت ولو بنسب بسيطة داخل المجتمع الكوردي لإرغام البنت على الزواج بشكل تعسفي وتبعاً للدكتور طيب تيزيني: ( فإن الفتاة في هذا الوسط تُزوج ولا تتزوج.. ), كما ان الفتاة في هذا الوسط تتعرض لجريمة القتل بدافع الشرف وتبعاً د. نوال السعداوي: ( فأن شرف المرأة وشرف عائلتها في الوسط العشائري ترتبط بعفاف المرأة وبكارتها..) وان أي اختراق في هذه الناحية يؤدي إلى قتلها وهذه الجناية ما زالت شائعة في أوساط و شرائح كوردية واسعة والملفت للنظر إن هذه الإشكالية كانت تحل في الماضي بين طرفي الخلاف سلمياً أما الآن فهي في معظمه تؤدي إلى قتل المرأة واعتقد بأن هذه الجناية تتم في أحيان كثيرة تحت ضغط عادات المجتمع ذاته بسبب إسقاط العار على عائلة المرأة بكاملها ونعتها بألقاب شتى وتحت هذا الضغط يلجئون إلى ما يسمى بغسل العار الذي ينتهي بقتل الفتاة, إن مثل هذه الأحداث مجتمعة سببها هو عنصر القهر الحياتي يقع الإنسان المتخلف المقهور في شركه ويصبح ضحية لها كالقهر الذي يسببه المستبد وقهر العادات والتقاليد العشائرية البالية, الجامدة التي تشل قدرة العقل على التفكير وتمنع الموقف النقدي السليم من ظواهر المجتمع وأنظمته المختلفة مم يؤدي إلى التوتر داخل الذات ويخلق فيه جواً عاماً من العنف يمارس على من حوله وعلى أوجه الحياة المختلفة, هذا ما يجري بصفة عامة داخل الوسط العشائري.
المرأة في الوسط الكادح
أن واقع المرأة في هذا الوسط لا يختلف كثيراً عن الوسط العشائري, هي الأخرى تعيش واقع البؤس والحرمان والعبودية وشظف العيش وتعاني من قلق اقتصادي واجتماعي ونفسي فهي مستعبدة وخارجة عن نطاق الحرية والثقافة ويمكن القول بأنها الأكثر اضطهادا في المجتمع فهي تتعرض لأقصى حالات الاستلاب والتبخيس, خاصة في الريف والأحياء الفقيرة حول المدن بسبب تبعيتها الاقتصادية والحقوقية للرجل, فهي مجبرة بأن تعمل خارج المنزل تحت ضغط الحاجة وخاصة في مواسم الحصاد وجني القطن وهذه الأعمال إجمالاً أعمال شاقة ومجهدة لطاقة المرآة وبنيانها الجسمي وبسبب الإجهاد المتواصل وسوء التغذية يظهر الترهل والشيخوخة على ملامحها في وقت مبكر والفتاة في هذا الوسط تدفع إلى العمل في سن مبكرة لمشاركة الأسرة في تامين لقمة العيش مما يؤدي إلى حرمانها من حقوقها التعليمية وإلى الأضرار بنموها الطبيعي؛ ويمكن القول بأن المرأة في هذا الوسط تقضي معظم حياتها في العمل الشاق وتربية الأطفال وخادمة تخدم الرجل وبسبب ظروف الاستبداد والفقر تعيش حالة تجريد كاملة من آدميتها وحقوقها الإنسانية
المرأة في الطبقة المتوسطة
إن واقع المرأة في هذه الطبقة ووضعها العام أكثر استقرار من الناحية الاقتصادية والنفسية على العكس من الفئتين السابقتين فهي تمتلك مقدار من الحرية والعلم تؤهلها لتشارك الرجل في بعض الفعاليات الاجتماعية ضمن المنزل وخارجه والرجل هنا يبدي تعوناً للمرأة في هذا المجال فهو يعتبرها امتداد لذاته وإن حريتها وقوة شخصيتها تعبر عن ارتقائه وتعزز من مركزه في الوسط الاجتماعي فهو بذلك يعترف ضمناً بحقوقها وبضرورة الاهتمام بها وإعطائها قسطاً من الحرية ويؤمن بالتغيير والتحرر ولكنه لا يقوى للإنعتاق من أرثه التاريخي وتقاليده بشكل نهائي, فالمرأة الرجل يريدان الانطلاق ضمناً واختراق السائد من العادات لكنهما لا يملكان الجرأة الكافية من احل ذلك كما أن الرجل لا يستطيع التخلي بسهولة عن أمتيازاته المفروضة على المرأة والمرأة هي الأخرى لا تقوى على التصرف بحريتها كالرجل خوفاً من أن يؤدي ذلك إلى إشكاليات قد تسيء على علاقاتها