محمد مندلاوي
ولاية البصرة
ما يسمى بالعراق اليوم، كان في الهزيع الأخير من عمر السلطة العثمانية (1299- 1923م) ثلاث ولايات مستقلة عن بعضها لا يربط بينها رابط.1- ولاية البصرة وتوابعها، حيث كانت الغالبية العظمى من مواطنيها من المذهب الشيعي، وعرقياً كانوا إما كورداً أو فرساً، إلا أنهم هجروا لغتهم الأم، وأصبحوا ناطقون بالعربية، ذلك بسبب فرض العقيدة الإسلامية عليهم بحد السيف، ومعها نجح الأعراب بفرض لغتهم العربية عليهم أيضاً، أن ما ساعد العرب على صهرهم في بوتقتهم قرب أرضهم من أرض العرب، وتضاريس أرضهم منبسطة، شبيهة بأرض العرب، لذا تحرك الغزاة العرب فيها بكل سهول ويسر، وهذا ما ساعدهم بفرض عقيدتهم ولغتهم وعاداتهم وتقاليدهم عليها بفترة زمنية وجيزة ودون عناء، إلا أنهم – العرب- استطاعوا فرض عقيدتهم على إيران وكوردستان وبلدان أخرى، لكنهم لم ينجحوا بفرض لغتهم العربية عليهم. للعلم، أن بعضاً من مدن وقرى ولاية البصرة كانت في فترات متباينة تلحق بولاية بغداد، بحسب مزاج الوالي العثماني، أو حسب ما يطلبه حكام الباب العالي في اسطنبول؟.
ولاية بغداد
2- ما سميت بولاية بغداد وتوابعها، باستثناء بغداد، كانت المنطقة الغربية، التي تسمى اليوم بالمنطقة السنية، وغالبية سكانها من أولئك الأعراب، الذين جاءوا في صدر الإسلام من أجل نشر العقيدة الإسلامية، ومعها نهب وسبي نساء وأموال مواطني بلاد بين النهرين، وكوردستان، إلا أنهم بعد أن أتموا مهمتهم.. رأوا أن هذه الأرض تدر عسلاً ولبنا استوطنوها عنوة إلى يومنا هذا. لكن لا رابط بينهم وبين الأشياع في جنوب وادي الرافدين لا مذهبياً ولا عرقياً، بدليل أن أبناء العشيرة التي تحمل نفس الاسم في كلتا المنطقتين المتاخمتين لبعضهما يختلفوا في كل شيء، ناهيك عن المذهب، لهجة، وزياً، وعادة وتقليدا، وأسلوب حياة الخ الخ الخ. رغم أن المسافة الجغرافية التي تفصل بينهما لا تتعدى عشرة إلى عشرين كيلومتر؟. أليس هذا يدل على أنهما من عرقين مختلفين؟ عرق سامي (عربي)، وعرق آري ناطق بالعربية يعتنق المذهب الشيعي.
ولاية كوردستان = ولاية موسێل
3- ولاية كوردستان، التي سميت فيما بعد بولاية موصل، كانت تشمل 1- أربيل. 2- سليمانية. 3- كركوك. وكانت دهوك في حينها ضمن سنجق موصل. حسب التقارير التي صدرت من عصبة الأمم، وما جاء في مؤلفات المستشرقين، الذين زاروا المنطقة، أكدوا أن 75% من مواطني الولاية هم كورد، إما 25% الآخرون هم من العرب، الذين جاءوا مع الغزو الإسلامي، أو فيما بعد بسبب النزاعات القبلية بين الأعراب على الكلأ والماء، ومن الطوائف المسيحية الذين استوطنوا المدينة قبل العرب، وكذلك من بعض الأتراك، من مخلفات الاحتلال العثماني الخ.
