ازداد الحديث عن الإصلاح والتحديث ، مع بدايات العهد الجديد وتحديدا منذ 10/ 7 / 2000 أي تاريخ القسم الأول للدكتور بشار الأسد رئيس الجمهورية ، حين وعد خلال كلمة شاملة أمام مجلس الشعب السوري بالإصلاحات الداخلية الواسعة من سياسية واقتصادية وتعليمية وصناعية وزراعية ..الخ على أن تتخذ الشفافية والوضوح سبيلا في الوصول إلى الهدف أو المأرب الذي يخدم الجماهير والمجتمع السوري ، (وغدت ” كلمة القسم ” تلك لدى أوساط النظام أشبه ببرنامج مرحلة أو مشروع تفاعل مع التغيير والتجديد)
لدرجة علقت عليها حتى المعارضة الوطنية الديمقراطية بمكوناتها السياسية والثقافية والمعرفية والحقوقية الآمال الكبيرة وسمي الحراك السياسي والمدني حينذاك ” بربيع دمشق ” ذلك لما شهدته دمشق العاصمة ومحافظات أخرى من العمل والنشاط عبر الانتشار الواسع للمنتديات واللقاءات السياسية والثقافية التي كان قد تعطش لها المجتمع السوري بكل ألوان طيفه القومي والسياسي والديني ، لكن سرعان ما تبددت تلك الآمال مع تلاشي تلك الوعود أو ذهابها في مهب رياح عودة القبضة الأمنية التي قمعت ولاحقت وزجت من جديد بأصحاب الرأي المخالف في غياهب السجون وأنزلت بهم الأحكام الجائرة التي زادت شدة في وقعتها ووطأتها عما كانت عليه في العهود السابقة ..
لتشهد البلاد بعدها حالة تراجع وانحدار متواصلين في العديد من المجالات الحيوية للإنسان السوري وخصوصا في الجانبين السياسي والاقتصادي ..
ففي الجانب السياسي: بقيت وما زالت الحياة السياسية في البلاد مكبلة بعقلية الاستئثار بالسلطة والثروة وبالقوانين والمحاكم الاستثنائية الظالمة ، وهي تفتقر لضوابط وقوانين تنظمها، وتعالت معها يد أجهزة السلطة الأمنية أكثر تقمع من تشاء وتهين من تشاء وتعتقل من تشاء، إلى جانب الاستمرار التام للنظام في تجاهله للتعددية القومية والسياسية الحقيقية ، فضلا عن تزايد معاناة الشعب الكردي الأمرين نتيجة الوطأة المتزايدة لسياسة التعريب وسياسة الاضطهاد القومي التي يتبعها النظام حيال هذا الشعب وتطبيقه المزيد من القوانين الاستثنائية الجائرة بحقه وكخطوة أخرى في هذا السياق توزيع مساحة آلاف الدونمات من الأراضي الزراعية الخصبة من قرى منطقة ديرك على فلاحين عرب من منطقة الشدادي من جنوبي الحسكة كعملية توطينية تكميلية لمشروع الحزام العربي السيئ الصيت وعلى حساب حرمان العوائل الفلاحية الكردية التي كانت تستثمر هذه الأراضي قبل جعلها ما سمي بمزارع الدولة ..
وفي الجانب الاقتصادي : ظل اقتصاد البلد هامشيا تعبث به القلة القليلة على حساب سواد الشعب تدفع باتجاه اختفاء الطبقة المتوسطة على حساب الطبقة الدنيا ولصالح الطبقة المتحكمة بمفاتيح الاقتصاد المدعمة بكل الإمكانيات من مراكز القرار ، هذا في وقت يشهد فيه اقتصاد البلاد حالة شبه الحصار والعزل عن الأسواق العالمية، وطي موضوع الشراكة الأوربية السورية ، ويتجه النقد نحو وضع من التضخم ، ذلك بمعيار الارتفاع المتواصل لأسعار السلع الضرورية للحياة..
وما يبعث على القلق هو تزامن هذه الوضعية مع حالة الفساد التي لم تتوقف بل تخللتها موجات واسعة داخل مؤسسات الدولة وخارجها، إلى أن أوصلت بالبلاد والعباد إلى ما هو عليه الآن من الفقر المدقع وتزايد البطالة وتدني القدرة الشرائية لدى ذوي الدخل المحدود ، وتفشي الظواهر السلبية الخطيرة ولاسيما الجريمة المركبة مثل – القتل والسلب- القتل والسطو- الاغتصاب والقتل – التعاطي والاتجار بالمخدرات- الرشوة والاختلاس- ..الخ الأمر الذي يشير إلى بوادر أزمات خانقة في هذا الجانب خلال المراحل القادمة من عمر البلاد..
واليوم ووسط ظروف سياسية عالمية وإقليمية جديدة تهدف إلى تحولات سريعة تتفاعل مع المتغيرات الدولية لتفرز استحقاقات مرحلة أخرى ، ولتلقي بأعباء جديدة على كاهل الوطنيين والديمقراطيين من اجل تحقيقها، وفي خضم الصراعات التي تشهدها منطقتنا – لبنان ، فلسطين ، العراق الخ – ودنو أجل مباشرة المحكمة ذات الطابع الدولي لمهامها في التحقيق باغتيال رئيس وزراء لبنان الأسبق رفيق الحريري ، والضغوطات التي يتعرض لها بلدنا من لدن القوى الدولية وامتداداتها في المنطقة والتي تدفع في مجملها إلى التصعيد لا العكس ، والتي تتطلب الاحتكام إلى المعايير العلمية في العمل السياسي وإلى إرادة الجماهير العريضة من المجتمع مع مراعاة ألوان طيفه وضمان حقوقها ..
وسط هذه الظروف وخلال هذه الصراعات الحادة يعيد بنا القسم الجديد في 17 / 7 / 2007 إلى المربع الأول بعد سبع سنوات عجاف، لنكون أمام مصفوفات جديدة من نفس الوعود المتكررة ابرزها – قانون أحزاب ، مجلس شورى ، تعديل قانون المطبوعات ، حل مشكلة إحصاء عام 1962 ( المجردين من الجنسية ) لكن بشكل مبتور أي عدم التعرض للمكتومين وشأنهم ، وبنبرة صوتية اختلفت هذه المرة عما كانت عليها سابقا، كما لم يتم التطرق إلى معالجة الوضع الكردي وكأن المشكلة الكردية مختزلة في موضوع المجردين من الجنسية ..
وفي هذا السياق وخلال الوضع السياسي المتداخل وما يكتنفه من الغموض والضبابية التي يصعب التكهن بدقة نتائجه وما ستؤول إليها الأوضاع في رسم سياسة البلاد وتحديد خيارات مستقبلها وفي هذا الصدد رب أسئلة تراود أذهان كل المتتبعين والمهتمين بالشأن الوطني وتثير قلقهم ، ولعل أبرزها : ترى ألا ينذر الوضع القائم بمخاطر احتدام لا يحمد عقباه ؟ ثم أين يكون موقع بلدنا إذا ما حصل ذلك ؟ هل من جدية هذه المرة لإعادة الترتيب الوطني وتحقيق الوعود عبرها ؟ وأين مشاريع القوانين والمراسيم في هذا الصدد ؟ هل من متسع للوقت في تحقيقها؟ ..
إنها أسئلة مشروعة ، نترك الإجابة عنها للزمن القريب
—-