دارا محمد حصري
عبر التاريخ شهَدت منطقة الشرق الأوسط حروباً طاحنة، أراقت أنهاراً من الدماء، ولا يختلف الأمر عنه في أوروبا، إذ غالباً ما كانت تلك الحروب توسعية، تهدف لزيادة النفوذ ولأطماع في خيرات البلدان الأخرى ولإظهار مدى قوتها وحجم نفوذها.
ولأن الاحتلال كان دوماً يتصف بالوحشية ويخلّد في ذاكرة الشعوب تلك الصورة، وليتم تناقلها عبر الأجيال استمرت الشعوب في محاولاتها للانعتاق، ولم يدم الظلم والوحشية لأحد.
في 20 من يناير عام 2018م أعلنت تركيا وعلى لسان رئيسها رجب طيب أردوغان بدء العملية العسكرية في منطقة عفرين الكوردية، وبحجة تشكيل حزب الاتحاد الديمقراطي وأذرعه خطراً على أمن الدولة التركية (جناح حزب العمال الكوردستاني) المتواجدين في تلك الجغرافية، ويديرون الأمور العسكرية والمدنية هناك.
قُرعت الطبول وبدأت التكبيرات وتوافد الشيوخ ومجمّلي البلاط ، اجتمع المرتزقة بالآلاف وسط تكبيرات ووعود الانتقام وقطع الرؤوس للكفرة الملاحدة (الكورد).
بدأ الطيران التركي القصف، وازدادت وتيرة التكبير، وبدأ الغزو والاجتياح من قِبل الترسانة العسكرية الممولة من حلف الناتو.
سقط المدنيون قبل العسكريين، تفرّغت القرى وتوقفت أصوات التكبير والدعوات للصلاة في جوامع الكورد، وكلما سيطروا على قرية يكبّرون، وظهرت إشارات الذئاب الرمادية (التنظيم التركي المتطرف) وأصحاب اللحى الطويلة والثياب القصيرة، يأخذون الصور، ويتباهى الجندي التركي في راجو ليكتب عبارة إدانة واعتراف “لا أعلم مَن حرق روما، ولكن راجو نحن من أحرقناها”، استمرت المجزرة بحق الكورد وأبناءهم إلى اليوم، قتل على المزاج وصولاً للتمثيل بجثة الفتاة التي ستبقى عاراً على جبين الإنسانية للأبد.
الحجة كانت وجود الـ PKK!!
ولكن السؤال المفتقر للإجابة ألم يكن تنظيم (PKK) موجوداً قبل ذلك الوقت؟ ألم يكونوا جيراناً لتركيا لسنوات، ويراقب الأتراك حتى التجارة وعمليات استقدام المقاتلين من داخل أراضيها؟ إذاً لماذا كانت تركيا لا تتحرك في البداية؟
بغض النظر عن الإجابة، فقد حدث الاجتياح وسقطت عفرين، ولكن ماذا بعد مرور سنة؟
في أول يوم لبدء سقوط القرى أخذ المرتزقة يمتهنون ما هم عليه، وهي السرقة والسلب وصولاً ليوم غزوة الجراد بسقوط عفرين المدينة.
بعد مرور سنة من الاحتلال التركي لم يتحسّن شيئاً، بل زاد الطين بلّة فأصبحت الفصائل الإسلاموية تتباهى بالتصوير مع الكوردي بكل أنواع الإهانات، ليصل بهم الحدّ فيقوم طفل مراهق بسؤال شيخ لا يجيد العربية عن فرائض الإيمان وعدد الصلوات.
بعد سنة!
لم يبنَ طريق ولم تعوّض عائلة، لم يستطع الجيش التركي فرض سيطرته ليؤمن الأمن والأمان، لم تسلم الغابات من القطع ولا سلِمت المواقع الأثرية من التشويه للبحث عن قطعٍ ثمينة للاتجار بها، لم يسلم إلا نادراً بيتٌ كوردي من السرقة بدءاً بأصغر الأغراض وصولاً لفكّ الأبواب الحديدية والنوافذ، لم يسلم كوردي من الجباية، والكثيرون فرضوا رسوم الحماية.
بعد سنة!
التشرد مستمر، والعمل نادر والخطف والابتزاز سيد الموقف، لا أمان، إطلاق رصاص عشوائي، دوريات وهمية، اختطاف، كل هذا كان يحصل أمام أنظار التركي ولليوم يستمر ذلك بحالات، وعند البحث ورائهم يظهرون عصابات بشرية تعتبر وجودهم فرصة لاغتنام ما أمكن .
بعد سنة!
النوادر الذين يعملون لمحاسبة المجرمين مهملين مرميين في أطراف الزوايا، يجترون الألم ويأكلون من بطونهم، لا أحد يستمع لهم ولا لمطالبهم.
بعد سنة!
تم جلب آلاف العائلات العربية (نازحين، عوائل مسلحين) ويسكنون في بيوت الكورد الذين نزحوا في عملية معقدة مركبة تم الاتفاق عليها بين المتحاربين، وصل الأمر لأن يكون الكوردي نازحاً في قرية مجاورة وفي بيته يسكن نازح ويرفض الخروج متحدياً من البيت الذي وحسب نظرته هو غنيمة حرب.
بعد سنة!
سقطت تركيا في ادعائها ونتيجة المصالح تصمت عنها جمعيات حقوق الإنسان وصولاً للمجتمع الدولي، ولا أحد يطالبها في الالتزام أقل شيء ببنود وتوصيات دولية حول الاحتلال وشروطه.
بعد سنة!
استكملت العصابات المسيطرة وبإشرافٍ تركي ما قامت به منظومة الـ PKK خلال سنوات حكمها من تهجير للكورد ودفعهم لترك الأرض لتغيير معالمها السكانية والبشرية.
بعد سنة!
حصلت عدة عمليات تفجير بيد الفصائل، تبناها المنسحبين، لتكون الحجة لتهجير ومضايقة الباقيين أو العائدين لبيوتهم وتضييق الخناق عليهم للالتحاق بالهاربين والذين أصبحوا بلا أرضهم وأنفاس الزيتون.