تأسيس الكيان العراقي بعصا الساحر البريطاني
في خضم الحرب العالمية الأولى، تحديداً بين أعوام 1914-1917 بعد أن دحر الجيش البريطاني الجيش العثماني واحتل ولايتي بصرة وبغداد. لا شك أنه كأي محتل آخر جاء من وراء البحار قاطعاً آلاف الكيلومترات من أجل أن ينهب خيرات الآخرين تحت ذريعة نشر المدنية والحضارة وخلاص سكان وادي الرافدين من الظلم التركي العثماني البغيض، ظهر هذا جلياً في قول الجنرال مود: جئناكم محررين لا فاتحين. بعد أن استقر الوضع نسبياً للبريطانيين سرعان ما قفز إلى أذهان قياداتهم فكرة شيطانية، وهي دمج ولاياتي بصرة وبغداد وإنشاء كيان سياسي منهما باسم العراق، لأن اسم العراق كان قديماً يطلق على قسم من هذا الكيان، الذي كان يمتد من الكوفة إلى البصرة،إلا أن البريطانيين أذكياء، وعندهم خبرة لا يستهان بها في هذا المضمار، لذا عرفوا أن لا حياة لهذا الكيان المصطنع بدون إلحاق ولاية كوردستان (موصل) به، فعليه شنوا هجوماً كاسحاً على الولاية واحتلوها بفوهة البنادق، إلا أنهم لم يستطيعوا إلحاقها بالكيان الجديد المسمى عراق إلا بعد أن مضت عدة سنوات، وتحديداً عام 1926 وذلك بمؤامرة دنيئة قادتها بريطانيا (الكافرة) والسائرون في ركابها في عصبة الأمم، وتحقق لهم ما أرادوا، حيث ألحقت الولاية، أي جنوب كوردستان بالكيان العراقي..، الذي أستحدثه البريطانيون قسراً وحشروا فيه شعوباً لا يوجد بينهم شيء مشترك، ومن ثم استوردوا له مليكاً وضيعاً محطوط القدر، كان قد خان والده الشريف حسين وتحالف مع أعدائه الإنجليز (الكفار). كي لا ننسى، أن بريطانيا حصلت على حق الانتداب، حق الوصاية على الكيان العراقي المستحدث عام 1918 من عصبة الأمم، وانتهى هذا الانتداب عام 1932 حين قبل الكيان العراقي رسمياً كعضو في عصبة الأمم. للعلم، أن الانتداب يعني حصرياً أن هذا الشعب غير قادر على إدارة نفسه بنفسه، أي أنه شعب غير حضاري..؟ سيجري ترويضه على أيدي بلد آخر ينتدبه المجتمع الدولي من خلال المنظمة الدولية حتى تشهد له الدولة المنتدبة فيما بعد أمام ممثلي المجتمع الدولي بأنه تروض ولا خوف منه بعد الآن، فعليه أن قبول العراق في هذه المنظمة الدولية كان مرفوقاً بحزمة شروط ملزمة تخص جزءاً من الشعب الكوردي وجزءاً من وطنه وهو جنوب كوردستان الذي ألحق بالعراق قسراً كما بينا أعلاه، واشترطت عصبة الأمم على الكيان المستحدث المسمى عراق، أن لا تمس هذه الشروط أبداً، لا بعد توقيعه على الشروط قبوله عضواً في المنظمة الدولية مباشرة، أو فيما بعد بتاريخ مفتوح غير محدد بالأرقام، إلا أن الكيان العراقي، والحاكم العربي القادم من ربع الخالي، الذي خان والده لم يعر أية أهمية لهذه الشروط، التي فرضته المجتمع الدولي، لا هو ولا وزراء.. الذين غيروا ولائهم بين ليلة وضحاها، بالأمس كانوا مع العثماني الذي كان يطلق عليهم “پیس عەرەب = العربي القذر” ضد الإنجليز، وبعدما انتصر البريطانيون (الكفار) في الحرب العالمية الأولى على المسلمين الأتراك سرعان ما غيروا ولائهم وصاروا جندرمة للإنجليز ضد آل عثمان!!. بعد مرور 38 عام على وجود النظام الملكي، تحديداً عام 1958 حدثت انعطافة كبيرة في هذا الكيان المصطنع إلا وهو سقوط النظام الملكي، ومجيء الحكم الجمهوري، لكن فيما يخص الشعب الكوردي لم يتغير شيء على أرض الواقع، سوى