الكفاح التحرري الكوردستاني مستمر (1-2)

جان كورد
في الذكرى الثالثة والسبعين لقيام جمهورية كوردستان في عاصمتها مهاباد في عام 1946 م التي انتهت بكارثة إعدام الرئيس الشهيد القاضي محمد (مثواه جنة الخلد إن شاء الله) والقضاء على الجمهورية الفتية نتيجة التواطؤ الروسي مع نظام الشاه الخائن، لا بد لنا من وقفة حيال ما جرى ويجري حتى الآن على أرض كوردستان  التي سماها العالم الاجتماعي التركي اسماعيل بشكجي ب”مستعمرة دولية”  من أحداثٍ جسام يتعرّض لمآسيها وهزائمها شعبنا الذي يبدو أن المجتمع الدولي لا يكترث بجدية بكفاحه من أجل الحرية والحياة الكريمة، حتى بعد حدوث مجازر وحشية كحرب الأنفال ضده ومذبحة حلبجة الأليمة وتدمير  مدنٍ مثل  كوباني واحتلال كما في عفرين.  
بسبب التقسيم الاستعماري لكوردستان، نحن مضطرون لأن ننظر إلى الخارطة الكوردية، حسب التقسيم الجاري على أرض الواقع الذي ترفضه الأمة الكوردية رفضاً تاماً، ونحاول قدر الامكان الاختصار في ذلك، حيث لا يتسع المجال لهكذا موضوع شائكٍ وواسع في مقالٍ متواضع أو اثنين. 
في شرق كوردستان، إزداد نظام الملالي منذ قيامه في عام 1979- 1980 غرسة طائفية وعدوانية وإجراماً بحق الشعب الكوردي، فتم إيقاف كل المساعي التي بذلها الكورد من أجل حوارٍ  سلمي بين قادتهم ونظام الملالي الذي اعتبر ذاته “قمة الثورة الاسلامية العالمية”، ومنها محاولات إصلاح البين للمفكر الإسلامي الكوردي الشيخ أحمد مفتي زاده والشيخ عز الدين الحسيني والدكتور مظفر بارتوماه، وسائر المحاولات التي قام بها العلمانيون مثل الدكتور الشهيد عبد الرحمن قاسملو الذي تم اغتياله من قبل المخابرات الايرانية على طاولة الحوار في العاصمة النمساوية فيينا، وكذلك الشيوعيين الكورد والفرس، وقام ملالي ايران  ومنهم آية الله خلخالي بارتكاب جرائم فظيعة ضد الإنسانية في كوردستان، حيث قُتِل ما يزيد عن 40000 مواطن كوردي في الحرب القذرة التي أمر بها آية الله خميني الذي تنكر لوعده للشعب الكوردي بأنه سيمنحه حكماَ ذاتياً (خودموختاري) حال تخلصه من الشاه، وطلب من أتباعه البحث في كوردستان عن مفتاح الجنة. ولم تسمح الحكومات الايرانية المتعاقبة للكورد سوى طريق الكفاح المسلح الذي بدأ يتسارع ويتعاظم في السنوات الأخيرة، بعد أن شرعت الحكومة الايرانية بمحاولات اغتيال متكررة داخل العراق وتفذت بعضها في داخل البلاد وخارجها.  واليوم يزداد الشعب الكوردي التصاقاً بحركته التحررية الثورية لرد العدوان الفارسي عليه في أرض وطنه كوردستان.
في شمال كوردستان التي تشكّل أكبر جزءٍ من كوردستان، وتعرّضت تاريخياً إلى أشنع وأقذر الممارسات العنصرية والسياسات التهجيرية والقمعية، سياسياً واقتصادياً وثقافياً، لم يدع الحكام الأتراك للمواطنين الكورد سوى سبيل الثورة، بعد أن رفضت الحكومة التركية تنفيذ معاهدة سيفر الدولية التي سمحت بقيام دولة كوردية، ثم تم إلغاؤها بمعاهدة 1923 في لوزان السويسرية، لأن  مصطفى كمال الذي أسس الجمهورية على أساسين: محاربة الإسلام ومنع الكورد من تحقيق أي  كيان قومي لهم، وعد الغرب بالقضاء التام على بقايا وآثار الخلافة العثمانية ورضي بتحويل بلاده إلى شبه مستعمرة للمصالح والاستراتيجيات الغربية وقمع كل حراك ديني، وبالفعل تم تحويل العديد من المساجد في تركيا إلى اسطبلات لخيول الفرسان العسكريين وتم منع الأذان باللغة العربية وإغلاق المدارس الدينية لسنواتٍ عديدة، ورفضت تركيا أيضاً بعد تنفيذ مجازر متتالية ضد الحراك القومي – الثقافي في كوردستان أن تنفّذ البنود الخاصة بالحقوق الثقافية للكورد في معاهدة لوزان. واستمرت الحكومات التركية المتعاقبة في سياسة الصهر القومي وقمع الكفاح التحرري الكوردي بقضائها على عدة ثورات كبيرة، منها ثورة الشيخ سعيد بيراني في عام 1925، وثورة حركة خويبون (الاستقلال) في عام 1927-1930 المعروفة بثورة جبل (آغري داغ)، وثورة شيخ العلويين سيد رضا في عام 1937 في منطقة ديرسم ، وكانت الحكومة التركية تعدم قادة الكورد وتقتل الآلاف من المواطنين العزل الأبرياء  برميهم أحياءً في الأنهار بعد ربطهم بالسلاسل أو وضعهم في أكياس أو تدفنهم أحياءً بزجهم في الكهوف وسدها عليهم بالاسمنت، كما منعت تعليم اللغة الكوردية واختيار أي اسم كوردي للأطفال، وحتى ذكر لفظ (كورد) في الوثائق الرسمية وفي الإعلام لعقودٍ عديدة وطويلة في تركيا.
