محمود برو
كلنا يعلم بأن أحزابنا قد تأسست بطرق وآليات متشابهة، لذا فإن المبادئ و قوانين الإدارة تتم على نفس الشاكلة و على الطرق و الأسس القديمة البالية. و يعود السبب في ذلك بأن منطقتنا – و لمدة طويلة- كانت محاطة بالنظام السوفياتي الشيوعي و التي تبنّت هذه المنظومة على أنها أمل الشعوب المضطهدة و طريقها للخلاص. لذا فإن النظام الداخلي لأحزابنا مستقاة من هذه المنظومة( إن لم يكن نفسها حرفياً) لحد الآن، مع العلم بأن هذه المنظومة مبنية على الأسس الستالينية و التي في نهايتها تولد دكتاتوراً صغيراً ثم يكبر كلما ازدادت إمكانيات الحزب لأن جميع القرارات تتخذ من قبل القائد و الذي يعتبر نفسه الطليعة الثورية الواعية.
هذا الزعيم – ومن أجل زعامته- يضحي بكل ما هو غالٍ و نفيس و أولها القضية الأساسية ( الشعب)، فيقوم عن طريق أزلامه و طبوله لاستبعاد المثقفين و الذين سيشكلون في المستقبل خطراً على مركزه.
حيث تتّخذ بحقهم قرارات لا قانونية و لا تنظيمية( مخالفة للنظام الداخلي)، دون أن يلقى أي شكل من أشكال المعارضة أو عدم الرضا من الداخل. لذا فالكل بات يطلب رضاه و طاعته و هذه هي الكارثة الحقيقية. فلا يتبقى حوله إلا حاشية من الجهلة و الخاشعة و الذين لا يرون أبعد من أرنبة أنوفهم، و هذا ما يمنحه الديمومة و السلطة المطلقة و التحكم بكل مفاصل الحزب، لأنه تم استبعاد من أهل للمهمة من المختصين و ذوي الخبرة و الجرأة و المتفانين في سبيل القضية، حتى يتسنى له حرية التحرك و اتخاذ القرارات.
هذا الصنف من القادة يحتكرون القرار السياسي و يتحكمون كل من له سلطة ضمن الحزب. هذا القائد السياسي الذي يدّعي بأنه العليم القدير( استغفر الله)، العليم بكل ما خفي و ما ظهر، و لا يأتيه الباطل لا من قريب و لا من بعيد، و هو بحق لا يمتهن إلا لبس ( المانطو) الطويل للتستر على عيوبه ( حتى أنه لا يعرف ربط ربطة عنقه) و ليتباهى بهذا الزي القيادي ( تقليداً للقادة السوفييت). حقيقة هذا الذي يدّعي القيادة ربما يعلم كل شيئ لكنه مما لاشك فيه بأنه جاهل بالسياسة، و هذا أيضاً مشكلة. هؤلاء لا يخدمون شعبهم ، و إنّما هم خدمٌ لأنانيتهم و حاشيتهم. يلعبون على التناقضات بين الأحزاب و يزيدونها و يخلقون الفتن و يلفقون التهم على غيرهم من الأحزاب، ليزداد الشرخ بين الكوادر و هذا ما يؤدي إلى التغافل عن المهمة الأساسية. و إذا كان أحدهم بصدد إصدار قرار، يمضي عليها البهلوان أياماً و ليالٍ ليتأكد بأن هذا القرار لن يمس شخصه أو منصبه، لذا يكون في النتيجة قراراً جباناً و مخذولاً، متناسين الشعب و قضيته و همومه، لا يهم إذا كان الشعب يُعتقَل، يُسلَب، يذبَح، أم أن الشعب جائع أو حافٍ، أو إذا الوطن سيُحتل مرة أخرى أو لا.
جُلَّ همهم بات، أن يكون في جيوبهم ما يكفيهم لسهراتهم و فنادقهم و بطونهم ولعب التركس والبوراكو ،و جامعات أبنائهم، أما أبناء الفقراء فهم الوقود التي تتم متاجرة بهم و زجهم في جبهات القتال.
هذا النموذج في العمل يعتبر من أسوأ الأمثلة على الفساد السياسي في القيادة و الإدارة، و هو تماماً كالسرطان يبقى في الجسد حتى يُهلكه. هؤلاء يستأجرون من يمدحهم و يثني عليهم في و سائل الإعلام و الشوارع و الندوات.
باعتقادي أننا بحاجة ماسة إلى عقلية جديدة كي تزيح هذه العقلية المتعفنة. لأن العقل الذي أوجد هذه المعضلة، سيكون دائماً عائقاً أمام أية حلولٍ تُنهي سطوته. حان الوقت لطرح هذه المشكلة بشكل علني و نقول ( كفى) لهذه الدكتاتورية السياسية.
جيلٌ جديد من شبابنا و بناتنا ذوي الاختصاص و العلم و الجرأة من السياسيين و القانونيين و الاجتماعيين و الاقتصاديين و الدبلوماسيين بمساندة بعض الشرفاء في القيادة بإمكانهم إيجاد الدواء لهذا المرض المستعصي، كلٌ حسب اختصاصه استناداً على المقولة”
اعطِ الخبز للخبّاز، ولو أكل نصفه