أنهم ذكروا في الدستور الجديد في مادته الثالثة: الكورد والعرب شركاء في هذا الوطن. إلا أنه كالعادة ظل حبراً على الورق، كما الدستور الحالي الذي خالفه الأشياع بعد تصويت العراقيين والكوردستانيين عليه بالإيجاب بنسبة 85%. بل صار النظام الجمهوري على مدى عقود طويلة أكثر عدوانية من العهد الملكي في تعامله الإجرامي مع الشعب الكوردي الجريح، حتى جاء الخلاص من براثن حزب البعث المجرم عام 2003 لقد استبشرنا خيراً باستلام الأشياع دفة السلطة في العراق، إلا أن الأعوام القليلة التي مضت على استلامهم السلطة أثبتت لنا أنهم أكثر قسوة من سابقيهم الملكيين والجمهوريين، ولم يجد الشعب الكوردي الجريح فرقاً بين أساليب سياسييهم الوحشية، وأفكار مراجعهم المذهبية فيما يخص حقوقه القومية المسلوبة، وكذلك مدنه وقراه السليبة، التي تأن تحت الاضطهاد وسياسة التعريب المقيتة. من الأمور العجيبة التي لا تصدق، ترى أن مراجعهم المذهبية تفتي في أمور بسيطة جداً ليست لها أية تأثير كبير على حياة الإنسان، لكنهم يغمضون عيونهم ويسدون آذانهم عن ما جرى ويجري الآن على أيد أشياعهم ضد الشعب الكوردي المسالم!. إن المراجع الشيعية، تعلم علم اليقين، أن المجرم اللعين صدام حسين جاء بآلاف مؤلفة من عوائل الشيعة.. من جنوب العراق بعد أن سلحهم، ومنحهم مبالغ نقدية ضخمة وأستوطنهم في أرض الكورد، في مدن بدرة وزرباطية وجصان وكركوك ومندلي وخانقي الخ الخ الخ، من أجل تغيير ديموغرافية هذه المدن الكوردية. وحين هجمت الميليشيات الشيعية الهمجية مع الجيش العراقي المجرم على مدينتي خورماتو وكركوك واحتلتهما ومن ثم قامت بجرائم بشعة يندى لها جبين الإنسان، لم تحرك هذه المراجع ساكناً ضد تلك القوات المعتدية، لا بل ساندتها بالفتاوى والتصريحات..!!!. هنا نسأل، من الذين يتبجحون بأنهم يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر: أين صار: الساكت عن الحق شيطان أخرس؟. أين مفعول: لا يجوز الصلاة في أرض مغتصبة؟. أعني كركوك والمدن الكوردية الأخرى السليبة؟. أم هذه الأحاديث خاصة لا تشمل الكورد لأنهم في قواميسكم يعدون من دون جنس البشر، من نسل الجن كما تقول بعض كتبكم؟.
هذا هو الكيان العراقي، الذي ألصقه البريطانيون (الكفار) من قطعة سنية، مع قطعة شيعية، ومن ثم جاءوا قسراً بقطعة كوردية – جنوب كوردستان- وشكلوا من هذه القطع غير منسجمة الألوان والأشكال، كياناً هزيلاً لا توجد ثقة متبادلة بين أطيافه أبداً، ولم تستقر هذا الكيان الفخاري على مدى العقود العشرة بعد خروجه من قبعة الساحر البريطاني، حيث أن نظام الحكم حين كان سنياً على مدى تسعة عقود اضطهَد الشيعة بقسوة وأعدم الكثير من عامتهم وخاصتهم. وبعد عام 2003 أصبح القرار شيعيا في العراق، لكن صاروا الآن هم يضطهدون السنة، وحين تسنح لهم الفرصة بين فينة وأخرى كلتاهما يضطهَدون الكورد بقسوة ودون رحمة، كأنهم ينالون ثواباً حين يضطهدون الكورد ويحتلون مدنهم وقراهم ويستعربونها دون أدنى شعور إنساني منهم، كأنهم ذئاب مفترسة بجلود بشرية تنطق باللغة العربية.
نختم هذا المقال بقول حكيم لوزيرة الثقافة في إحدى الدول الأوروبية التي قالت: أنتم العراقيون لا شيء يجمعكم، متفقون فقط على أكل البامية (Okra)، فلذا يستحسن بكم أن تضعوا صورة بامياياية في علم العراق.
25 02 2019