وعلى الرغم من خمود الكفاح الوطني  ردحاً من الزمن، فإن جذوة النار ظلت متقدة في عمق المجتمع الكوردي، ثم بدأت الحركات الثورية التحررية، على شكل أحزاب وجمعيات سرية تتكوّن في العديد من المدن الكوردستانية، ومنها حركة (كوك) القومية وسواها لتطالب بالحق   المشروع لشعبها في نيل حق تقرير المصير، ولم تنفع كل المحاولات القمعية للحكومة التركية في القضاء عليها، فعمدت إلى محاولة تدجين هذه المحاولات من خلال توسيع شبكة الصوفيين في كوردستان ودعمهم لجذب المتدينين الكورد إلى حزب السيد أربكان ذي الاتجاه الإسلامي الذي كان يتعامل مع “الدولة السرية” التركية ويعتبر المد القومي الكوردي جزءاً من المؤامرة الشيوعية الدولية ضد الحياة المشتركة  للأتراك والكورد، وما على الكورد سوى التنكّر لقوميتهم ونبذ لغتهم والكف عن مطالبهم التي تضر ب”وحدة الأمة الإسلامية، تماماً مثلما يطالب “الإخوان المسلمون” بذلك في سوريا والعراق، ومن ناحية أخرى ظهر حزب العمال الكوردستاني، ليس في كوردستان، وإنما في أنقره ، على أيدي مجموعة من طلاب الجامعة، وهو الحزب الذي لا زال يُتَهم من قبل الحركة الوطنية الكوردية عموماً بأنه “صنيع الدولة السرية التركية” أيضاً، حيث أن أولى ممارسات هذا الحزب العنفية كانت ضد حركة (كوك) التي اعتبرها الحزب حركة اقطاعية، قومية، ضيقة الأفق الآيديولوجي، ومعادية للأممية البروليتارية، وبالفعل تم تصفية كوادر  تلك الحركة الكوردستانية الديموقراطية على أيدي حزب العمال الكوردستاني، الذي سرعان ما تعرّض لإرهاب الدولة بعد إنهائه الفصل الأول من مهمته الدموية، على أثر انقلاب الجيش الذي قاده الجنرال كنعان إيفرين الدموي أيضاً، وبسبب حملة الاعتقالات الرهيبة التي رافقها التعذيب الوحشي حتى الموت لليساريين عامةً وللكورد خاصةً لم يعد في تركيا مكانٌ يأوي إليه أنصار  حزب العمال الكوردستاني. أما زعيمه السيد عبد الله أوجلان  الذي تزوّج ابنة أحد رجال المخابرات التركية، وكان يعلم بأنها تسلّم أسماء بعض رفاقه إلى “طيار تركي” سراً  فيقضون حياتهم في المعتقلات تعذيباً حتى الموت، فقد أضطر  إلى الهرب صوب سوريا، على أمل الالتحاق بالثورة الفلسطينية لاحقاً كما صرّح فيما بعد، في حين تعرض عددٌ كبير من أتباعه للاغتيال أو التعذيب حتى الموت أو انتحروا في زنزانات تركيا ومنهم الشاب مظلوم دوغان الذي أطلق عبارته الشهيرة قبيل حرقه حياً (في المقاومة حياة)  ويعتبر رمزاً  من رموز الكفاح للأمة الكوردية، وبذلك تطوّر الحزب من محرّد ألعوبة بيد “الدولة السرية التركيةً  حسب اعترافات زعيمها بنفسه في العديد مما تم نشره على لسانه وفي محاضراته الكثيرة، إلى “لعبة” اقليمية، وحجرة شطرنج كبير  بين لاعبين متخاصمين، منهم إيران وتركيا، وبالتالي سوريا والعراق، من دون أن يصبح للحزب شأنٌ ما على الصعيد الدولي. وبإعلانه “الثورة” في عام 1984 وتغيّر الظروف السياسية العامة بتواجد قيادة الحزب خارج تركيا والدعم الذي قدّمه الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد العلوي للحزب تطوّر التنظيم إلى حركة شعبية واسعة ومنظّمة، ليس في الشرق الأوسط فحسب، وإنما في أوروبا أيضاً، حيث جاءه دعمٌ  معنوي هائل ومالي منتظم وكثيف من المهاجرين الكورد، وتوافد آلاف الشباب الكوردي، وبخاصة من الكورد السوريين، للانضمام إلى قوات “الغريلا” الثورية التي شرعت في الهجوم على مقرات الجيش التركي والجندمة وقوات “حماة القرى” من الكورد المرتزقة الذين كانت تدفع لهم أنقره بسخاء، لأنها عجزت عن صد عمليات “الثوار” الكورد.
 ((يتبع)) 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