مع محيطها الاجتماعي والأضرار بمستقبلها فهي بذلك تفضل التبعية للرجل وترى في ذلك نوعاً من الأمان والشعور بالحماية فهي تكتفي فقط بالظهور بمظهر الإنسان الحرة, كما إن علاقات هذه الطبقة وتصرفاتها تختلف في الريف عن المدينة حيث إن المرأة في هذه الطبقة في الريف تتميز بأنها تتباهى بالحلي التي تطوق جيدها ومعصمها وهي دائمة التحدث عن أساس بيتها ومشاريع زوجها والإفراط في وصف سجاياه وهي في حالة تبعية تامة للرجل أما الرجل فهو يبحث عن الوجاهة فالشهرة هنا تختلف عن المجتمع المتطور الذي يتم من خلال إنجاز علمي أو أدبي أو سياسي أو فني خلافاً للشهرة في المجتمع المتخلف أما بالنسبة للطبقة ذلت الامتياز فهي شبه معدومة في المجتمع الكوردي لعدم وجود كيان مستقل به
المرأة في الوسط الديني
بالإضافة لما سبق هناك من يضطهد المرآة بالدين من خلال جملة من المواقف تتناول عبره حقوق المرأة, تستند كل موقف على بعض الآيات والأحاديث كل حسب مفهومه وتصوره الخاص به فهم بذلك يعتمدون الانتقائية في تناول هذه القضية ومن المؤسف بأنه لا توجد علاقة جدلية لدى هذه الأطراف لربط الماضي بالحاضر والوصول إلى موقف عام تتلاءم مع قضية المرأة وحقوقها في الراهن, هناك هدر زمني بين الماضي والحاضر يعطي الأولوية من خلاله للماضي و تتحول علاقة الحاضر به إلى علاقة تبعية و خضوع؛ فهم يحاولون صياغة الحاضر وفقاً لصورة الماضي بالرغم من التطور الاجتماعي الحاصل ومتطلباته, فالحاضر قد تغير وتطور ومن المستحيل إعادة تشكيله على صورة الماضي وفق وعظية إنشائية لا يمت إلى الواقع بشيء ولا يمكن شطب الحاضر وإحلال الماضي بدلاً منه بطريقة آلية وإهدار دور العقل والخلط بينه وبين العاطفة, فالعالم يتغير ويتطور وفقاً لقوانين خاصة به ويبرهن على حقيقته تلك من خلال التقدم العلمي العاصف والهائل في مختلف المجالات ولا يمكن لأحد تزييف وإعاقة لما يحدث أو التحكم به وكبح عجلة التطور ووقفه عبر أفكار لم تعد تتلاءم مع طبيعة العصر ومتطلباته هذا من جهة, ومن جهة أخرى إذا تناولنا الآيات والأحاديث التي يراد البعض من خلالها اضطهاد المرأة, يمكننا الإشارة إلى أهمها يقول الله تعالى: ( الرجال قوامون على النساء ) وفي قوله تعالى أيضاً: ( وللرجال عليهن درجة ) (إن كيدهن لعظيم ) ( وَاللاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ ) ولبعض الأحاديث التي تنسب إلى الرسول (ص ) مثل: ( لا بارك الله في قوم ولت أمرهم امرأة ), ( أطلعت في الجنة فرأيت أكثر أهلها الفقراء و أطلعت في النار فرأيت أكثر أهلها النساء ) وأيضا الحديث الذي يقول: ( ما تركت بعدي فتنة هي أضر على الرجال من النساء ) والحديث الذي يقول ( يبطل صلاة المسلم إذا مر أمامه كلب أو حمار أو امرأة ) بالإضافة إلى أحاديث وآيات أخرى في هذا المجال فالإسلام المتبع في المجتمع الكوردي أعتقد أنه إسلام سياسي تحذيري موجه, يهدف إلى تحقيق أهداف سياسية باتت معروفة لسنا بصددها في هذا البحث, فقد أسهمت مجموعة العوامل الروحية تلك والعوامل المذكورة معاً إلى خلخلة البنية الأساسية للمجتمع الكوردي وأحدثت تبدلات عميقة الجذور في واقعه الموضوعي ومخزونه الفكري الذي تكون لديه عبر مراحل طويلة من تاريخه وإلى الإضرار بسير تطوره الطبيعي وبنيانه الاجتماعي وبخصوصية المرأة الكوردية وحقوقها المختلفة
