في سدّ الذرائع أمام اردوغان

غسان جانكير
لا أبلغَ في وصف الحالة الكردية الراهنة، مِن صورة ذاك العجوز العفريني، يقف على قارعة الطريق، بجانب جثة ابنه الذي فقد حياته نتيجة قصف الجيش التركي والمرتزقة من الجيش الحر لمدينة عفرين وقراها، العجوز بثيابه الندية بدم ابنه واقف وحيدٌ مُرتبك، بدلالة لفافة التبغ بيناصبعيه وهو يرنو الى ابنه عساه يقوم حياً، هذا لأن الدموع المتجمدة في عينيه، لم تجد نواحاً اورثاءً، لتفتح لها سبيلاً للنزول، في ذلك الخلاء وقد فرّ الجميع كأنه ” يوم الحشر “، فلا نجد في الصورة سوى الجبل الاصمّ مواسياً. 
لئن كنتُ قد حاولت استخلاص التفاؤل من تغريدة دونالد ترامب بشان سحبه لقواته من سوريا، التيهزّت العالم، وبأن هذا الانسحاب سيأخذ مدى أطول من حياة ترامب وأطول من أن يملّ الاتراك من الاناضول فيهجروه الى المريخ، بل، وأطول من أمل توحد الكرد، فأنني على يقين بأن أمريكا والغرب عموماً، وقد خَبِروا الكردي صامدا في وجه السلفية، مقارنة بتجارب فاشلة إن كان في العراق مع الحشد الشعبي وقبله الصحوات، أو في سوريا مع عدة كتائب من الجيش الحر، التي ما ان تنتهي من التدرب على السلاح في تركيا وتدخل سوريا حتى تسلّم سلاحها للمتطرفين الاسلاميين خوفاً، أو، وهو الغالب، طمعاً في المال. إضافة الى سعيهم ( الغرب ) الى عدم تكرار تجربة عفرين مرة أخرى في ” شرق الفرات “، وظهور بوادر حملة إعلامية عالمية ل ” شيطنة ” رغبة اردوغان باجتياح مناطق الكرد، الامر الذي دفعه مؤخراً التحوّل من مُتغطرس يهدد من يقف فيوجه معركته ب ” الصفعة العثمانية “، الى موقع حامي حمى الكرد، الذين يستنجدون به – حسبإدعاءاته – من ” ظلم ب ي د / ب ك ك ” . 
إعلامياً أظنها لحظة حاسمة أن يستغلها المجلس الوطني الكردي و حزب الاتحاد الديمقراطي ببيان يرفض التهديدات التركية، تُسقط به زرائع اردوغان، وتجنيب المنطقة أهوال الغزو، والاستعدادللحوار فيما بينمهما إضافة الاحزاب والهيئات والاتحادات الاخرى، مع الافتراض بأن التأسيس للمرحلة القادمة تشترط التحلي بالجرأة على الاعتذار، بحضور ممثلين عن أمريكا او فرنسا، وهما- بحسب التصريحات الرسمية – معنيتان بالبحث عن حل سياسي عاجل لهذه التهديدات التركية،وتؤسس لوحدة الرؤى الكردية في سوريا المستقبل . 

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

صلاح بدر الدين تدعو الكاتبة سميرة المسالمة، في مقالها “مواطنون في دولة سورية… لا مكوّنات ولا أقليات” (“العربي الجديد”، 22/12/2025)، إلى “مجتمع من المواطنين… يتحرّرون من الإرث الثقيل الذي خلفه النظام الأسدي باستعادة دورهم ذواتاً فاعلةً، وبناء الثقة المتبادلة فيما بينهم، من خلال تعريف أنفسهم شعباً واحداً لا مكوّناتٍ ولا أقلياتٍ متفرّقة، وتعزيز هُويَّتهم مواطنين لا رعايا”. وتضيف: “فالجماعات الإثنية،…

صلاح عمر في لحظة يفترض أن تكون مكرّسة لرأب الصدع الوطني، وإعادة بناء ما دمرته سنوات الحرب والاستبداد، يطلّ خطاب الكراهية من جديد، أكثر حدّة ووقاحة، موجّهًا هذه المرّة ضد الكورد في سوريا، كأن التاريخ لم يعلّم أصحابه شيئًا، وكأن البلاد لم تدفع بعدُ ما يكفي من الدم والخراب. هذا الخطاب ليس عابرًا، ولا مجرد انفعالات على منصات التواصل أو…

د. محمود عباس ما نشرته واشنطن بوست البارحة، 23/12/2025م، تحت عنوان (كيف تسعى الأنشطة الإسرائيلية السرّية في سوريا إلى عرقلة حكومتها الجديدة) لم يكن كشفًا صحفيًا، بل إعادة تدويرٍ لتهمةٍ قديمة تُستحضر كلما اقتربت لحظة تسوية كبرى على حساب الشعوب. التهمة الجاهزة، الكورد والدروز أدوات إسرائيل. والحقيقة الأوضح، لا وجود لعلاقة سرّية ولا مشروع تحالف خفي، بل هناك تهمة سياسية…

بنكين محمد في النزاعات المعقّدة، لا تقلّ خطورة الرواية عن الرصاصة، ولا يكون التلاعب بالصور والكلمات أقل فتكًا من القصف. ما شهدناه خلال الأيام الأخيرة في التغطيات الصادرة عن بعض القنوات العربية الكبرى، وعلى رأسها #العربية و#الحدث و#الجزيرة، لا يمكن توصيفه بوصفه “اختلافًا في الزوايا”، بل انحرافًا سياسيًا وإعلاميًا عن معايير المهنية الدولية. لقد جرى تسويق رواية مضلِّلة تتهم الكرد…