المهندس باسل قس نصر الله ونعمٌ .. بأنني لم أقل أن كل شيء ممتاز وأن لا أحداً سيدخل حلب .. فكانوا هم أول من خَرَج ونعم .. بأنني كنتُ مستشاراً لمفتي سورية من ٢٠٠٦ حتى الغاء المنصب في عام ٢٠٢١ واستُبدل ذلك بلجان إفتاء في كل محافظة وهناك رئيس لجان افتاء لسائر المحافظات السورية. ونعم أخرى .. بأنني مسيحي وأكون…

إبراهيم اليوسف بعد الفضائح التي ارتكبها غير الطيب رجب أردوغان في احتلاله لعفرين- من أجل ديمومة كرسيه وليس لأجل مصلحة تركيا- واستعانته بقطاع طرق مرتزقة مجرمين يعيثون قتلاً وفسادًا في عفرين، حاول هذه المرة أن يعدل عن خطته السابقة. يبدو أن هناك ضوءًا أخضر من جهات دولية لتنفيذ المخطط وطرد إيران من سوريا، والإجهاز على حزب الله. لكن، وكل هذا…

نظام مير محمدي* في 26 نوفمبر/تشرين الثاني، نشرت صحيفة جمهوري إسلامي الحكومية مقالاً بعنوان “الخوف من ثورة الجماهير الجائعة”، محذرة قادة النظام: “كل يوم، تتعمق الأزمة الاقتصادية؛ يزداد الفقراء فقراً، والأغنياء ثراءً، ويصبح المستنقع غير المسبوق من النخبوية الذي يجتاح مجتمعنا أكثر انتشارًا”. وسلط المقال الضوء على أن الطبقة النخبوية الجديدة “تعيش في قصور أكثر إسرافًا من قصور الشاه…

إبراهيم اليوسف   لقد أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي، في وقتنا المعاصر، منصات عالمية تتيح لجميعنا التعبير عن آرائنا، مهما كانت هذه الآراء إيجابية أو سلبية. لكن هناك ظاهرة جديدة تتجسد في ما يمكن أن نسميه “إطلاق النار الاستباقي”، وهو الهجوم أو النقد في صورته المشوهة الذي يستهدف أي فكرة أو عمل قبل أن يرى النور. لا تقتصر هذه الظاهرة على…