أما المرأة الكردية تاريخي فلو ألقينا نظرة إلى تاريخ المرآة الكردية, سنلاحظ بأنها كانت تحظى بخصوصية متميزة وبمكانة بارزة ومرموقة داخل وسطها الاجتماعي وتتكافأ مع الرجل في الحقوق العامة وخاصة إبان الحقبة الزردشتية فقد كانت تساهم مع الرجل بمعظم الفعاليات الاجتماعية والاقتصادية وخاصة في العمل الزراعي ونشاطاته المختلفة فالعمل كان يعتبر ركناً أساسياً من أركان الديانة الزردشتية لأن النبي زردشت كان يرى بأن معظم الحروب التي كانت تحدث سببها العامل الاقتصادي وهو الفقر والعمل وحده يؤمن الرفاه للشعوب وإلى منع نشوب تلك الحروب وبناء على رؤية زردشت تلك يمكن القول بأن الديانة الزردشتية كانت أكثر ملائمة للشعب الكوردي وأكثر انسجاما مع عاداته وتقاليده وكان أكثر تطوراً من الديانات الموجودة في تلك الحقبة فالطائفة الزردشتية في الهند وإيران في وقتنا الراهن هي الأكثر تطوراً ورقياً في وسطها الاجتماعي وهذا دليل يؤكد مزايا هذه الديانة وانسجامها مع التطور الاجتماعي ومن المؤسف بأن معظم المخطوطات الكوردية في تلك الحقبة قد أحرقت بعد دخول العرب المسلمين إلى كوردستان لأسباب سياسية ودينية كان الهدف منه هو القضاء على الإرث التاريخي والحضاري لشعوب تلك المنطقة ولقطع كل صلة بذلك ولم يبقى من تلك المخطوطات سوى بعض الأجزاء من الأفستا
جملة القول هو ان العادات والتقاليد الوافدة التي أدخلت إلى بنية المجتمع الكوردي ألحق ضرراً عاماً في مسار تطوره الاجتماعي وتحرره وتحرر المرأة نفسها
وبالانتقال إلى تناول بعض معاناة المرأة الكوردية في الراهن, سيلاحظ بأن من بين أهمها ظاهرة العنوسة, هذه الظاهرة التي تؤدي إلى حرمان الفتاة من أهم حقوقها الإنسانية وهي حق الزواج حيث تحولت هذه الظاهرة إلى مشكلة حقيقية وعامة بدأت تعصف بالفتاة الكوردية وتهدد مستقبلها وحقها في الأمومة أما بالنسبة لأسباب هذه الظاهرة فتعود لعوامل متعددة ومتنوعة والى الظروف التي طرأت على الحياة الاجتماعية وزيادة تعقيداتها ومتطلباتها ومن أهم هذه العوامل: العامل الاقتصادي وهجرة الشباب للعمل في الدول الأجنبية وتأخر الزواج لدى الشباب والاقتران بعد ذلك بفتيات أصغر منهم سناً بالإضافة إلى العادات والتقاليد التي تمنحان حق الزواج للذكر متى أراد ذلك بينما لا تملك الفتاة ذلك الحق فهناك انعدام التكافىء في حقوق الجنسين بهذا المنحى.
وقد طرحنا في هذا الصدد سؤالين على مجموعة من المدرسات والمعلمات حول الحقوق الممنوحة للفتاة الكوردية في الزواج وكيف يقيمن الحرية التي تمارسها, فكانت مجموعة الأجوبة متشابه وتنحصر بأن الفتاة تعاني من غبن وظلم في هذا المجال فالزواج يتاح للشباب متى أرادوا ذلك ولا يشكل المظهر أو العمر لهم أية إشكالية أما بالنسبة لهن فما عليهن سوى الانتظار وكلما تقدم بهن العمر يزداد قلقهن من العنوسة, أما إذا بحثنا عن الزواج ولو ضمن الأطر المسموحة به فإن ذلك سيسيء إلى سمعتهن ومستقبلهن وقد يطال الإساءة إلى أهلهن ولذلك ما على الفتاة إلا ان تعيش حياة رهبنة تامة إلى أن يظهر من يطلب يدها للزواج أما بالنسبة لحرية الفتاة, كانت الأجوبة بأن الفتاة حرة فقط في أن تعمل ضمن جدران المطبخ وقد تعمل في أعمال مجهدة إذا كانت فقيرة مادياً وما عليها بعد ذلك سوى الانتظار لفارس أحلامها الذي قد يظهر أو لا يظهر ابدآ وان ذلك الانتظار قاسي على الفتيات, وللتأكد من مشكلة العنوسة فقد أجرينا إحصائية بهذا الشأن في قرية مؤلفة من مئة وعشرون عائلة فتبين ان عدد الفتيات بين سن الثامنة عشرة والخامسة والثلاثين هو مئة وخمسة وثلاثون فتاة وأحصينا عدد الفتيات اللاتي تزوجن في تلك السنة كانت عددهن عشرة فتيات فقط, أما عدد اللواتي سيدخلن سن الزواج بعد سنة من ذلك التاريخ كانت اثنتا عشرة فتاة وهذا يعني بأنه في أحسن الأحوال سيبقى في كل عائلة عانس, إذا ما استمر هذا الوضع دون إيجاد حل لذلك, أما إيجاد الحلول للمعاناة التي تعاني منها المرأة فأعتقد بأن مسؤوليتها تقع جميعاً على عاتق الفعاليات السياسية ومنظمات المجتمع المدني, فهي لحينه لما تبادر بإيجاد حلول عملية لمثل هذه القضايا بالرغم من ان قضية التحرر الاجتماعي جزء لا يتجزأ من قضية التحرر السياسي فهي بذلك تتحمل الجزء الأكبر من المسؤولية تجاه ذلك ومدعوة لتقديم المساعدة لحل مثل هذه القضايا وخاصة القضايا التي تعاني منها المرأة فالإنسان عبر مسيرته التاريخية كان دائماً يغير عاداتٍ يستحدث أخرى كي تتلاءم هذه العادات مع طبيعة كل مرحلة من مراحل تاريخه لتكون أكثر انسجاما مع الواقع ومستجداته على الأرض فالإنسان هو الذي أوجد عاداته وتقاليده وبإمكانه تغييرهما إذا توفر لديه الرغبة والفعالية الإنسانية الواعية والحزم في تحقيق ذلك؛ هذا إذا امتلك الإرادة الحرة لإيجاد علاقة إنسانية نبيلة بين الرجل والمرأة وضمن شروط عادلة لضمان حقوقها المختلفة وخاصة حقوقها في التعليم والعمل والزواج بالإضافة إلى حقوقها المختلفة الأخرى وأعتقد في هذا الإطار بأن العمل والعلم يكتسبان أهمية أساسية في عملية تحرير المرأة, فهي من خلالهما تحرر من التبعية الاقتصادية للرجل وعبر ذلك تستطيع بأن تساهم بفعالية في القضايا الاقتصادية والعلمية والسياسية أي أنها ستمارس دورها الطبيعي في المجتمع وستساهم في مختلف جوانب التنمية, فتحرير المرأة هنا يكتسب أهمية وضرورة اجتماعية واقتصادية وأخلاقية, أقول أخلاقية لأن الظلم يبقى ظلماً والاضطهاد يبقى اضطهادا أينما وجدا ولا يمكن تبريرهما بأي حال من الأحوال فالمرأة جزء لا يتجزأ من المجتمع الإنساني وحقوقها جزء لا يتجزأ من حقوق هذا المجتمع وأعتقد بأنه لا يوجد أي مبرر قانوني أو أخلاقي أو شرعي يستبيح اضطهاد المرأة واستلاب حقوقها هذا من جهة, من جهة أخرى وبالانتقال إلى تناول خصوصية المرأة الكوردية, على الرغم من كل ما ذكرناه سابقاً فإن المرأة الكوردية ما زالت تحتفظ بجزء هام من خصوصيتها المميزة وتتمتع بقسط من الحرية تؤهلها بأن تساهم ولو بشكل نسبي في دورها الاجتماعي و هي أكثر تحرراً من المرأة العربية والفارسية, ومحبة للعمل وتتمتع بالشجاعة والإرادة الصلبة والعناد بالإضافة إلى هذا فقد أثبتت جدارتها في حمل السلاح وخاضت إلى جانب الرجل معارك ضارية في سبيل تحرير وطنها وقد استشهدت الكثيرات منهن في هذه المعارك كما أن هذه الخصوصية تعطي مجالاً واسعاً للتطور داخل المجتمع الكوردي إذا ما أتيحت الظروف السياسية المناسبة, لكن مع كل هذا وبالرغم من خصوصية المرأة الكوردية المميزة فإن معاناتها جزء لا يتجزأ من معاناة الشعب الكوردي وقضاياه العامة كقضية الاستبداد وانعدام الديمقراطية والظلم والاضطهاد القومي وغير ذلك.
كلمة أخيرة: أقول بأن قضية المرآة هي من أخطر القضايا الاجتماعية التي تستحق اهتمام الجميع وذلك من أجل بناء مجتمع متحرر متوازن حر الإرادة يسود فيه قيم العدل والمساواة
** المصادر والمراجع
1 _ د. مصطفى حجازي: سيكولوجية الإنسان المقهور.
2 _ د. طيب تيزيني: حول مشكلات الثورة والثقافة في العالم الثالث.
3 _ د. خضر زكريا: خصائص التركيب الاجتماعي للبلدان النامية.
4 _ د. رفعت حسام: الإسلام وحقوق الإنسان ( الآيات القرآنية ).
5 _ د, نصر حامد أبو زيد: نقد الخطاب الديني.
6 _ فاطمة المرنيسي: الحريم السياسي.
7 _ فاطمة المرنيسي: الإسلام والديمقراطية.
8 _ فارس عثمان: الديانة الزردشتية